استراتيجية أوباما والغرق في المستنقع الأفغاني
أخيراً وبعد ثلاثة أشهر من التداول والدراسة والنقاش بين صنّاع القرار في الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأمريكي استراتيجية إدارته الجديدة تجاه أفغانستان، وكان أبرز ما فيها إرسال ثلاثين ألفاً من الجنود الى الجبهة الأفغانية، وأن يبدأ إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في منتصف العام 2011 ، وأن يتم تسليم القوات الأفغانية وقوات مرتزقة أخرى شبيهة بميليشيات الصحوة في العراق مسؤولية ادارة المحافظات الأفغانية بشكل تدريجي، وذلك بعد أن يكتمل إعدادها وتدريبها طوال هذه الفترة. وضمّن خطته مطالبة أوباما للدول الأعضاء في حلف الناتو المشاركة بتقديم خمسة آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان لتساعد القوات الأمريكية في بسط سيطرتها على قوات حركة طالبان. وعلّق أوباما نجاح هذه الاستراتيجية في اعتمادها على التعاون الوثيق مع الدولة الباكستانية وجيشها.
هذه هي أبرز النقاط الواردة في خطة أوباما والتي اعتبرت من أهم الاستراتيجيات التي تبنتها أمريكا للتعامل مع أهم وأخطر مشكلة تُواجهها منذ خوضها للحرب العالمية الثانية ولحرب فيتنتام. وتكاد تكون هذه الخطة هي عينها التي استُخدمت في العراق، كما تكاد تكون طريقة التفكير فيها هي ذاتها التي استخدمها نفس الشخص في العراق وهو وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس الذي عُيّن في منصبه في نهاية عهد بوش.
وبالتدقيق في هذه الاستراتيجية نجد أنها استراتيجية هزيلة، غير مقنعة ولا مضمونة النتائج، لأن استنساخ ما جرى في العراق مسألة غير واردة في أفغانستان، وما حصل في العراق ليس بالضرورة أن يحصل في أفغانستان، والقياس هنا خاطئ، فالعراق غير أفغانستان، والظروف في كل منهما مختلفة عن الآخر، والتاريخ لا يُكرر نفسه، بخلاف ما يُشيعه البعض من أن التاريخ يُكرر نفسه.
ومن أبرز نقاط الخلاف بين حالتي العراق وأفغانستان:
1- ان حركة طالبان هي غير تنظيم القاعدة فالحركة أفغانية التوجه بينما التنظيم عالمي الوجهة.
2- لم ترتكب حركة طالبان أي خطأ بحق الشعب الأفغاني وبالتالي لم تستفد أمريكا من أخطاء الحركة كثيراً، بخلاف أخطاء تنظيم القاعدة الفادحة بحق أهل العراق والتي أعطت المبررات الكثيرة لأمريكا للعزف على وتر المذهبية والطائفية بشكل صارخ.
3- وجود حركة طالبان في الحكم قبل سقوطها في العام 2001 ولمدة ست سنوات متتالية منحها قدرة تنظيمية هائلة وجعلها تتعامل مع السكان بوصفها دولة شرعية، بخلاف الحركات الجهادية وحركات المقاومة في العراق التي قامت بعملها بطريقة ارتجالية غير منظمة.
4- إن أخطاء أمريكا الفادحة وجرائمها الكثيرة في أفغانستان، ومفاسد عميلها كرازاي، والنظر إلى أفغانستان نظرة أمنية فقط وعدم الاهتمام بتلبية حاجات السكان، كل ذلك أوجد هوة واسعة من عدم الثقة بين الاحتلال وعملائه من جهة وبين السكان من جهة ثانية، بينما في العراق تعاونت الطبقة السياسية بشكل كامل مع الأمريكان.
5- الطبيعة الجغرافية الصعبة لأفغانستان والخبرة الطويلة للشعب الأفغاني في فنون القتال قلّما نجد له نظيراً لا في العراق ولا في أي بلد لآخر.
6- الاعتماد على باكستان في تأمين ظهرقوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان هو اعتماد في غير مكانه، فباكستان ليست دولة صغيرة يسهل على حكامها الخونة السيطرة عليها، كما أن شعبها يتحرق شوقاً للجهاد والاستشهاد ومن الصعب تذليله من قبل حفنة من العملاء، وذلك بخلاف الدول الصحراوية الصغيرة المجاورة للعراق، وبخلاف إيران التي تُكن عداءً متأصلاً ضد حركة طالبان.
إن هذا الاختلاف البيّن بين حالتي العراق وأفغانستان يدل على أن استراتيجية روبرت غيتس التي تبنتها إدارة أوباما محكوم عليها بالفشل، وأنها سوف تتحول في النهاية الى استراتيجية هروب أمريكي من أفغانستان، ولن تجني أمريكا منها سوى خسارة المزيد من عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، وهو ما يُسرّع في تدهور الاقتصاد الأمريكي، ويؤدي بالتالي إلى تراجع أمريكا سياسياً في العالم.
ويؤيد هذا الاستنتاج الخبير الروسي المخضرم بريماكوف الذي يقول: "إن الولايات المتحدة تبحث الآن عن مخرج من الوضع الصعب في أفغانستان عن طريق زيادة وجودها العسكري في هذا البلد. كما تعتمد على تدريب القوات الأفغانية الخاصة من اجل تأمين الاستقرار. وهذه مهمة صعبة للغاية. أرى أن المخرج من عدم الاستقرار هذا يقوم على تقديم مساعدات اقتصادية ودعم إعادة إعمار البلاد". ويضيف قائلاً: " إذا كان الهدف هو اختراق صف طالبان وفتح أبواب السلطة أمام عناصر غير متطرفة من الحركة، سعيا إلى استقرار الوضع في البلاد، فالأمر يستحق العناء. أما إذا كان الحديث يدور حول تقاسم السلطة في أفغانستان بين طالبان وكرزاي، حتى وإن تم ذلك تحت إشراف القوات الأمريكية المعززة، فمثل هذا النهج يبدو لي خطيرا جدا، لأنه قد يوصل طالبان إلى الحكم". فبريماكوف يستنتج من هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن يتم في النهاية تسليم الحكم الى حركة طالبان، ويبدو أنه استنتاج في محله.
وخلاصة مخططات أمريكا في أفغانستان أن جيش احتلالها سيبقى يتخبط ويغرق في المستنقع الأفغاني حتى يصل الى النتيجة التي لا بد لها من الوصول اليها ألا وهي الهروب من أفغانستان وترك الأفغان يحكمون أنفسهم بالطريقة التي يُريدون.
أخيراً وبعد ثلاثة أشهر من التداول والدراسة والنقاش بين صنّاع القرار في الولايات المتحدة أعلن الرئيس الأمريكي استراتيجية إدارته الجديدة تجاه أفغانستان، وكان أبرز ما فيها إرسال ثلاثين ألفاً من الجنود الى الجبهة الأفغانية، وأن يبدأ إنسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان في منتصف العام 2011 ، وأن يتم تسليم القوات الأفغانية وقوات مرتزقة أخرى شبيهة بميليشيات الصحوة في العراق مسؤولية ادارة المحافظات الأفغانية بشكل تدريجي، وذلك بعد أن يكتمل إعدادها وتدريبها طوال هذه الفترة. وضمّن خطته مطالبة أوباما للدول الأعضاء في حلف الناتو المشاركة بتقديم خمسة آلاف جندي إضافي إلى أفغانستان لتساعد القوات الأمريكية في بسط سيطرتها على قوات حركة طالبان. وعلّق أوباما نجاح هذه الاستراتيجية في اعتمادها على التعاون الوثيق مع الدولة الباكستانية وجيشها.
هذه هي أبرز النقاط الواردة في خطة أوباما والتي اعتبرت من أهم الاستراتيجيات التي تبنتها أمريكا للتعامل مع أهم وأخطر مشكلة تُواجهها منذ خوضها للحرب العالمية الثانية ولحرب فيتنتام. وتكاد تكون هذه الخطة هي عينها التي استُخدمت في العراق، كما تكاد تكون طريقة التفكير فيها هي ذاتها التي استخدمها نفس الشخص في العراق وهو وزير الحرب الأمريكي روبرت غيتس الذي عُيّن في منصبه في نهاية عهد بوش.
وبالتدقيق في هذه الاستراتيجية نجد أنها استراتيجية هزيلة، غير مقنعة ولا مضمونة النتائج، لأن استنساخ ما جرى في العراق مسألة غير واردة في أفغانستان، وما حصل في العراق ليس بالضرورة أن يحصل في أفغانستان، والقياس هنا خاطئ، فالعراق غير أفغانستان، والظروف في كل منهما مختلفة عن الآخر، والتاريخ لا يُكرر نفسه، بخلاف ما يُشيعه البعض من أن التاريخ يُكرر نفسه.
ومن أبرز نقاط الخلاف بين حالتي العراق وأفغانستان:
1- ان حركة طالبان هي غير تنظيم القاعدة فالحركة أفغانية التوجه بينما التنظيم عالمي الوجهة.
2- لم ترتكب حركة طالبان أي خطأ بحق الشعب الأفغاني وبالتالي لم تستفد أمريكا من أخطاء الحركة كثيراً، بخلاف أخطاء تنظيم القاعدة الفادحة بحق أهل العراق والتي أعطت المبررات الكثيرة لأمريكا للعزف على وتر المذهبية والطائفية بشكل صارخ.
3- وجود حركة طالبان في الحكم قبل سقوطها في العام 2001 ولمدة ست سنوات متتالية منحها قدرة تنظيمية هائلة وجعلها تتعامل مع السكان بوصفها دولة شرعية، بخلاف الحركات الجهادية وحركات المقاومة في العراق التي قامت بعملها بطريقة ارتجالية غير منظمة.
4- إن أخطاء أمريكا الفادحة وجرائمها الكثيرة في أفغانستان، ومفاسد عميلها كرازاي، والنظر إلى أفغانستان نظرة أمنية فقط وعدم الاهتمام بتلبية حاجات السكان، كل ذلك أوجد هوة واسعة من عدم الثقة بين الاحتلال وعملائه من جهة وبين السكان من جهة ثانية، بينما في العراق تعاونت الطبقة السياسية بشكل كامل مع الأمريكان.
5- الطبيعة الجغرافية الصعبة لأفغانستان والخبرة الطويلة للشعب الأفغاني في فنون القتال قلّما نجد له نظيراً لا في العراق ولا في أي بلد لآخر.
6- الاعتماد على باكستان في تأمين ظهرقوات الاحتلال الأمريكية في أفغانستان هو اعتماد في غير مكانه، فباكستان ليست دولة صغيرة يسهل على حكامها الخونة السيطرة عليها، كما أن شعبها يتحرق شوقاً للجهاد والاستشهاد ومن الصعب تذليله من قبل حفنة من العملاء، وذلك بخلاف الدول الصحراوية الصغيرة المجاورة للعراق، وبخلاف إيران التي تُكن عداءً متأصلاً ضد حركة طالبان.
إن هذا الاختلاف البيّن بين حالتي العراق وأفغانستان يدل على أن استراتيجية روبرت غيتس التي تبنتها إدارة أوباما محكوم عليها بالفشل، وأنها سوف تتحول في النهاية الى استراتيجية هروب أمريكي من أفغانستان، ولن تجني أمريكا منها سوى خسارة المزيد من عشرات المليارات من الدولارات سنوياً، وهو ما يُسرّع في تدهور الاقتصاد الأمريكي، ويؤدي بالتالي إلى تراجع أمريكا سياسياً في العالم.
ويؤيد هذا الاستنتاج الخبير الروسي المخضرم بريماكوف الذي يقول: "إن الولايات المتحدة تبحث الآن عن مخرج من الوضع الصعب في أفغانستان عن طريق زيادة وجودها العسكري في هذا البلد. كما تعتمد على تدريب القوات الأفغانية الخاصة من اجل تأمين الاستقرار. وهذه مهمة صعبة للغاية. أرى أن المخرج من عدم الاستقرار هذا يقوم على تقديم مساعدات اقتصادية ودعم إعادة إعمار البلاد". ويضيف قائلاً: " إذا كان الهدف هو اختراق صف طالبان وفتح أبواب السلطة أمام عناصر غير متطرفة من الحركة، سعيا إلى استقرار الوضع في البلاد، فالأمر يستحق العناء. أما إذا كان الحديث يدور حول تقاسم السلطة في أفغانستان بين طالبان وكرزاي، حتى وإن تم ذلك تحت إشراف القوات الأمريكية المعززة، فمثل هذا النهج يبدو لي خطيرا جدا، لأنه قد يوصل طالبان إلى الحكم". فبريماكوف يستنتج من هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة أن يتم في النهاية تسليم الحكم الى حركة طالبان، ويبدو أنه استنتاج في محله.
وخلاصة مخططات أمريكا في أفغانستان أن جيش احتلالها سيبقى يتخبط ويغرق في المستنقع الأفغاني حتى يصل الى النتيجة التي لا بد لها من الوصول اليها ألا وهي الهروب من أفغانستان وترك الأفغان يحكمون أنفسهم بالطريقة التي يُريدون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق