في رده على كلام أمين عام حزب الله حسن نصر الله حول " مناقشة خيارات المسيحيين الحالية والمستقبلية " في لبنان قال عضو كتلة (القوات اللبنانية) النائب في البرلمان اللبناني إيلي كيروز متبجحاً :" إن المسيحيين في لبنان لم يكونوا يوماً وفي أي لحظة من تاريخهم أهل ذمة، ولن يكونوا، وهم ليسوا بحاجة البتة إلى حماية أحد ولا وصاية أحد، بل إنهم يتمسكون بحقهم الكامل في الحرية والمواطنة في بلد كانوا في أساس قيامه".
وللأسف الشديد لم يرد على كلام هذا النائب النصراني الاستفزازي لا حسن نصر الله ولا غيره من زعماء المسلمين في لبنان، ولذلك صار واجباً على أي مسلم سمع مثل هذه التصريحات الاستفزازية لمشاعر المسلمين أن يرد عليها.
في البداية لا بد من تذكير هذا النائب بالمغالطة التاريخية الواردة في كلامه وهي زعمه أن " المسيحيين في لبنان لم يكونوا يوماً وفي أي لحظة من تاريخهم أهل ذمة "، فأقول: إن نصارى لبنان بعد الفتح الاسلامي لبلاد الشام في زمن ثاني الخلفاء الراشدين عمر بن الخطاب رضي الله عنه كانوا أهل ذمة، وكانوا يدفعون الجزية للدولة الاسلامية، وكانوا يعيشون تحت حماية المسلمين وفي ظل أحكام الشريعة الاسلامية، وكانوا ينعمون بعدل الاسلام ورفاهية العيش في ظلال الحكم الاسلامي، وظلوا كذلك لمدة تزيد عن الألف ومائتي عام إلى أن ضعفت الدولة العثمانية الاسلامية ومن ثم تلاشت من الوجود في العام 1924م.
وبالتالي فإن كلام هذا النائب عن نصارى لبنان بأنهم لم يكونوا من أهل الذمة يوماً هو محض افتراء وزعم باطل لا أساس له.
وأما تبجحه بأن نصارى لبنان ليسوا بحاجة الى حماية أحد ولا وصاية أحد فهذا كلام زائف ويكذبه الواقع، لأن نصارى لبنان دائماً كانوا يعيشون في حماية غيرهم، ففي ظل الخلافة الاسلامية كانوا يعيشون بحماية وأمان المسلمين لمئات السنين، وأما في نهاية العهد العثماني وعندما ضعفت الدولة العثمانية وفقدت القدرة على حمايتهم، ذُبح نصارى لبنان ذبح النعاج على أيدي الدروز بإيعاز من المستعمرين البريطانيين، وطلبوا من فرنسا حمايتهم، وادعت فرنسا بأن الموارنة مرتبطون بها ارتباطاً عضوياً لأسباب استعمارية، وما زالوا منذ تاريخ تلك المذابح قبل حوالي مائة وخمسين عاماً وحتى الآن تحت الحماية الفرنسية خصوصاً والغربية عموماً.
وخلاصة القول إن نصارى لبنان لم يكونوا يوماً بقادرين على حماية أنفسهم من دون الاعتماد على الغير، وذلك بخلاف ما يزعمه هذا النائب المدعو إيلي كيروز من (القوات اللبنانية) التي طالما استعانت بقوات دولة يهود ضد خصومها.
لقد كان الأجدر به أن يُبقي على العلاقة الطيبة لغالبية نصارى لبنان بالمسلمين، والتي تقوم على أساس عقد الذمة المتين، الذي أرسى قواعده الثابتة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وأما محاولة تحلله من الذمة، وإنكاره لعقدها، فهذا يُحيله - ويُحيل من وافقه على ذلك - من نصارى لبنان إلى كفار حربيين معادين للمسلمين كاليهود والأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين، وهو ما يعود عليهم في المستقبل القريب بالويل والثبور.
فعلى نصارى لبنان وبشكل خاص الموارنة منهم أن يفكروا مرتين قبل أن يقرروا ما هو واقعهم، وأمامهم خياران لا ثالث لهما: فإما أن يعترفوا بكونهم ذمييين ويكونون بذلك آمنين معززين ومكرمين في لبنان وفي سائر ديار المسلمين، لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وإما أن يفسخوا عقد الذمة مع المسلمين ويكونون بذلك أعداء حربيين يُنظر اليهم كما يُنظر ليهود فلسطين من حيث العداوة والبغضاء، وهذا يعني أن الدولة الاسلامية القادمة ستسوي أمرهم كما ستفعل مع دولة يهود التي نقضت عهدها مع المسلمين منذ عهد بعيد.