كيف عالج الإسلام آفة العنصرية
تُعاني مُجتمعات المسلمين كسائر المُجتمعات الأخرى من آفة العنصرية والتمييز العنصري، وذلك بوصفها إحدى ما ابتلانا بها الكافر المُستعمر من آفات كثيرة جرّاء تصديره لمفاهيمه الاستعمارية المُخالفة للفطرة، ولثقافته المُلوّثة التي غزا بها الشعوب الاسلامية التي استعمرها عسكريا وثقافياً ردحاً من الزمن.
والعنصرية هي اعتقاد أو قناعة او شعور مجموعة مُعينة تنتمي لعرقٍ أو لونٍ أو نسب، يجعلها ترى في نفسها بأنّها أعلى مُستوىً من سائر المجموعات الأخرى، ويُغالي بعض العنصريين في شرح هذا التفوق فيُرجعه إلى وجود صفات جينية موروثة تتمتّع بها تلك المجموعة، فلا توجد فيما سواها، فتمنحها تلك الجينات - بحسب زعمهم - قدرات خاصة تُميّزها عن سائر الأجناس البشرية الأخرى، ويتشكّل من تلك المجموعة (المُتفوّقة) كيان سياسي له خصائص مُشتركة يتصف بها دون غيرها من الكيانات الأخرى الأقل مُستوى.
فهذا الاعتقاد الزائف وذلك الشعور الكاذب هو الذي يوجد هذه الفوقية والاستعلاء والعجرفة لدى أتباع هذه المجموعة البائسة، وهو ما يُنتج هذه الآفة الخطيرة بين الشعوب والتي تُسمّى بالعنصرية، وما ينتج عنها من كراهية وتمييز عنصري بين البشر.
ولعل الحضارة الغربية تزخر بالمظاهر العنصرية الكثيرة المُتمثّلة بقتل السود والمُسلمين لأتفه الأسباب، كما يحصل في أمريكا وفرنسا بشكلٍ خاص، حيث تُطلق الشرطة النارعلى هؤلاء الناس بكل برودة أعصاب ومن غير ضرورة.
وتُغذي هذه التصرفات العنصرية البغيضة تصريحات مُماثلة صريحة ومشحونة بالكراهية كقول الرئيس الفرنسي ماكرون : " كونك رجلاً أبيضاً يُعدّ امتيازاً "، وكقوله عن الاسلام إنّه : " دينٌ يعيش أزمةً في جميع أنحاء العالم".
ومثل هذه التصريحات البغيضة والتصرفات العنصرية لدى الفرنسيين هي التي باتت تجلب لهم الكراهية والحقد عند الآخرين، وهي التي تؤدي في هذه الأيام إلى طرد فرنسا من سائر الدول الافريقية.
وفي الوقت الذي تفتخر فيه أوروبا وأمريكا بعنصريتيهما، وتُذيقان العالم من ويلاتها، وما ينتج عنها من نشر العداوة والبغضاء بين شعوب الكرة الأرضية جمعاء وما تمخض عنها من سفك للدماء وإزهاقٍ للأرواح، في الوقت نفسه نجد أنّ الاسلام قد عالجها بشكلٍ جذريٍ حاسمٍ وقاطع فقضى على أسبابها، وجفّف منابعها، وقرنها بكل ما هو قبيح لتنفير المُسلمين منها، وإبعادهم عن الوقوع في براثنها.
فالاسلام ابتداء اعترف باختلاف الألوان والألسن اختلافا لا يؤدي إلا إلى العبادة والتفكر في خلق الله، قال تعالى:" وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ" فجعل الله سبحانه اختلاف اللغات والألوان مدعاة للتدبر والعبادة، وتقديرعظمة قدرة الله سبحانه على الخلق وتنوعه، وليس مدعاة للتفاخر والتناحر.
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما بال دعوى جاهلية، قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال: دعوها فإنها منتنة"، فلم يُعالج الرسول صلى الله عليه وسلم حادثة الكسع ذاتها، بل عالج أسبابها ومُسبّباتها، فركّز على دعوى المهاجر ودعوى الأنصاري للتحشيد الجاهلي، واهتم بخطورة جر المهاجرين والأنصار لاقتتالٍ قبليٍ عقيم ضد بعضهما البعض، فوصف هذه الدعوى بالجاهلية، ودعى إلى تركها لأنّها مُنتنة، وذلك لتنفير المُسلمين منها، فكان العلاج حاسماً قاطعاً.
وربط القرآن الكريم العنصرية بإبليس عدو البشر ليبتعد الناس عنها كونها من عمل ابليس قال تعالى:" قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ"، فاعتبرها من الاستكبار الذي تميّز بها ابليس لعنه الله.
وجعل التقوى مقياس التفضيل في نصوصٍ قاطعة لا تُبقي لروابط العرق والدم أي أثر في الناس، قال تعالى:" يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن ذَكَرٍۢ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَٰكُمْ شُعُوبًا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْ ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ ٱللَّهِ أَتْقَىٰكُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" وقال عليه الصلاة والسلام : " يا أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُمْ".
وعالج النبي محمد صلى الله عليه وسلم التفاخر بالآباء وما ينتج عن ذلك من جاهلية وعنصرية علاجاً حاسماً بتشبيه المُتفاخر بالصرصار الذي يجمع النتن بأنفه، ليهزّ مشاعره، ويُشنّع فعلته، وليُنفّره من العودة إلى مثل هذه العنصرية البغيضة فقال:" لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَابٍ".
ولو أخذ المسلمون بهذه المُعالجات الشرعية الحادّة للعنصرية لاستأصلت هذه الآفة من جذورها ولما بقي لها أثر في بلاد المسلمين، ولكنّ حكام المُسلمين وللأسف يستبعدون هذه المُعالجات الشرعية ويُتعمّدون تغذية هذه الآفة امتثالاً لأوامر أسيادهم من الكفار للحفاظ على عروشهم ولو على إثارة هذه النعرات الجاهلية العنصرية بين شعوب الأمّة الاسلامية الواحدة.
ولنأخذ مثالين اثنين كنماذج بائسة يُروّجها الحكام لنشر العنصرية والكراهية بين المسلمين:
1 – تقوم السلطات التركية بشن حملة شرسة ضد اللغة العربية فيزيلون اللافتات، ويُظهرون التحقير للعرب، وللغتهم، في الوقت الذي يُسمح فيه لكل لغات العالم بالظهور في تركيا ما عدا اللغة العربية.
2 – يحرص المسؤولون الايرانيون في كل مُناسبة على التأكيد على تسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي حتى لوكانت مناسبة تصالح بين الايرانيين والسعوديين كما فعل وزير الخارجية الايراني لدى زيارته للسعودية هذه الأيام في إطار التصالح معها.
فهذان نموذجان واضحان للعنصرية التركية والفارسية ضد العرب والتي ترعاها الدولتان في تركيا وايران، وهو ما من شأنه إثارة ردود فعل مُماثلة لدى العرب ضد اخوانهم في الاسلام من الأتراك والفرس.
إنّ الحل السياسي الجذري والصارم لهذه الآفة لا يتم إلا بإقامة الدولة الاسلامية المبدئية التي تُوحّد هذه الدول الجاهلية تحت رابطة العقيدة الاسلامية فقط، ولا تُقيم وزناً لتلك النعرات الجاهلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق