الاثنين، 9 نوفمبر 2015

طريقة التفكير المنتجة تُعالج الواقع الفاسد بالتغيير لا بالترقيع



طريقة التفكير المنتجة تُعالج الواقع الفاسد بالتغيير لا بالترقيع
   










إنّ من أعظم ما ابتُليت به الأمة الإسلامية بعد سقوط الدولة الإسلامية، وتعطيل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، وتأثّرها بطريقة التفكير الرأسمالية، هو فقدانها لنهج التفكير العملي المنتِج في معالجة المشكلات التي تُواجهها، سواء أكانت تلك المشكلات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو غير ذلك، فلم توجد أي حلول عملية أو منتِجة لمشاكل البلدان المحتلة مثل فلسطين وكشمير والقوقاز وغيرها طوال عشرات السنين، ولم يُتوصل إلى أي حلول شافية للمشاكل الناجمة عن الأنظمة الجبرية، والأنظمة التابعة للاستعمار، كما استمر التخبط في كيفية مواجهة أو مداراة الحكام الطواغيت.
وبالنسبة للمشاكل الاقتصادية في بلداننا فلم تُعالج مشكلة تركيز الثروة وتوزيعها، أو مشكلة تقسيم الملكيات وتحديدها، ولم يُعثر على حلول لمشاكل البطالة والفقر والإسكان، ولم يُحدّ من انتشار الأمراض والمجاعات والأمّية وما شاكلها.
وبالنسبة للمشاكل الاجتماعية فلم تُحل المشاكل الناتجة عن علاقات المرأة بالرجل في الحياة العامة، وما يترتب عليها من تداعيات خطيرة أدّت إلى تخلخل أسس المجتمعات في معظم بلادنا.
وكذلك بالنسبة لقضايا الهُوية الثقافية لمجتمعاتنا فإنّها لم تُحسم على مدى عقود، وظلت تتنازعها العصبيات الوطنية والعرقية والمذهبية والإثنية.
وبالجملة فإنه فلم يُتوصل إلى معرفة الطريق الصحيح الذي يُنهض مجتمعاتنا، ولا عُلمت طريقة انعتاق بلادنا من سطوة القوى الكبرى المستعمرة، وسيطرتها على جميع مقدّراتنا، ولم يُعثر بالكلية على أية آلية للحل الجذري لكل المشاكل المتجددة والمتعددة في بلداننا ومجتمعاتنا.
لقد دأبت النخب الحاكمة في بلادنا بتناول تلك المشاكل باعتبارها واقعاً مفروضاً يستحيل تغييره، وسلّمت بوجوده كقدرٍ مقدور، ومن ثمّ راحت تعمل على تسكين الأوجاع الملتهبة الناتجة عنه، باستخدام المهدّئات والمسكنات التي فاقمت من حدّة المشاكل المتولدة عنه، وزادت من مضاعفاتها.
على أنّ سبب تخبط هذه النخب في العثور على الحلول العملية للمشاكل المتراكمة مردّه بكل بساطة انعدام وجود الأفكار المتعلقة بحل المشاكل، وانعدام وجود عملية تفكير لديها تتعلق بوقائع حياتها.
وطريقة التفكير المنتجة لدى القيادات ولدى الأمّة على حدٍ سواء هي بسيطة وسهلة وعملية، والأصل فيها وجود الأفكار بين الناس، واستمرار بث الأفكار في المجتمعات عن واقع الحياة في كل جوانبها.
والمقصود بالأفكار هنا وجود عملية التفكير عند القيادات والنخب والناس في وقائع الحياة المختلفة، أي وجود المعلومات عن المشاكل الحقيقية عند الإحساس بها من أجل الحكم عليها، وإعطاء حلول لها، وبمعنى آخر استعمال الأفراد في جملتهم للأفكار، وربطهم لها بالوقائع، ثمّ تنزيلهم الأحكام عليها.
إنّ تكرار استعمال الأفكار، واستخلاص الأحكام منها، وتنزيلها على الوقائع، يؤدي إلى إيجاد طريقة التفكير المنتجة، كما يؤدي هذا التكرار إلى وجود الإبداع في استخدام الأفكار.
فالمسألة ابتداء تتعلق بوجود الأفكار الشاملة لكل مناحي الحياة بين الناس، واستمرار بثها في المجتمع، ثمّ ربط هذه الأفكار بالواقع بشكل دائمي، والإبداع في استعمالها في الحياة، وهذه الكيفية من التفكير لدى الأفراد هي التي تؤدي إلى وجود طريقة التفكير المنتجة في الأمّة.
فمثلاً التفكير في حل مشكلة فلسطين يقتضي معرفة مجموعة الأفكار التي تتصل بحلّها، ومن هذه الأفكار: وجوب قيام جيوش الأمّة بتحرير فلسطين، وليس توكيل الأفراد أو المجموعات المسلحة بهذه المهمّة، وحرمة تولي الكفار بشكل مطلق، وحرمة الاستعانة بهم، أو مشاورتهم، وحرمة قبول أي شكل من أشكال التدخل الذي تُباشره الدول الكافرة في شؤون المسلمين، ومعرفة حقيقة أنّ السماح للكفار بالمشاركة - ولو في الحدود الدنيا - في حل قضايانا يعني أنّنا انتحرنا سياسياً، وسقطنا من الموقف الدولي، وهذا يعني أنّنا فقدنا التأثير فيه، ومكّنّا الأعداء من رقابنا، وهو ما يؤدي بالتالي إلى الفشل المحتوم والخسران المبين.
فإذا كانت هذه الأفكار حاضرة في الأذهان، فإنّها تُربط بالواقع، ويؤدي ربطها بالضرورة إلى رفض منح أي دور للأجنبي في أي حل لجميع قضايانا، ومنها قضية فلسطين، وينتج عن ذلك بديهيات تتركز في أذهاننا كرفض تدخل أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والأمم المتحدة بالحل، كما يعني بالضرورة رفض الاعتراف بدولة يهود التي زرعتها بريطانيا في بلادنا، ورفض التفاوض والصلح معها، ورفض التوقيع على أية اتفاقيات معها كاتفاقية أوسلو وأخواتها، وهذا الرفض من شأنه أن يُنجي الأمة وشعوبها من الوقوع تحت رحمة الكافر المستعمر، ويجعلها لا تُفكر في حل المشكلة الفلسطينية على سبيل المثال إلا بطريقة الجهاد والقتال لتحرير كامل فلسطين، وعدم التفريط بشبر واحد منها.
ومجرد هذا النمط من الحلول يقطع الطريق على المستعمر والمحتل أن يستقر في بلاد المسلمين ولو لمدة قصيرة، لأنّه يُدرك وقتها أنّه سيطرد منها إن آجلاً أو عاجلاً.
وفقدان الأمّة للطريقة المنتجة في التفكير جعلها تُفكر بمنطق العضلات لا بمنطق المفاهيم، فالذي يملك كماً أكبر من وسائل القوة في منظورهم هو الذي يحكم ويتحكم ولو كان خاوياً فكرياً، ووجود هذا المنطق أدّى إلى تحكّم الجهلة والرويبضات في مقاليد السلطة.
وفقدان الأمّة لطريقة التفكير المنتجة أدّى إلى جعل الكثير من الحركات الثورية تُصر على أن تكون جزءا من الواقع القائم ولو كان واقعاً صنعته قوى الكفر، أو ساهمت بإيجاده القوى العميلة التابعة لها، لذلك نجدها في النهاية تُنفذ الأجندات الأمريكية من حيث تعلم أو من حيث لا تعلم، وبحسن نية أو بسوئها.
فمثلاً سمعنا في الأخبار أنّ روسيا وأمريكا والسعودية وتركيا في اجتماعهم الأخير بباريس الأسبوع الماضي اتفقوا على أن الدولة السورية المنشودة يجب أن تكون دولة علمانية ديمقراطية تعددية، وهذا يعني أنّها لن تكون إسلامية قطعاً بحسب ما يخططون له، ومع ذلك ما زلنا نرى الكثير من الفصائل تتعاون أو توالي السعودية وتركيا، والسبب في هذا السقوط كونها لم تستخدم الأفكار وطريقة التفكير المنتجة في التعامل مع هذا الواقع، ورضيت بالخضوع لتركيا والسعودية مع علمهما بكونهما دولتين تابعتين لأمريكا وترفضان تطبيق الشريعة.
ومثلاً ما زالت الكثير من الفصائل والتنظيمات الثورية في سوريا تتبنى العمل المسلح الفوضوي المفصول عن أي فكر سياسي واضح، زاعمةً أنّ إرادة التغيير إنّما تقتصر على السلاح فقط، لذلك نراها تتخبط في تغيير ولاءاتها، وتبديل مُتّجهاتها، ونجدها في النهاية تخضع لمن يُزودها بالسلاح ولو كان جهةً تابعة لأمريكا أو توابعها.
وهكذا نجد أنّ فقدان طريقة التفكير المنتجة لدى الأفراد والنخب والقيادات يؤدي حتماً إلى فشل القيادات والتنظيمات والدول في تحقيق أهدافها، كما يؤدي إلى ارتماء هذه القيادات والتنظيمات والدول في أحضان الدول المستعمِرة.