الخميس، 26 نوفمبر 2015

حقيقة الخلافات الروسية الإيرانية في الشأن السوري



حقيقة الخلافات الروسية الإيرانية في الشأن السوري




من الطبيعي أن يكون لروسيا موقف سياسي في سوريا مغاير للموقف الإيراني، فروسيا دولة عظمى وليست دولة إقليمية، وهي بلا شك ما زالت دولة مستقلة، بل وتُحاول مزاحمة أمريكا على زعامتها للعالم، ولا يُعقل أن يتطابق موقفها العالمي هذا مع الموقف الإيراني الإقليمي، وهي تعلم أن اهتمامات إيران في التوسع يتعلّق بكونها دولة مذهبية قومية لا تتعدّى بلوغ الريادة في الإقليم، ومنافسة تركيا والسعودية وكيان يهود على أحسن تقدير، كما وتعلم روسيا أنّ إيران إمّا أن تكون دولة تابعة لأمريكا، وإمّا أنّها تدور في فلكها، وهي قد واكبت تعاون إيران الفعلي مع أمريكا على مدى العقود الأخيرة في أفغانستان والعراق، وتُلاحظ  هذا التعاون حالياً في سوريا واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين، لذلك فهي تُدرك تمام الإدراك موقف أمريكا المتواطئ مع إيران في الملف النووي، وتعي جيداً أنّ الشتائم التي يُوجّهها السياسيون والإعلاميون الإيرانيون ضد أمريكا ما هي إلاّ سوى وسائط  لتكريس الزعامة، وللإستهلاك الإعلامي المحلي، بينما مواقف الدولة الإيرانية الحقيقية تتجلّى في خدمة الإستراتيجية الأمريكية في الخليج  خصوصاً، وفي منطقة الشرق أوسط بشكل عام، وتعلم أنّه لولا مواقف أمريكا المتساهلة معها لما تمدّد النفوذ الإيراني، ولما تمكّنت من التدخل في شؤون تلك البلدان.
ولو استعرضنا بالأدّلة حجم الخلافات بين روسيا وإيران في سوريا لوجدناها في حالة اضطراد متسارع يومياً، ولم يعُد بالإمكان التستر عليها.
ولنبدأ أولاً باستعراض المواقف السياسية الإيرانية المخالفة للمواقف الروسية، فقد نقلت وكالة مهر الإيرانية عن القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري في طهران قوله:" إنّ  جارتنا الشمالية (روسيا) التي جاءت تُساعد في سوريا، وتُقدّم المساعدات بحثاً عن مصالحها، وغير سعيدة بالمقاومة الإسلامية ( حزب الله والميليشيات المدعومة من إيران)، ولا تتطابق مع إيران بشأن الرئيس السوري بشّار الأسد"، وكان مرشد الثورة الإيرانية خامنئي قد مهّد لهذه التصريحات فقال:" لا يمكن لبلد واحد ( المقصود روسيا ) أن يفرض وحده مستقبل سوريا".
فإيران تتبنّى نفس مواقف نظام بشّار بخصوص بقاء الأسد بالسلطة، واعتبار المعارضة بجميع تنوّعاتها معارضة إرهابية، وإنّ عليها التسليم ببقاء بشّار بالسلطة إن أرادت الدخول في أي حل سياسي، وإنّ الحسم العسكري من قبل النظام والانتصار على المعارضة هو الخيار الوحيد لإيران ولنظام الأسد، وشرح محمد جعفري موقف إيران من الأسد فقال:" إنّنا لا نرى بديلاً للأسد ونعتبره خطاً أحمر ممنوع تجاوزه".
وكانت إيران قد اتفقت ضمناً مع روسيا في بداية الحملة الجوية الروسية ضد سوريا على أن تُقدّم روسيا الدعم الجوي لقوات الأسد، فيما تُقدّم إيران الدعم البري للقضاء على المعارضة، ولكنّ حسابات الحقل تختلف عن حسابات البيدر.
أمّا المواقف الروسية السياسية والعسكرية والاقتصادية والتي تتناقض مع المواقف الإيرانية بخصوص الشأن السوري فيمكن سردها بالنقاط التالية:
1 – في إجابتها على سؤال حول (هل إنقاذ الأسد مسألة مبدأ بالنسبة لروسيا ؟ ) قالت ماريّا زاخاروف المتحدثة باسم الخارجية الروسية :" لا على الإطلاق لم نقل ذلك أبداً إنّ مصير الأسد يُحدّده الشعب السوري"، فهدف روسيا إذاً ليس دعم الأسد، وإنّما إنقاذ الدولة السورية، وهزيمة الجماعات الإرهابية، وفقاً للناطقين الروس، وقالت وكالة الإعلام الروسية:" نحن لا نقول إنّ الأسد يجب أن يرحل أو يبقى".
2 – في محادثات فينّا قالت روسيا إنّها تُريد أن تُشارك جماعات المعارضة في المناقشات التي ستجري في المستقبل بشأن الأزمة السورية، ورحّبت بالتعاون مع الجيش السوري الحر، ووصفته بأنّه ليس منظمة إرهابية، وقالت بأنّها منفتحة على على عقد لقاءات مع المعارضة، وتبادلت بالفعل قائمة مع السعودية بها 38 إسماً، وقالت صحيفة كوميرسانت:" إنّ القائمة ضمّت معظم الأعضاء السابقين والحاليين في الإئتلاف المعارض"، وكشفت مصادر مقربة من موسكو بحسب الصحيفة إنّ من بين هذه الأسماء الرئيس السابق للإئتلاف معاذ الخطيب، والرئيس الحالي له خالد خوجة، وممثلين من جماعات سياسية ودينية وعرقية مختلفة بينها الأكراد، وكذلك مسؤولين من جماعة الإخوان المسلمين، وحركة مسيحية مؤيّدة للديمقراطية".
3 – تجاهلت الرباعية الدولية المؤلّفة من أمريكا وروسيا وتركيا والسعودية مواقف كلاً من النظامين الإيراني والسوري التي ترفض فكرة المرحلة الانتقالية، واعتبرت أنّها ضرورية لأي حل سياسي، وذلك في تناقض روسي واضح وصريح مع الموقف الإيراني الذي يرفض فكرة الحكومة الإنتقالية.
4 – قالت وزارة الخارجية الروسية إنّ :"وزير الخارجية الروسي سيرجي لا فروف سيجتمع مع مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستيفان دي مستورا في موسكو الأربعاء لبحث جهود بدء حوار بين دمشق والمعارضة".
5– تناقلت الأنباء خبراً لم نتأكّد من صحته  بعد مُفاده أنّ رئيس الأركان في النظام السوري قام بحل ميليشيات الدفاع الوطني التي ينضوي تحتها حزب الله والحرس الثوري الإيراني فرع سوريا، لدمجها بالجيش، ولمحاولة تقليل نفوذ تلك الميليشيات على النظام السوري، وذلك تحت ضغوط روسية.
6 -  قامت الطائرات الروسية - ولأول مرّة - بقصف بلدات سورية وقّع النظام السوري - بتأييد من إيران - مع المعارضة فيها على اتفاقيات هدنة في أيلول ( سبتمبر ) الماضي في منطقة إدلب ( معرة مصرين ورام حمدان )، وذلك بغية تخريب الهدن التي شاركت إيران في إبرامها مع النظام السوري.
7 – زوّدت روسيا النظام السوري بمائة ألف طن من القمح، ممّا جعل سوريا تستغني عن القمح الإيراني المشروط، علماً بأنّ القمح يُعتبر في زمن الحروب من أهم السلع الإستراتيجية اللازمة لصمود النظام.
هذه هي أهم نقاط الخلاف بين روسيا والنظام الإيراني تجاه الموقف من سوريا، وهذه النقاط تؤكد على أنّ الخلاف بين الدولتين حقيقي، ويتعمق يوماً بعد يوم.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بإلحاح : ما هو الموقف الأمريكي من هذا الخلاف الذي يسير بوتيرة تصاعدية قد تُضيف تعقيدات جديدة مأمام التدابير الأمريكية في سوريا؟.
من الواضح أنّ هناك إشكالية في الموقف الأمريكي من هذه التناقضات الواضحة بين موقفي روسيا والنظام الإيراني، فأمريكا في البداية سمحت للإيرانيين بالدخول إلى سوريا لجعلها منطقة نفوذ إيرانية، تّشبه إلى حدٍ بعيد تلزيم إيران بالعراق، وتصرّفت إيران بحسب هذا الوعد الأمريكي باعتبارها صاحبة الحل والعقد في سوريا، وكانت تأمل إيران من مد نفوذها في سوريا بشكل مريح في المنطقة العربية التي تشهد تراجعاً كبيراً، لذلك قدّمت إيران المال والرجال والسلاح لدعم نظام الأسد، وللسيطرة على سوريا كما سيطرت على العراق من قبل، غير أنّها لم تُفلح في إلحاق الهزيمة بالثورة السورية بعد أن مُنحت فرصة كبيرة لتحقيق حُلُمها هذا، غير أنّها أخفقت في تحقيقه إخفاقاً كبيراً، لذلك اضطرت أمريكا للإستعانة بروسيا واعدةً إيّاها بقواعد جديدة في منطقة الساحل إن هي تمكنت من هزيمة الثورة، بيد أنّ روسيا هي الأخرى تسير في طريق الإخفاق، فصمدت الثورة وصمد الثوار، واستطاعوا إحباط التدخل الجوي الروسي، فلم يُحقّق إختراقات كبيرة لصالح النظام.
لذلك وجدت روسيا نفسها في مأزق مع طول العملية العسكرية الجوية التي لم تُثمر حسماً واضحاً، وبدا وكأنّها باتت متورطة في المستنقع السوري، لذلك نجدها اليوم تُكثّف ضرباتها الجوية من أجل استخدامها كورقة رابحة في المفاوضات المقبلة حول مستقبل النظام السوري، وهي تُحاول النأي عن إيران، والتقرب من أمريكا والغرب للعثور على حل يحفظ ماء وجه الروس.
على ضؤ تلك المتغيرات الجيوسياسية نجد أنّ أمريكا تُحاول الإستفادة من زخم الضربات الجوية الروسية لإحداث توازن قوى بين القوى المتقاتلة على الأرض، من أجل إرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ومن ثم محاولة إرضاء كل الأطراف السورية المقبولة من وجهة نظر أمريكية، لذلك نجد أنّ البحث بعد مؤتمرات فينا وجنيف قد ولج  بالفعل في القضايا الصعبة، وأهمها: تحديد من هي القوى المعارضة المقبولة؟ ومن هي القوى الإرهابية؟.

 وهكذا استغلت أمريكا روسيا، كما سخّرت إيران من قبل، من أجل الوصول إلى حل سياسي في سوريا تُمسك هي بكل خيوطه، فيما تدفع إلى روسيا وإيران بعض الفتات.