فرنسا وبريطانيا تلحقان بركب أمريكا في محاربة ما يُسمى بالإرهاب لمنعها من الاستفراد بالمنطقة
أعلنت فرنسا عن إرسال حاملة طائراتها شارل ديغول للمشاركة في قصف مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وقالت بريطانيا بأنّها لا تقبل بأن يُدافع عنها الآخرون، وأفادت صحيفة صنداي تايمز البريطانية بأنّ رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يود أن يطلب من البرلمان البريطاني التصويت على الانضمام إلى الغارات الجوية ضد مقاتلي التنظيم في سوريا بعد رفض مجلس العموم الضربات العسكرية في سوريا عام 2013.
وأكّد وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن أنه: "لا بد لبريطانيا وأوروبا من إيجاد طريقة لمعالجة الصراع في سوريا"، وأضاف بأن "الصراع في سوريا يجب أن يشمل خطة شاملة لمواجهة داعش" الذين اعتبرهم أصل المشكلة، ووصف ذلك بأنّه: "تحد ضخم بالطبع، لكن لا يمكن ترك تلك الأزمة تستفحل، علينا أن ننخرط لمواجهة ذلك".
إنّ هذه التصريحات والتحركات الفرنسية والبريطانية المتزامنة، تُفيد بأنّ أوروبا، وبسبب امتناعها في السابق عن المشاركة بكثافة في الحملة الأمريكية ضد تنظيم الدولة، بدأت تشعر بانعزالها عن وهج الأحداث في الشرق الأوسط، ولاحظت أنّ أمريكا باتت تتآمر عليها خاصة بعد إدخال روسيا بثقل كبير إلى الساحة الشرق أوسطية، لتكون شريكاً مفيداً لها، ولإضعاف نفوذ الأوروبيين فيها.
وكلام وزير مالية بريطانيا جورج أوزبون الذي يُوضّح فيه ضرورة توافق الأوروبيين على وضع خطة شاملة لمواجهة تنظيم الدولة باعتبارها تحدياً ضخماً يستوجب الانخراط فيه كما قال، يُشير إلى ضرورة تنسيق التحركات الأوروبية المتعلقة بهذا الموضوع بسرعة قصوى، لذلك جاءت تصريحات الفرنسيين والبريطانيين بإيقاع متزامن لتخدم هذا الهدف.
ويبدو أنّ دخول روسيا على الخط هو الذي حرّك فرنسا وبريطانيا للإسراع بالإعلان عن رغبتهما بالمشاركة في قصف قوات تنظيم الدولة بعد أن كانتا تترددان في فعل ذلك من قبل، وذلك لخشيتهما من تغييبهما عن الساحة السورية خصوصاً، والشرق أوسطية بشكل عام، وحلول روسيا مكانهما إلى جانب أمريكا.
فليست المشكلة في سوريا إذاً كما يزعم وزير المالية البريطاني بأنّها أزمة مستفحلة، وتحدٍ ضخم، وتحتاج إلى خطة أوروبية شاملة لمواجهتها، بل المشكلة في حقيقتها تكمن في الخوف من إقصاء أمريكا لأوروبا من منطقة الشرق الأوسط باستخدام روسيا عوضاً عنها، هذه هي حقيقة المشكلة وهذا هو جوهرها.
لذلك هرعت فرنسا وبريطانيا لملء الفراغ، وحاولتا اللحاق بأمريكا في محاولة منهما لمنعها من الاستفراد بالمنطقة قبل فوات الوقت، فأوروبا تُدرك تمام الإدراك أنّ أمريكا تستخدم ورقة الإرهاب وتنظيم الدولة بمهارة، وذلك لتعزيز نفوذها في الأماكن التي يوجد فيه نفوذ سابق للأوروبيين، من أجل الحلول مكانهم، والسعي لإضعاف وجودهم، ومن ثمّ الانفراد بالموقف الدولي من دونهم.
أمّا هدف الأوروبيين تحديداً من الوجود العسكري بكثافة في المنطقة فهو بكل بساطة مشاركة الأمريكيين في وضع الأهداف، وصوغ الاستراتيجيات للمنطقة، وعدم تمكين أمريكا من التخطيط بمفردها لتقسيم المنطقة على أسس جديدة، وإعادة هيكلتها وصياغتها من جديد، لأنّ أمريكا قد ظهر عليها بالفعل الجدية في محاولة إخراج كيانات هزيلة جديدة تحت مسمّيات الفيدرالية أو الكونفدرالية، للتمهيد لإلغاء تقسيمات سايكس بيكو التي صاغها الفرنسيون والإنجليز قبل قرن تقريباً، وفي ذلك تهديد حقيقي وخطير للوجود الأوروبي في المنطقة بأسرها.
هناك تعليق واحد:
جيد
إرسال تعليق