قطع العلاقات مع أمريكا هي الخطوة الاولى
لاقامة دولة مستقلة
ان حرص الحكومات والدول في العالم على انشاء علاقات
مستقرة مع الامريكان، وعلى كسب ودهم، وجلب الاستثمارات عن طريقهم، ومراعاة مصالحهم
والحفاظ على نفوذهم، ان هذا الحرص هو السبب الرئيس الذي يُفقد هذه الحكومات والدول
استقلاليتها وسيادتها، وهو نفسه الذي يبقي امريكا دولة متفوقة متغطرسة في هيكل
العلاقات الدولية.
وامّا تبرير قيادات هذه الدول بانّ التعامل مع
امريكا ضروري بوصفها القوة العالمية الاولى التي لا غناء عن التعاطي معها لاستمرار
بقاء هذه الدول واستمرار تقدمها، فهو تبرير واهٍ ينمّ عن ضعف سياسي خطير يعكس عدم
وجود ثقة في النفس، وعدم وجود قوة ارادة وشكيمة لدى تلك القيادات.
ان امريكا دولة رأسمالية استعمارية كبرى شأنها شأن
سائر الدول الاستعمارية التي سبقتها تعيش في هذا العالم كالطفيليات التي تتغذى على
غيرها، فاذا مُنع عنها الغذاء رجعت دولة عادية شأنها شأن غيرها.
وبلدان العالم الاسلامي _ لاسيما بلدان الثورات _
اولى من غيرها في قطعها للاسباب التي تُغذي أمريكا بشرايين الاستعمار التي تبقيها
دولة ( السوبر ) في العالم.
فلو قرّرت مصر وليبيا وتونس على سبيل المثال ان تقطع
جميع علاقاتها السياسية والاقتصادية مع امريكا، وان تغلق سفاراتها وتُرحل قواتها
وتزيل قواعدها ومنشآتها وان تنهي جميع استثماراتها فيها.
فان قرّرت هذه الدول ذلك فما الذي ستصنعه أمريكا
معها؟
فهل ستعلن امريكا الحرب على هذه الدول؟
انّها في الواقع أعجز عن فعل ذلك، فاذا كانت عاجزة
عن محاربة حركة طالبان في أفغانستان، فكيف ستحارب مجموعة من دول تريد ان تحرّر
ارادتها من الاستعمار، وتملك اصراراً وعزيمة حديدية على نيل حريتها؟
ثم ان العالم فيه دول كثيرة يمكن التعامل معها غير
أمريكا، فلماذا لا تفكّر هذه الدول بالقيام بمثل هذه الخطوة الجريئة والتي لا تكلفها
شيئاً؟.
فان قامت مجموعة من الدول بمثل هذه الخطوة ونجحت –
والمرجح انها ستنجح - فان عشرات من دول العالم ستحذو حذوها، وهو ما من شأنه ان
يُغير الموقف الدولي بسهولة ويسر، وان يُربك أمريكا، ويوجد فراغاً دولياً كبيراً
يُمكّن من قيام قوى دولية جديدة، تتغير معها الموازين الدولية الحالية التي تسيطر
عليها أمريكا وحفنة من القوى الاستعمارية الاخرى.
فعلى القيادات الجديدة في مصر وتونس وليبيا - على وجه
الخصوص – أن تشرع في قطع علاقاتها مع أمريكا، وان تبدأ بصياغة علاقات دولية جديدة
مبنية على الوحدة والاعتصام بحبل الله ومواجهة أمريكا وقوى الاستعمار الدولية، وان
لا تتردد لحظة في القيام بهذا العمل الذي سيجعل من الامة الاسلامية وشعوبها أكبر حاضن
وداعم لها.
أمّا ان أصرّت هذه القيادات على الاستمرار في نهج الانبطاح
والخنوع لأمريكا، واعلانها عن احترام الاتفاقيات الدولية، واستقبال رجال الاعمال
الامريكيين، والتشبث بالمساعدات الامريكية الضارة، والخوف على سلامة الامريكيين،
واظهار مشاعر الود والسرور على عدم تعرض الدبلوماسيين الامريكيين للأذى كما قال
احد قيادات الاخوان في مصر خيرت الشاطر:" اشعر بالسرور ان لا احد من موظفي
السفارة اصيب، آمل أن تتحسن العلاقات الأمريكية المصرية وتجتاز العاصفة" .
فان أصرّت هذه القيادات على هذا النهج الانهزامي فلن
تكون هذه الدول الجديدة سوى امتداد للدول الهزيلة التابعة التي سبقتها. لذلك كان
بالفعل قطع العلاقات مع أمريكا هي الخطوة الاولى لاقامة دولة مستقلة حقيقية، وكانت
هذه الخطوة هي المقدمة الاولى لبناء دولة مبدئية تستمد سلطانها ذاتياً من امتها.