الأربعاء، 29 سبتمبر 2021

أسباب انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي

أسباب انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي

أجريت في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري انتخابات برلمانية في المغرب كانت نتائجها كارثية ومُدمّرة على حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يعتبر نفسه حزباً إسلامياً أو حزباً ذا مرجعية إسلامية، فقد حصل على المركز الثامن والأخير في السباق التنافسي على مقاعد البرلمان المغربي، بعد أن كان يستحوذ على المركز الأول فيه، وبعد أنْ تولى رئاسة الحكومات المغربية المتعاقبة في السنوات العشر الماضية.
لقد سبقته في هذه الانتخابات جميع الأحزاب العلمانية واليسارية؛ فبعد أن كان يحوز في الانتخابات الماضية التي أجريت قبل خمس سنوات على مائة وخمسة وعشرين مقعداً حصل في هذه الانتخابات الأخيرة على اثني عشر مقعداً فقط من أصل ثلاثمائة وخمسة وتسعين مقعداً!
فلم تسبقه الأحزاب المغربية المعروفة كحزب التجمع الوطني وحزب الأصالة وحزب الاستقلال وحسب، بل سبقته أيضاً الأحزاب الصغيرة والمغمورة كالأحزاب الاشتراكية والاتحاد الدستوري، حتى إنّ رئيس حزب العدالة سعد الدين العثماني لم يتمكّن من نيل مقعده في الدائرة الانتخابية التي نافس فيها أمام مرشح شاب مغمور، فكان سقوط هذا الحزب في هذه الانتخابات صاعقاً ومُدوّياً، وكان تصويت الجمهور له عقابياً لدرجة لم يتوقعها أكثر المُراقبين.
تُرى ما هي أسباب هذا السقوط المفاجئ لهذا الحزب وهذا الانهيار المدوي له؟
يُمكن حصر أسباب هذا السقوط بسببين اثنين لا ثالث لهما، وهما:
1- الابتعاد عن الإسلام.
2- التزلف للملك.
وما يُقال عن أسباب أخرى كثيرة لهذا السقوط سوى هذين السببين فإنّه بالتدقيق فيها نجدها كلها تندرج تحت هذين السببين، أو هي نتائج ومظاهر لهما، وأهم هذه الأسباب المتولّدة عنهما أربعة أسباب فرعية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر هذا الحزب وهي:
1- اتباع الحزب لنظام اقتصادي ليبرالي متوحش يعتمد على أسوأ فاعلين وهما: الخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، فحتى توظيف المعلمين أصبح يدخل ضمن نظام التعاقد الخاص وليس مع الدولة، وأمّا رفع الدعم فاشتمل على رفعه عن المحروقات بشكل خاص مما أثار غضب طبقات واسعة من الجماهير.
2- إقرار الحزب لقانون فرنسة التعليم: حيث تم تمرير قانون جعل اللغة الفرنسية لغة للتعليم بدلاً من اللغة العربية ما أثار حنق الناس الذين يشتمّون رائحة الهيمنة الاستعمارية الغربية والفرنسية حتى على حساب لغة القرآن الكريم.
3- موافقة الحزب على تمرير اتفاق التطبيع مع كيان يهود وهو ما جعل حزب العدالة يسقط أمام عيون ناخبيه الذين كانوا لا يتوقعون منه مجرد السكوت عن التطبيع ناهيك عن القبول به وتمريره في البرلمان.
4- تمرير الحزب لقانون تقنين القنّب: وهو ما يعني القبول بانتشار الحشيش بين العوام.
فهذه الأسباب الأربعة الفرعية هي أبرز الأسباب التي أبعدت الحزب كثيراً عن (مرجعيته الإسلامية) وجعلته يظهر أمام الناس بمظهر الحزب العلماني المناقض في كل مسلكياته لأسس الإسلام وأحكامه.
كما وأظهرت الحزب أمام جمهوره بأنّه مجرد أداة رخيصة يستخدمها الملك متى شاء لتمرير سياساته المعادية للإسلام والمُوالية للغرب.
فحزب العدالة الذي تهرّب من الالتزام بالإسلام تحت شعارات العدالة والتنمية لم يستطع بشعاراته الجوفاء هذه أنْ يحقق في سنيّ حكمه العشر أي شيء من العدالة والتنمية، حيث في فترة حكمه ازداد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً، وغلت الأسعار، وارتفعت نسبة البطالة، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وتمكنّ الكفار من إدخال ثقافتهم ولغتهم لكي تزعزع ثقافة الأمة وأحكامها الشرعية، وتشكك في حضارتها ومقاييسها وقيمها.
إنّ سقوط هذا الحزب ليس مجرد سقوط لحزب بعينه، بل هو سقوط لنموذج من الأحزاب شاع في الأمّة في زمن الانحطاط، فهذا السقوط هو سقوط لفكرة الحزب ذاتها، ولرؤيته التي تقوم على أساس التقرب من الحكام الطواغيت، والتزلف لهم لقاء بعض المناصب والمنافع الشخصية والحزبية الضيقة.
إنّه سقوط لفكرة التغيير الترقيعي التي ظنّ أصحابها أنّها هي البديل عن التغيير الشمولي.
إنّه سقوط لفكرة استخدام الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين في تثبيت الأنظمة الطاغوتية بعد أنْ انكشف سر استخدامها، والذي دلّ عليه كونها جيء بها إلى الحكم بعد اندلاع الثورات العربية من أجل ركوب موجة الثورات والالتفاف عليها.
إنّه سقوط لفكرة التدرج في تطبيق الإسلام، وإنّ تطبيق الإسلام لا يصح معه إلا أنْ يكون كاملاً انقلابياً وجذرياً.
إنّه سقوط لفكرة التوفيق بين الإسلام وبين الحضارة الغربية أو بين الوحي والوضع، أو بين الشرع والعقل.
إنّ الأصل في التغيير أنْ يُبدأ به في النظام برأسه وأساسه، لا أنْ يحافظ عليه ويدافع عنه، فقد وصل الحال البائس بحزب العدالة أنْ اعتبر الملك هو أساس الاستقرار في المغرب بدلاً من أنْ يعتبر الإسلام أساساً له!
لقد حان الأوان لهذا الحزب وأمثاله كحزب النهضة أنْ تختفيَ من الخريطة السياسية تماماً، لأنّها قدّمت أسوأ النماذج في الدفاع عن الطواغيت تحت شعارات كاذبة تتلفح بالحرية والعدالة والتنمية!

الأربعاء، 15 سبتمبر 2021

انقلاب غينيا: مُسبّباته ونتائجه

انقلاب غينيا: مُسبّباته ونتائجه

أطاحت القوات الخاصة الرئاسية بقيادة مامادي دومبويا بالرئيس الغيني ألفا كوندي الذي تم اعتقاله، وتم حل الحكومة وجميع المؤسسات الرسمية، وعُطّل الدستور، وأغلقت الحدود البرية والجوية للدولة.
وبرر الانقلابيون بزعامة دومبيا انقلابهم هذا بسبب ما أسموه بــ: "الوضع السياسي الرهيب الذي آلت إليه البلاد، وانتهاك مبادئ الديمقراطية، واستقلال القضاء، وتسييس الإدارة العمومية، وتدهور الوضع المعيشي، والحريات العامة"، وكان الرئيس المطاح به ألفا كوندي قد غير الدستور للترشح لولاية ثالثة، فأعطى سبباً آخر للعسكر للقيام بالانقلاب عليه.
وتحظى غينيا كغيرها من دول غرب أفريقيا بأهمية استراتيجية كبيرة وبموارد يسيل لها لعاب القوى الاستعمارية، لذلك باتت تُعتبر ساحة تنافس محمومة يتدافع نحوها العديد من اللاعبين الدوليين بحثاً عن النفوذ والموارد والهيمنة.
وبالإضافة إلى الصراع التقليدي عليها بين فرنسا وأمريكا وبريطانيا، فقد دخلت روسيا والصين بثقلٍ كبير على الخط، وباتت تلاحَظ محاولات عسكرية واقتصادية جادة من قوى كبرى جديدة كروسيا للإطاحة بالنفوذ الفرنسي في أفريقيا، خاصة وأنّ أمريكا غضّت الطرف عن التدخل الروسي المكثف في أفريقيا، حيث قال الجنرال ستيفن تاونسند قائد القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) في إفادته أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس في حديثه عن المنافسة الروسية والصينية لبلاده في أفريقيا: "أنا أقلُّ قلقاً بشأن المنافسة الروسية، أعتقد أنهم (الروس) أقل أهمية بالنسبة لي على المدى الطويل مقارنة بالصين، الصين مصدر قلق اليوم وعلى المدى الطويل".
كانت أمريكا قد نجحت في الإطاحة بالنفوذ الفرنسي من غينيا في انقلاب موسى كامارا في العام 2008، لكنّ النفوذ الفرنسي والأوروبي بقي إلى جانب النفوذ الأمريكي، ولم يُزل تماماً، ثمّ بعد عامٍ واحد من الانقلاب تمت الإطاحة بكامارا، وعاد النفوذ الفرنسي إلى البلاد في العام 2009 من خلال انقلاب سكوبا كونتي، ثمّ ومن خلال ألفا كوندي الذي جاء بعد إجراء أوّل انتخابات عامة بعيداً عن تحكم العسكر في العام 2010 كرئيس توافقي بين النفوذين الفرنسي والأمريكي استقرّ النفوذ الفرنسي إلى جانب النفوذ الأمريكي في غينيا.
إلا أنّ كوندي قد دفعته أمريكا للتعاون مع روسيا، فأدخل الشركات الروسية ومرتزقة (الفاغنر) الروسية إلى غينيا، وقامت روسيا بتقديم دعم سياسي كبير له خاصة بعد قيامه بإجراء تعديلات دستورية تسمح له بالاستمرار في السلطة، بالرغم من اعتراض فرنسا على تلك التعديلات، وسمح كوندي كذلك للشركات الروسية بالتنقيب عن البوكسيت في غينيا مما أثار حفيظة فرنسا.
وأصبحت الدول الأفريقية العميلة لأمريكا أو التي فيها نفوذ أمريكي كبير تسمح لروسيا ببناء قواعد عسكرية كمصر وأفريقيا الوسطى وإريتريا ومدغشقر وموزمبيق والسودان، وباتت غينيا مُرشحة لإقامة قواعد روسية فيها كتلك الدول.
وتغلغل مرتزقة (فاغنر) الروسية في أفريقيا بتمردات مسلحة عدة ضد عملاء فرنسا، ومن هذه الدول غينيا، فأحست فرنسا بالخطر وسارعت للإطاحة بكوندي في الانقلاب الأخير لكي لا يتكرر سيناريو أفريقيا الوسطى الذي سيطرت روسيا من خلاله على الرئاسة.
الانقلاب فرنسي بامتياز:
بثّت وسائل إعلام فرنسية الأحد الماضي مقطعا مصورا يظهر فيه قائد القوات الخاصة مامادي دومبويا وهو يعلن تنفيذه انقلابا على الرئيس الغيني ألفا كوندي واعتقاله، وتناولت وسائل الإعلام معلومات عن قائد الانقلاب دومبويا الذي انقلب على رئيسه بأنّه استمد جميع أفكاره العسكرية وتدريباته من خلال مسيرته مع الجيش الفرنسي، وكان عضوا في الفيلق الأجنبي الفرنسي، قبل أن يتم استدعاؤه إلى غينيا ليسلمه الرئيس ألفا كوندي قيادة قوات النخبة عام 2018، التي شُكلت حديثا في ذلك الوقت، وتخرج دومبويا من المدرسة العسكرية في العاصمة الفرنسية باريس، وقاتل مع الفيلق الأجنبي الفرنسي سنوات، ولديه نحو 15 عاما من الخبرة مع الجيش الفرنسي، شملت إرساله في تدريبات وبعثات إلى كوت ديفوار وجيبوتي وجمهورية أفريقيا الوسطى وأفغانستان وأماكن أخرى، كما أرسلته فرنسا أثناء عمله في صفوف قواتها إلى كيان يهود والسنغال والغابون لتلقي تدريبات متخصصة بوصفه خبيرا في إدارة الدفاع والقيادة والاستراتيجية.
وهذه العلاقة الوطيدة التي تجمع بين دومبويا والفرنسيين عزّزها بزواجه من امرأة فرنسية، عضو في الدرك الوطني الفرنسي، وأنجب منها 3 أبناء، حسب ما نقلته تقارير إعلامية.
وتقول المصادر الإعلامية إنّ هذا الانقلاب الذي شهدته غينيا لا يُعتبر مفاجئا، فميول دومبويا الانقلابية على نظام كوندي بدأت منذ إعلانه رغبته في جعل قوات النخبة مستقلة عن وزارة الدفاع، وقالت صحيفة جون أفريك الأحد الماضي إنه في الأشهر الأخيرة أثارت رغبة دومبويا في استقلال وحدته العسكرية عن وزارة الدفاع مخاوف من صراع على السلطة، وأشارت إلى نشوب مشكلات بالفعل بين دومبويا والحكومة في كوناكري عندما تم منعه من الاستقلال بقوات النخبة عن وزارة الدفاع.
 تنظر فرنسا إلى غينيا باعتبارها منطقة نفوذ تقليدية خاصة بها نظراً لماضيها الاستعماري فيها منذ عقود، وتُعد غينيا ومجموعة الدول الفرانكفونية في أفريقيا سوقاً استهلاكية ضخمة للصادرات الفرنسية، ومصدراً مهمّاً للحصول على الموارد والثروات الطبيعية، خاصة أن المنطقة قد أصبحت إحدى مصادر الطاقة بالنسبة لها ولأوروبا، لا سيما النفط والغاز واليورانيوم، وفوق ذلك فإن غينيا تُعتبر أكبر مُصدّر في العالم لمادة بوكسيت الخام التي يصنع منها الألمنيوم.
لقد أضحت منطقة غرب أفريقيا والساحل والصحراء في الواقع ساحة جديدة للتنافس على النفوذ والهيمنة بين روسيا وفرنسا، واتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون روسيا في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2020، باتباع استراتيجية تهدف لتأجيج المشاعر المعادية لباريس في قارة أفريقيا.
وهذا الصراع الروسي الفرنسي قد حلّ - وبإرادة أمريكية - محل الصراع الأمريكي الفرنسي.
وهكذا تبقى أفريقيا مرتعا للقوى الاستعمارية الكبرى فتُنهب ثرواتها ويُقتل أبناؤها إرضاءً لشهوات وأطماع الرأسماليين الكبار، ولا تنال الشعوب الأفريقية من هذه الصراعات بين الكبار سوى الحروب واللجوء والخراب، ولا ينتج عنها إلا الموت والفقر والدمار.

الثلاثاء، 14 سبتمبر 2021

رابطة العالم الإسلامي توقع اتفاق شراكة مع بلير عدو الاسلام

رابطة العالم الإسلامي تُوقّع اتفاق شراكة مع بلير عدو الإسلام!
 
 
 
الخبر:
 
قالت رابطة العالم الإسلامي إنها وقعت اتفاق شراكة استثنائية مع معهد توني بلير للتغيير العالمي، لجمع رؤيتي المؤسستين، وأشارت الرابطة في بيان إلى أنها ستعمل مع بلير على مدى السنوات الثلاث المقبلة على تقديم برنامج عالمي لتزويد 100 ألف شاب بين أعمار 13-17 بمهارات التفكير والنقد في 18 دولة لمواجهة تحديات فرص المستقبل وفق وصفها، كما سيعمل البرنامج من خلال شبكات المدارس وشركاء التعليم حول العالم على تدريب أكثر من 2400 معلم على: "مهارات الحوار مثل التفكير الناقد، والاستماع النشط، والتواصل العالمي، لنقل هذه المهارات إلى طلابهم، وبذلك سيسهم البرنامج في بناء قدر أكبر من التفاهم المتبادل والتسامح والثقة بين الشباب ومجتمعاتهم، وتصحيح المفاهيم حول التنوع الديني والثقافي". كما سيقوم البرنامج أيضاً ببناء حوار أوسع بين أتباع الأديان والثقافات داخل مجتمعات التنوع، حيث يخاطب تعاطف الشباب وفهمهم لمن يختلفون عنهم في حياتهم اليومية وعائلاتهم ومجتمعاتهم.
 
وكان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، قال إن الإسلام السياسي يعد "تهديدا أمنيا من الدرجة الأولى".
 
التعليق:
 
إنّ ما تُسمّى برابطة العالم الإسلامي التي يُفترض فيها أنْ تُمثّل المسلمين، وأنْ تُدافع عن الإسلام والمسلمين، وأنْ تعمل على تقوية أواصر الشعوب الإسلامية وتوحيدها، وأنْ تقوم بما يؤدي إلى تمتين مواقفهم وجمعهم على عقيدة التوحيد، بدلاً من ذلك نجدها تعمل على تغريب أبناء المسلمين، ومحاولة طمس أفكارهم وقناعاتهم، فنراها تلجأ إلى أعداء الأمّة الحاقدين عليها من مثل توني بلير مجرم حرب العراق وأفغانستان، ونجدها تتعاون معه في إفساد شباب المسلمين، وتعليمهم المفاهيم العلمانية اللادينية، وإبعادهم عن الإسلام، من خلال برامج مشبوهة وشعارات كاذبة وعناوين مُخادعة كالحوار بين الأديان والثقافات، والتفكير الناقد لكل ما هو من مرتكزات ثقافة الأمة، وتشكيك الشباب بالعقيدة الإسلامية، وتشويهها وحملهم على تركها، من خلال برامج مسمومة تُعدّها مؤسسة بلير لإفساد عقول أبناء المسلمين.
 
فرابطة العالم الإسلامي اتفقت مع مؤسسة بلير على الزج بمائة ألف من صغار السن و2400 معلم لدمجهم في برنامج عالمي علماني لغسل عقولهم وتحويلهم إلى أبواق للدفاع عن الحضارة الغربية المادية ومقاييسها النفعية.
 
إنّ هذه الرابطة بعد هذا الاتفاق المفضوح لم تعُد تُمثّل المسلمين، وإنّما أصبحت أداة للرأسمالية العالمية تُقدّم أبناء الأمّة الصغار ليكونوا حقل تجارب فكرية للثقافة الغربية، ولإبعادهم عن دينهم وتحويلهم إلى شخصيات مضطربة مهزوزة تحمل المشروع الاستعماري الرأسمالي في قوالب وشعارات كاذبة، وتتحدث عن الحوار والتفكير الناقد وما شاكل ذلك من أفكار ومفاهيم مادية تُنكر علاقة الدين بالدولة وبالحياة، وتحصره في الصوامع والزوايا.

الخميس، 2 سبتمبر 2021

حقائق وعبر من حرب أفغانستان

حقائق وعبر من حرب أفغانستان 

غالباً ما تُفرز نتائج الحروب الطويلة الكثير من الدروس والعبر، فعلى المرء أنْ يتخيّر منها ما يُستفاد من نتائجها، وملاحظة إسقاطاتها على الواقع، فيضعها في منزلة الحقائق التي تؤخذ منها تلك الدروس والعبر التي تأتي ضمن سياق سياسي وتاريخي مهم، فينتفع بها المجتمع في نهضته واستقلاليته وتحرّره.
وحرب أفغانستان هي مثال جيد لاستنباط مثل تلك الحقائق كونها دارت بين دولة عظمى مستكبرة يساندها فيها تحالفها الدولي والإقليمي المنافق لها من جهة، وبين حركة إسلامية بسيطة متواضعة لم تجد من يساندها سوى شعبها الفقير المسحوق من جهة أخرى.
الحقيقة الأولى: القوى العظمى يمكن أنْ تهزمها قوى صغيرة تمتلك إرادة القتال
إنّ القوى الكبرى المدججة بالسلاح الفتاك المتطور كأمريكا قد تُهزم قطعاً من قوى صغيرة لا تمتلك إلا قليلاً من القوة المادية كحركة طالبان، ولكن قوتها الحقيقية تتجلى بالإرادة والعزيمة والصبر، فانسحاب أمريكا المذل من أفغانستان هو قطعاً نوع من الهزيمة والهروب من قوة بسيطة، وقد اعترف بايدن بذلك فقال بأنه لا يملك خياراً آخر سوى الانسحاب، وأضاف: "ما نراه الآن يُثبت أنّه ما من قوة عسكرية يمكنها تغيير مجرى الأحداث في أفغانستان المعروفة بأنّها مقبرة الغزاة".
الحقيقة الثانية: القوى العميلة قوى هشّة سريعة السقوط
إنّ القوى العميلة دائماً ما تكون هشة سريعة السقوط مهما انتفخت بالسلاح والعتاد المقدم لها، لأنها بكل بساطة لا تملك قاعدة شعبية ذاتية تركن إليها، وإنما تمتلك قاعدة خارجية استعمارية، فهي بمثابة قوى مرتزقة غريبة عن جسم الأمة، قوى خانت الله ورسوله، وخانت شعبها وأمتها، وهذا ما يفسر سرعة سقوط الحكومة الأفغانية العميلة، وهروب رئيسها أشرف غاني، تاركا الدولة لمقاتلي طالبان الذين طالما حرض على قتالهم، فجيش غاني لم يُبدِ أية مقاومة تذكر، وتبخرت قواته التي يبلغ تعدادها 300 ألف مقاتل أمام مقاتلي طالبان الذين لا يملكون سوى أقل من نصف هذا العدد.
الحقيقة الثالثة: التمسك بالقوة الفكرية الإسلامية وعدم التنازل عنها سبب رئيس للانتصار والبقاء
إنّ وجود الفكر الإسلامي لدى الحركة - ولو كان محدوداً - والثبات عليه، يعينها على البقاء والصمود، وهو سبب رئيسي للانتصار، وحركة طالبان تداوم على طلب العلم الشرعي، وتعلم أفرادها وتعلم الناس الذين تحت سلطانها شيئاً من الثقافة الإسلامية، وهذا يعتبر من الثبات على الفكر الإسلامي والتمسك به، وعدم خلطه بالمفاهيم الغربية.
وبالمقابل فإن الحركات التي تنازلت عن ثقافتها الإسلامية، وحاولت التوفيق بين الإسلام والحضارة الغربية، ومسايرة الثقافة الاستعمارية بدعاوى التجديد والحداثة، ابتداءً من حركات محمد عبدو وجمال الدين الأفغاني، وانتهاءً بحركة النهضة في تونس، كُلّها فشلت وتلاشت وكان مصيرها الزوال والاندثار.
الحقيقة الرابعة: التشدّق بشعارات الحرية والديمقراطية والتعددية والحداثة وتمكين المرأة وحقوق الإنسان إنْ هو إلا كذبة كبرى في عملية التحرير أو التغيير لا قيمة لها
إنّ إطلاق مثل هذه الشعارات المدسوسة الهدف منها هو عرقلة عملية التحرير، وحرف الحركة عن تحقيق أهدافها، وقد ثبت أنّها مجرد أوهام لا تؤثر على الحركة الجادة التي لم تلتفت إلى مثل هذه الشعارات المكذوبة، وحتى أمريكا في مفاوضاتها مع حركة طالبان لم تأتِ على ذكرها، فمثل هذه الشعارات لا تروَّج إلا في بيئات مائعة فكرياً لديها قابلية لتقبلها، أمّا مع حركة طالبان فلا مكان لترويجها، والغرب يعلم ذلك.
الحقيقة الخامسة: حسن الرعاية يقوي الحاضنة الجماهيرية ويوسعها ويزيدها التفافاً حول الحركة، وسوء الرعاية يشتت الحاضنة ويجعلها أكثر انقساماً وعداءً
لا شك أنّ الرفق بالناس وحسن رعاية شؤونهم وحماية ممتلكاتهم وأعراضهم وتطبيق أحكام الشريعة عليهم بالعدل والإنصاف يزيد من تقبل الناس للحركة، ويجعلهم حاضنة حقيقية لها، بينما سوء الرعاية والانتقام من الناس المخالفين للحركة بالرأي يشتت الحاضنة ويصرفها عن دعمها، ويوجد العداء والشحناء بين الناس، فالناس يقبلون بالحركة ويرضون بقيادتها إذا أحسنت رعاية شؤونهم ولو اختلفوا معها في المتبنيات العقائدية والفكرية، ويرفضونها ويعادونها إذا أساءت الرعاية ولو اتفقوا معها في المتبنيات.
ولعلّ تنظيم الدولة مثال واضح على سوء الرعاية في المناطق التي استولى عليها في سوريا والعراق قبل طرده منها، فالناس لم يُدافعوا عنه، ولم يحتضنوه بالرغم من رفعه للشعارات الإسلامية، وبالرغم من زعمه إقامة الخلافة، فهم شاهدوا بالحس مدى غلظته وانتقامه ممن يخالفه، وأخذ الناس وقتلهم بالشبهة.
وهذا يؤكد أن على الحركة أنْ لا تحيد عن أفكار الإسلام ولا تبدل ولا تغير المفاهيم بحجة مراضاة (الأقليات)، أو مشاركة أصحاب الأفكار المخالفة للإسلام في الحكم، فالناس تقبل بالحكم بالإسلام ولو كانوا كفاراً ما دام يُطبّق عليهم بحسن رعاية.
الحقيقة السادسة: القواعد الدولية يفرضها الأقوياء ويجب تبديلها بالحكمة والقوة إذا كانت تخالف الإسلام
لا يجب النظر إلى القواعد الدولية على أنّها مسلمات لا تتغير ولا تتبدل، بل يجب العمل على تغييرها من أول يومٍ تصل فيه الحركة إلى الحكم، فالكفار لا يفهمون إلا لغة القوة، ولا يخضعون إلا للقوة، وحركة طالبان التي سيطرت على أفغانستان لا شك أنها أصبحت حركة قوية لأنها سيطرت على كل مقومات الدولة، ولأن معها ليس شعبها فقط، بل معها مليار ونصف المليار من المسلمين يقفون خلفها إنْ هي قامت بإسقاط القواعد الدولية الظالمة التي فرضها الكافر المستعمر على المسلمين، والتي من أخطرها الحدود التي تفصل بين شعوب الأمة الإسلامية الواحدة، ومثال ذلك الحدود التي رسمها المستعمرون الإنجليز لأفغانستان لعزلها وفصلها عن امتداداتها في البلدان المجاورة لها، وبالتالي فصلها عن مصدر قوتها، وحصرها في مجال جغرافي ضيّق لإبقائها ضعيفة ومعزولة عن محيطها الإسلامي الطبيعي في باكستان وبلدان آسيا الوسطى، فخط دوراند الذي رسم حدود أفغانستان منذ سنة 1893 لا يجوز الاعتراف به، ويجب العمل منذ الآن على إلغائه، فالذي رسمه هو وزير الخارجية البريطاني لحكومة الهند البريطانية قبل ما يقارب المائة وعشرين سنة، من أجل بقاء أفغانستان دولة عازلة بين روسيا وبريطانيا في ذلك الوقت، لكن اليوم اختلف الواقع، ولم تعد الهند بريطانية، وباختلاف الواقع يختلف خط الحدود التعسّفي الذي قسّم دول المنطقة، وقطّع أوصالها.
فنصيحتنا لطالبان أنْ تبدأ دبلوماسيتها بالتحرك مع جيرانها في باكستان وبلدان آسيا الوسطى على قواعد إسلامية جديدة، تقوم على أساس الوحدة بين دول المنطقة الإسلامية الواحدة، التي تصلح لإقامة نواة دولة الخلافة الإسلامية العالمية انطلاقاً من أفغانستان

الجمعة، 27 أغسطس 2021

الثورات لا تملك الديمومة ولا النجاح الا بمحركات اسلامية

الثورات لا تملك الديمومة ولا النجاح الا بمحركات اسلامية


إنّ تجربة العشر سنين الماضية من الثورات العربية أكدت على حقيقة أن الثورات في البلدان الاسلامية لا تملك الديمومة ولا القدرة على الاستمرار والثبات إلا إذا زُوّدت بمحركات إسلامية، فنجاحها وانتصارها مشروط بوجود مثل هذه المحركات، فلا تكفي دوافع الغضب والسخط لدى الشعوب لاستمرارية الثورات، بل لا بُدّ لها من قاعدة فكرية إسلامية صلبة ترتكز عليها، ولا بُدّ لها من محركات إسلامية قوية تمدها بالوقود الثوري الدائم لكي تستمر في الحركة الجماهيرية، والاندفاع الشعبي لأطول مدة زمنية.

فالزخم الشعبي العفوي لا يعيش طويلاً من دون محركات فكرية عقائدية، أو مشاعر روحية إيمانية، والاكتفاء بأحاسيس الظلم والقهر الغريزي لا يكفي لإشعال الثورة لمدة طويلة، وأمّا الدوافع الوطنية والقبلية والقومية الموجودة غريزياً عند الناس فهي مجرد أدوات دفاعية مؤقتة، وتفتقر إلى الفكر المُوجه، والقيادة القادرة على التأثير، لذلك فهذه الأدوات تتأثر بكل ما يكتنفها من أفكار، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى التحاقها بتيارات فكرية مُتباينة يستخدمها أعداء الثورة بسهولة، وتكون نتيجتها المحتومة بروز التناقض والميوعة فيها، ومن ثم ينتهي المطاف بها إلى التشرذم والاندثار.

لقد تغلبت المحركات الإسلامية في بداية اندلاع الثورات العربية على سائر المحركات الأخرى، فلم يكن لها منافس، وتمكنت من الإطاحة برؤوس الطواغيت بسهولة ويسر ابتداءً من زين العابدين بن علي، ومروراً بحسني مبارك ومعمر القذافي وعلي عبد الله صالح، وانتهاءً بعبد العزيز بوتفليقة وعمر حسن البشير.

لكن قلة من العلمانيين الذين لا وزن لهم ولا قيمة تمكنوا من التأثير على بعض الجماعات والفصائل الإسلامية، فطالبوها بالمشاركة معها في الثورة، وفي الحكم، تحت شعارات الديمقراطية والوطنية، فقبلت هذه الجماعات والفصائل بفكرة المشاركة بغباء تحت شعار الديمقراطية والوحدة الوطنية، فكانت النتيجة كارثية مدمرة للثورات ومجهضة لها.

فالانخداع بالتجربة الديمقراطية جعل الأكثرية الإسلامية المشاركة في الثورات ألعوبة بأيدي القلة العلمانية، وجعلها تقدم التنازلات المتتالية حتى انتهى بها المطاف إلى خروجها تماماً من اللعبة الديمقراطية، وبقاء العلمانيين بمفردهم فيها، فقاموا بذلك بالمهمة المرسومة لهم، وسلموا الحكم للطواغيت بعد إنهاء الثورات التي شاركوا فيها في البداية كعناصر هامشية، وهو ما أدى في النهاية إلى عودة الحكم لطغاة أكثر طغياناً من أسلافهم الذين أطيح بهم.

ففي تونس مهد الثورات العربية قدمت حركة النهضة كل التنازلات لشركائها من العلمانيين فلم ينفعها ما قدمته من تنازلات خطيرة لنيل مرضاتهم، فقبل الغنوشي بإبعاد الشريعة الإسلامية من بنود الدستور التونسي، وتخلى عن فكرة الدولة الإسلامية، وتحالف مع أعتى أعداء الإسلام كالباجي قائد السبسي، ودافع بشراسة عن الديمقراطية، فماذا كانت النتيجة؟ أطيح به وبديمقراطيته، ونجح شخص مغمور - قيس سعيد - وبجرة قلم من إلغاء كافة المؤسّسات الديمقراطية التي تغنّى بها الغنوشي وجماعته لمدة السنين العشر الفائتة.

وفي سوريا تحالفت الفصائل الإسلامية التابعة للإخوان المسلمين مع الفصائل العلمانية، وطالبت بالديمقراطية التعددية، فماذا كانت النتيجة؟ أزيلت تماماً من خارطة القوى السورية ولم نعد نسمع بأخبارها.

وأمّا جبهة النصرة فتنصلت أولاً من علاقتها مع تنظيم الدولة، ثمّ تنصلت ثانياً من علاقتها مع القاعدة، ثمّ تنصلت ثالثاً من مفهوم الجهاد إرضاءً للعلمانيين والغربيين، ولم تكتف بذلك بل غيّرت اسمها أيضاً، واشتغلت بجمع الأموال والضرائب والسيطرة على أرزاق العباد، فماذا كانت النتيجة؟ تحولت هيئة تحرير الشام - وهي جبهة النصرة سابقاً - إلى مجرد حرس حدود تحمي الدوريات الروسية وتمنع المجموعات المخلصة من مقاتلة النظام.

وفي ليبيا تعاونت الحركة الإسلامية مع العلمانيين العملاء الذين نصّبّهم الأوروبيون حكاماً في طرابلس بعد القذافي، والتزموا باتفاقات رسمتها بريطانيا وأوروبا مثل الصخيرات وبوزنيقة بالمغرب واتفاقات برلين وباريس وروما وجنيف والقائمة تطول، فماذا كانت النتيجة؟ خروج الإسلاميين ضعفاء من الثورة وإقحامهم في حروب أهلية لا تنتهي.

وفي مصر وصل الإخوان إلى مصر بفعل المحركات الإسلامية للثورة، لكنهم عندما تعاونوا مع العلمانيين وقدّموا لهم التنازلات سقطوا من الحكم سقوطاً مُدوياً.

وفي اليمن بلغ تأثير المحركات الإسلامية في بداية الثورة أنْ خرجت مظاهرات مليونية تطالب بعودة الخلافة الإسلامية، لكنّ تعاونهم مع الحكومات العميلة، ودخول الحوثيين على الخط أدّى إلى إجهاض الثورة اليمنية وتحويلها إلى حرب أهلية.

وفي السودان ابتعد غالبية الإسلاميين عن تصدر الثورة، ورضوا بتركها لليساريين العلمانيين الذين زعموا كذباً أنّ غالبية الإسلاميين هم من أنصار الطاغية المخلوع حسن البشير، ولكن للأسف انطلت عليهم الحيلة، ورضي الكثير منهم بترك الساحة لليساريين مختارين، بذريعة تجنب الفوضى وعدم سفك الدماء، فكان تنازلهم هذا سبباً في انتكاس الثورة، ومجيء حكام عملاء طبّعوا العلاقات مع كيان يهود.

وفي الجزائر اشترط بعض العلمانيين والوطنيين الذين لا انتماء فكري لهم اشترطوا إبعاد الإسلاميين من الحراك بحجة إبقاء الثورة خارج حدود التأطير الحزبي، وللأسف قبل غالبية الإسلاميين ذلك من أجل إنجاح الثورة، فماذا كانت النتيجة؟ ها هو النظام قد استطاع إعادة إنتاج نفسه بقالب جديد.

وفي مُقابل ذلك كله فإنّنا نجد أنّ النموذج الطالباني في أفغانستان قد استطاع أنْ يصمد أمام كل القوى الدولية والإقليمية العاتية، واستطاع أنْ يسيطر على معظم المناطق الأفغانية في فترة قليلة بعد انسحاب القوات الأمريكية، وسبب هذا النجاح يرجع إلى تمسك حركة طالبان بمحركاتها الإسلامية، وعدم تقديمها تنازلات كثيرة كما فعلت الحركات الإسلامية في بلدان الثورات العربية، لدرجة أنّ الرئيس الأمريكي جو بايدن قد اعترف بالهزيمة ضمناً في أفغانستان فقال: "أنفقنا على أفغانستان ألف مليار دولار في عشرين عاماً، وجهّزنا 300 ألف جندي أفغاني، وأنا لست نادماً على قرار الانسحاب من أفغانستان، وعلى الأفغان أنْ يُقاتلوا من أجل أنفسهم وأمّتهم".

هذه هي الأدلة العملية على أنّ الثورات لا تملك الديمومة والاستمرار والنجاح إلا بمحركات إسلامية صرفة، وأنّ التشارك أو التحالف مع العلمانيين ودعاة الديمقراطية يؤدي حتماً إلى فشل الثورات وتلاشيها.

الأربعاء، 11 أغسطس 2021

انقلاب تونس أثبت فشل خيار الديمقراطية التعددية في مواجهة الاستبداد

انقلاب تونس أثبت فشل خيار الديمقراطية التعددية في مواجهة الاستبداد

قام الرئيس التونسي قيس سعيّد وبتخطيط مُسبق بانقلابٍ خاطف وسريع، فأطاح بالمنظومة السياسية التونسية برمتها، والتي تشكلّت بعد الثورة على أنقاض نظام زين العابدين بن علي، وتتمثّل هذه المنظومة بالحكومة والبرلمان والادعاء العام، فجمع سعيّد السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية بيده، وأصبح هو الحاكم والقاضي والمشرع في آنٍ واحد، مُستنداً في عمله هذا إلى انحياز الجيش له، ومُعتمداً على تفسير المادة 80 من الدستور التونسي بما يُوافق هواه.
لقد قضى سعيّد بهذا الانقلاب السهل على آمال الذين ظنّوا أنّ الديمقراطية في تونس قد تجذرّت وترسخت بعد ثورة الياسمين، وأجهض سعيّد بانقلابه جهود عشر سنوات من العمل الديمقراطي الدؤوب داخل أروقة البرلمان، والذي كان أحد أهم ثمار هذا العمل المضني والذي يوصف بأنّه النتاج الحقيقي للثورات العربية التي تلاشت من جميع دول الربيع العربي ولم يتبق منها شيء ذو قيمة إلا في تونس، والتي باتت تُعرف برمز هذه الثورات وأيقونتها.
لكنّ هذه الأيقونة الجميلة - في نظرهم - قد سقطت هي الأخرى الآن، وتلاشى مع سقوطها خيار الديمقراطية التعدّدية الذي عوّلوا عليه كثيراً في تونس وفي الدول العربية، ففشل هذا الخيار في الصمود أمام مجرد رئيس مبتدئ قليل الخبرة، وبإسناد من بعض الضباط والعسكر ودعم من فرنسا أمّ الديمقراطية والحرية.
فأين هي إذاً القوى الديمقراطية في تونس؟ وأين هي شعبيتها؟ ولماذا لم ينزل الناس إلى الشوارع لدعمها؟
إنّ الشعب في تونس هو جزء من الأمّة الإسلامية فلا يؤمن إلا بالاسلام، وإنّ كل الجعجعات الديمقراطية منذ عشر سنوات في تونس لم تستطع تغيير قناعته بالإسلام العظيم، فالديمقراطية في نظر المسلم هي تماماً كالدكتاتورية لأنّها حكم بغير ما أنزل الله، والمسلم عندما تُعرض عليه المفاضلة بين الاستبداد والديمقراطية لا يفاضل ولا يقارن بينهما بمعزل عن الإسلام، فهما في نظره غير إسلاميين وهما بذلك سواء، فهذا نظام كفر وذاك نظام كفر.
لقد وقف الناس أمام هذا الانقلاب على الحياد، فلم يؤيدّوا قيس سعيّد كونه طاغية مستبداً تابعاً لفرنسا، ولم يؤيدوا الديمقراطية التعددية لأنّها ومنذ عشر سنوات لم تجلب لهم سوى الكوارث السياسية والاقتصادية والإنسانية، فجربّوا منذ سقوط بن علي تسع حكومات ديمقراطية لم تسفر إلا عن انهيار اقتصادي وعقم سياسي، فالبطالة بلغت 36% والانكماش في القطاع الصناعي بلغ 9%، ومات أكثر من عشرين ألف إنسان نتيجة الفساد في المرافق الصحية.
الرئيس ضعيف وانحاز لفرنسا كي يتقوى بها فلم تزده إلا ضعفا وبعدا عن شعبه، والحكومات المتعاقبة تابعة لبريطانيا وفاسدة، والبرلمان لا يجيد إلا الثرثرة والمُناكفات، والمنظومة السياسية برمتها هشة وفاسدة، لذلك وقف الناس موقف المتفرّج، فلم ينصروا فاسداً على فاسد.
زعم الرئيس سعيّد بأنّه سيحارب اللصوص والفاسدين فإذا به يحارب الشرفاء ويعتقل نواب ائتلاف الكرامة كمحمد العفاس لا لشيء إلا لأنّهم يهاجمون أسياده الفرنسيين، وادّعى بأنّه يقف مع الدستور، فإذا به يقوم بعرض مواد من الدستور الأمريكي ويدافع عنها ويشرحها باللغة الفرنسية، ولم يأت على ذكر دستور البلاد الذي انقلب عليه، ولم يعرضه باللغة العربية التي يتشدق بها في عرض تفاهاته السياسية.
وأمّا موقف رئيس البرلمان التونسي المحسوب على حركة النهضة (الإسلامية) راشد الغنوشي فبدا موقفه باهتاً هزيلا، إذ عرض مزيداً من التنازلات من أجل ما أسماه بعودة الديمقراطية، ودعا إلى الحوار الوطني أو قل حوار الطرشان، وقال بأنّه مُتفائل بمستقبل الديمقراطية في تونس، وكأنّ الديمقراطية عنده أصبحت بديلاً عن الإسلام، فهو ينافح عنها وكأنّها وثن يُعبد!
إنّ هذا الرجل الذي نقل حزبه من حزب له سمت إسلامي إلى حزب علماني مضاد للشريعة الإسلامية، ولم يكتفِ بفصل كل ما هو دعوي عن كل ما هو سياسي على طريقة العلمانيين في الفصل التام ما بين الدولة والسياسة، بل واعتبر أنّ الدولة ليس من مهمّتها فرض الإسلام على الناس، وإنما مهمتها تُختزل فقط في حفظ الأمن العام وتقديم الخدمات فقال: "الناس تصلي أو ما تصلي، يسكروا أو ما يسكروا، النساء تلبس الخمار أو ما تلبس الخمار، هذا كله متروك للناس".
فمن الطبيعي إذاً عندما يسمع المسلم مثل هذا الكلام من زعيم حزب إسلامي ولو شكلياً، أنْ يكفر هذا المسلم بالديمقراطية، وألا يفرق بينها وبين الدكتاتورية، خاصة وأن كلتيهما قد أخفقتا في تحسين الوضع الاقتصادي للناس، وفي قطع أيادي الاستعمار عن مقدرات الدولة.
وأما من ناحية سياسية فالغنوشي الذي سبق أن خضع لاستجواب مجلس العموم البريطاني قبل انخراطه في العمل السياسي في تونس، قد جاء إلى تونس بعد الإطاحة ببن علي ليقوي رجال الإنجليز في البلاد، ومنهم الرئيس المقبور السابق الباجي قائد السبسي الذي كان من جماعة بورقيبة عملاء الإنجليز المعادين للإسلام بضراوة.
فهؤلاء الديمقراطيون لا يختلفون كثيراً عن قيس سعيد الذي ارتمى بحضن الفرنسيين، والنتيجة أنّه بدل أن يكون الصراع بين المسلمين وبين عملاء وأذناب الاستعمار، أصبح بين عملاء فرنسا وعملاء بريطانيا، وتحولت الدولة إلى مزرعة يتقاتل عليها اللصوص الأجانب.
إنّ المشروع العملي الوحيد القادر على إسقاط حكم الاستبداد في تونس وفي كل البلاد الإسلامية هو مشروع الإسلام العظيم، فالإسلام هو دين عامة أهل البلاد، وربطه بالعمل السياسي ربطاً مُحكماً هو الذي يُمكّن دعاة التغيير من التغلب على عملاء فرنسا وبريطانيا في تونس في آنٍ واحد، وهو الوحيد الذي يستطيع استئصال النفوذ الأجنبي برمته من البلاد.

الأربعاء، 4 أغسطس 2021

التبعية السياسية سبب رئيسي للفشل الدبلوماسي- سد النهضة مثالا-

التبعية السياسية سبب رئيسي للفشل الدبلوماسي - سد النهضة مثالا -

بعد إعلان إثيوبيا عن الانتهاء من مرحلة الملء الثاني للبحيرة التي تحتجز مياه نهر النيل الأزرق خلف السد، ظهر للناس بوضوح حقيقة الدبلوماسيات الفاشلة للقيادتين المصرية والسودانية في معالجتهما لأزمة السد، وظهر معها العجز السياسي الكامل الذي كشف عن فقدان الإرادة السياسية لمصر والسودان واعتمادهما في حل كل مشاكلهما بشكلٍ مطلق على أمريكا والمؤسسات الدولية.
إنّ الدول التي تملك ترسانة عسكرية كبيرة كمصر ولا تستخدمها في حالة الاحتياج لها تكون ترسانتها في هذه الحالة عبئاً عليها، فمصر التي تمتلك من كل أنواع القوة العسكرية عشرة أضعاف ما تمتلكه إثيوبيا لم تستخدم قوتها المتفوقة في مواجهة العدوان الإثيوبي المائي ضد مصر والسودان، وفي حين تنجح إثيوبيا في هذا الموضوع تفشل فيه مصر ومعها السودان فشلاً ذريعا، وبينما تُصنّف مصر في المرتبة الثالثة عشرة في التصنيف العسكري العالمي تُصنّف إثيوبيا في المرتبة الستين.
فمصر تمتلك من الجنود والطائرات والدبابات وسائر أنواع المعدات ما يزيد عن إثيوبيا في العدد وفي النوعية وفي التدريب بفروقات كبيرة، بينما إثيوبيا دولة شبه مفككة ولديها مشاكل عرقية ودينية وحروب أهلية لا حصر لها، وآخرها حرب إقليم تيجراي، ومع ذلك فموقفها في موضوع السد قوي ومتماسك ويعتمد على قوة الدولة الداخلية، بينما الموقف المصري هزيل جداً يعتمد على القوى الخارجية لتعينها في اتخاذ قراراتها.
وكالعادة جاءت الصفعة الشديدة لمصر والسودان من القوى الخارجية التي تُعول عليها الحكومتان المصرية والسودانية إذ جاءت من مجلس الأمن الذي خذلها في هذه القضية كما كان دائما يخذلها في قضاياها السابقة.
والأنكى من ذلك كله أنّ الإعلام المصري الحكومي المضلّل يستمر في تصوير الموقف المصري للرأي العام وكأنّه انتصار عظيم في مواجهة إثيوبيا، ويُصور وزير خارجيتها سامح شكري بأنّه أسد الوزارة، بينما كانت تصريحاته هزيلة جدا ومتناقضة، وكانت نتائج سياسات وزارته مُخيبة للآمال أسفرت عن انحياز روسيا والصين إلى جانب إثيوبيا إذ اعترفتا بأهمية السد لإثيوبيا، فيما شرعت روسيا بالتعاون العسكري معها، بينما أظهرت هذه السياسات الفاشلة للخارجية المصرية وقوف بقية البلدان المهمة على الحياد ظاهرياً، بمعنى أنّها مع إثيوبيا فعلياً.
ويمكن تحديد إخفاق الدبلوماسية المصرية في موضوع السد بالأسباب التالية:
1- الركون إلى أمريكا في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة في كل ما له علاقة بالسياسة الخارجية.
2- الامتناع عن اتخاذ أي إجراء عملي ضد إثيوبيا مُنذ بدء الأزمة قبل أكثر من عشر سنوات، وتضييع تلك السنوات الطويلة من دون أي حراك فعلي، والاكتفاء بخوض المفاوضات السقيمة المضيّعة للوقت، والمشابهة لمفاوضات السلطة الفلسطينية العقيمة مع كيان يهود.
3- عدم استخدام القوة العسكرية مطلقاً، وعدم التلويح بها، والتأكيد بشكل مُطمئن لإثيوبيا على الخيار السلمي كخيار وحيد لمعالجة الأزمة.
4- التوجه بالأزمة نحو المنابر الدولية والإقليمية مثل مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي وآخرين.
5- اختلاف السياستين المصرية والسودانية في مواجهة الأزمة، وعدم تحركهما ككتلة واحدة وقوة واحدة منذ بداية الأزمة.
6- عدم متابعة وملاحقة الدول والشركات التي ساعدت إثيوبيا في بناء السد، وتهديدها منذ البداية، وتحذيرها من مغبة الاستمرار في دعم إثيوبيا.
7- عدم استخدام العمق العربي والإسلامي في مواجهة إثيوبيا منذ وضع اللبنة الأولى لبناء السد.
8- التراخي وعدم اتخاذ المواقف الحاسمة في هذه الأزمة انطلاقاً من قاعدة اتخاذ إجراء الحياة والموت في هذه القضية المصيرية كون الماء عنصر الحياة الرئيسي لأكثر من مائة وأربعين مليوناً يعيشون في مصر والسودان.
إنّ الحل الوحيد لهذه المشكلة يكمن في القيام بعمل عسكري عاجل وحاسم يُنهي سيطرة إثيوبيا نهائياً ليس على موقع السد وحسب، بل على جميع منابع نهر النيل، لا سيما وأنّ الأراضي التي بُني عليها سد النهضة بالذات تعود في الأصل لقبائل بني شنقول العربية السودانية التي منحها الإنجليز لإثيوبيا عام 1902.
إنّ مثل هذا الحل يكون سهلا جدا لو وجدت القيادة المبدئية التي تستند في قراراتها إلى قوة الأمة وذاتية أمانها وسلطانها، وهو ما يفرض على أهل القوة في مصر والسودان وغيرهما من بلاد المسلمين العمل الجاد على إزالة هذه النخب العميلة الحاكمة التي رهنت مصائر شعوبها لقرارات تُملى عليها من الكافر المستعمر، وأن يحل محلها قيادة إسلامية مبدئية حقيقية تتصدى لكل المؤامرات الدولية فتحبطها، وتفرض على العالم بأسره حضوراً سياسياً إسلامياً فاعلاً ينتصف للمظلومين، ويحمل مشاعل الهدى للعالم.

الجمعة، 16 يوليو 2021

اردوغان يهنئ هيرتسوغ ويشيد بالعلاقات التركية مع كيان يهود

أردوغان يُهنئ هيرتسوغ ويُشيد بالعلاقات التركية مع كيان يهود

 

 

 

الخبر:

 

وجّه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاثنين 2021/07/12 التهنئة من خلال اتصال تليفوني إلى رئيس كيان يهود الجديد إسحاق هيرتسوغ بسبب توليه منصبه.

 

ووفقاً لما نقلته وكالة أنباء الأناضول التركية الرسمية قال أردوغان في الاتصال إنّ "العلاقات التركية (الإسرائيلية) لها أهمية كبيرة لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط". وأضاف أنّ "تركيا و(إسرائيل) لديهما إمكانات كبيرة في مختلف المجالات لا سيما في الطاقة والسياحة والتكنولوجيا"، وأكّد أردوغان أنّ "المجتمع الدولي ينشد الوصول إلى حل دائم وشامل على أساس حل دولتين للصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) في إطار قرارات الأمم المتحدة"، وتابع أنّ "أي خطوات إيجابية سيتم اتخاذها لحل الصراع الفلسطيني (الإسرائيلي) ستسهم أيضا في سير العلاقات التركية (الإسرائيلية) بمنحى إيجابي".

 

التعليق:

 

بكلمات قليلة قالها لرئيس كيان يهود الجديد عبّر أردوغان عن حقيقة مواقفه المُخزية من كيان يهود الغاصب لأرض فلسطين، فهو يرى أنّ العلاقات بين تركيا وكيان يهود لها أهمية كبيرة في إرساء الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، ذلك الأمن وذلك الاستقرار الذي يجمع الدولتين اللتين تملكان الإمكانات الكبيرة في مختلف المجالات كما قال، وهو فقط يُطالب كيان يهود بما يُطالبه به (المُجتمع الدولي) من إقامة دولتين على أساس القرارات الدولية التي ستسهم - بحسب رأيه - في سير العلاقات التركية مع كيان يهود بمنحى إيجابي!

 

فكل ما يهم أردوغان في هذا الموضوع هو العلاقات الثنائية الإيجابية بين البلدين المُتجاورين في الشرق الأوسط - والمُتقدّمين - وتحسنّها، ولا يهمّه إزالة الاحتلال، ولا إعادة الحقوق لأصحابها، فضلاً عن إزالة كيان يهود من الوجود.

 

فما الفرق إذاً بين موقفه وموقف أي دولة غربية كفرنسا أو بريطانيا أو حتى أمريكا من كيان يهود؟ إنّ مواقف جميع هذه الدول تؤكّد على القرارات الدولية نفسها التي تحفظ أمن كيان يهود.

 

فما يدّعيه أردوغان بأنّه مُدافع شرس عن الفلسطينيين ومُناوئ عنيد لكيان يهود ما هو إلا زعمُ كاذب كشفته هذه المُكالمة التليفونية، فلو كان جادّا في مواجهة كيان يهود فما عليه إلاّ أنْ يقطع العلاقات فوراً مع ذلك الكيان، ثمّ يقوم بالعمل الجاد على تطهير فلسطين من دنس يهود، فهو - كما يُزعم - وريث دولة الخلافة العثمانية التي كانت فلسطين وقتها جزءاً لا يتجزأ من أرضها وكيانها، وتركيا تُعد من أقوى الدول عسكرياً، وتستطيع لو أرادت أنْ تنهي كيان يهود بكل سهولة، لكنّ أردوغان كغيره من حكام المسلمين لا يملكون القيام بذلك لأنّهم يرهنون قراراتهم الاستراتيجية المُهمة لإرادة أمريكا وأعداء الإسلام من الكفار المستعمرين، فهو يُنسّق كل قراراته الخارجية مع الإدارة الأمريكية كما يفعل الآن في تنسيق قراراته مع إدارة بايدن فيما يتعلّق بالإشراف على مطار كابول في أفغانستان لمساعدة أمريكا في إخراج عملائها من أفغانستان خوفاً عليهم من حركة طالبان.

 

إنّ إبراق أردوغان التهنئة لرئيس كيان يهود لا يدل إلا على عمق العلاقة بينه وبين زعماء كيان يهود، وأمّا ما يُثيره من عواصف كلامية إعلامية ضد هذا الكيان فما هو إلا دغدغة مألوفة لمشاعر المسلمين والأتراك.

 

الجمعة، 9 يوليو 2021

السلطة الفلسطينية ترتكب جرائمها بغطاء أمريكي واضح

السلطة الفلسطينية ترتكب جرائمها بغطاء أمريكي واضح  

ما كانت السلطة الفلسطينية لترتكب جرائمها المتكرّرة بحق أهل فلسطين لولا ركونها إلى أمريكا وكيان يهود، ولولا معرفتها بأنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة مُستمرة في توفير غطاء سياسي كامل لجرائمها تلك.

وغطاء أمريكا لجرائم السلطة العديدة بحق أبناء فلسطين يشمل الجوانب المالية والأمنية والإعلامية، ولكن قبل أنْ نتحدّث عن تلك الجوانب الثلاثة دعونا نلقي نظرة سريعة على الواقع الأمني للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى اليوم.

فالسلطة الفلسطينية هي في الواقع سلطة أمنية بامتياز وليست سلطة سياسية، فهي لم تمتلك يوماً مشروعاً سياسياً واضحاً، بل هي تفتقر للحد الأدنى من الرؤية السياسية للقضية الفلسطينية، وهي لم تطرح منذ إنشائها أي مبادرة سياسية خاصة بها، وإنّما تكتفي بما تقرره لها أمريكا والمنظمات الدولية، وتدّعي أنّها تريد تطبيق القرارات الدولية، في الوقت الذي تلهث فيه وراء المفاوضات العبثية الخالية من أي هدفٍ سياسي.

وخلال قرابة العقدين من عمرها أثبتت السلطة بما لا يدع مجالاً للشك أنّها لم تكن على مستوى قضية فلسطين التي هي أعظم من أنْ تتولاها مثل هذه السلطة الخائنة العاجزة.

لقد بدأت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها بثلاثة آلاف عنصر أمني في العام 1994 ثمّ ما لبثت أنْ تضخمّت تلك الأعداد خلال سنوات فأصبحت ثلاثين ألفاً، واليوم يبلغ تعداد عناصرها ثلاثة وخمسين ألف عنصر يستهلكون 20% من ميزانية السلطة بواقع أكثر من مليار دولار سنوياً.

وللأجهزة الأمنية في السلطة تسميات وتشكيلات يصعب حصرها وعدّها، فالأمن الداخلي يشمل الشرطة والأمن الوقائي، والأمن الوطني يشمل الاستخبارات العسكرية والأمن الجوي والبحري، وأما الاستخبارات المدنية فجهاز مستقل، وهناك أمن رئاسي، ودفاع مدني، كما توجد قوة تنفيذية خاصة لحالات الطوارئ والعصيان.

وهذه المجموعات الأمنية الكثيرة مبالغ فيها، ولا تعكس الحجم الحقيقي الصغير للسلطة الفلسطينية، فهي تبدو وكأنّها أكبر حجماً من المؤسّسات الأمنية للدول المستقلة الكبيرة، لكنّ هذا التضخم سببه الوحيد ودافعه الرئيس هو القيام بمهمة مشاركة جيش كيان يهود في حماية المستوطنات اليهودية والدفاع عن أمن كيان يهود.

لقد وضع الجنرال الأمريكي كيث دايتون في العام 2005 عقيدة أمنية خاصة بعد تسلمه مهمة تدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية للسيطرة على الأمن في المناطق المحتلة بالتعاون مع قوات كيان يهود، وقوام هذه العقيدة حماية أمن كيان يهود من خلال التنسيق الأمني، والقضاء على المقاومين الفلسطينيين باعتقالهم وتسليمهم لكيان يهود، والتجسس على الفلسطينيين وضبط تحركاتهم، وربط وجود السلطة بحماية كيان يهود ومستوطنيها.

وأكد دايتون نفسه في محاضرة ألقاها في معهد دراسات الشرق الأدنى بتاريخ 7/5/2009 أنّه: "لا يقدّم للفلسطينيين شيئا إلا بعد التنسيق مع الإسرائيليين والحصول على موافقتهم".

وتتسابق الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية على تقديم الخدمات الأمنية لكيان يهود، وأظهر جهاز مخابرتها الذي يرأسه ماجد فرج تقدماً واضحاً في ذلك، ونال رضا أمريكا وكيان يهود بما يقوم به هذا الجهاز من أعمال تجسسية على أهل فلسطين لدرجة أن أصبح ماجد فرج من المرشحين لخلافة محمود عباس في رئاسة السلطة.

لكنّ جهاز الأمن الوقائي تفوق على المخابرات في مجال ملاحقة المطلوبين وقمع واعتقال الناشطين، وسجنهم وتعذيبهم، كما فعل مؤخراً مع الناشط نزار بنات.

ومعلوم أنّ لجهاز الأمن الوقائي ماضياً أسود في الأعمال الإجرامية والخيانية ضد أهل فلسطين أيام رئاسة محمد دحلان وجبريل الرجوب ورشيد أبو شباك له، وذلك من مثل تسليم معتقلي سجن بيتونيا وخلية صوريف لقوات الاحتلال، وتسليم قادة حماس والمساهمة في اغتيال بعضهم، ويترأس الجهاز اليوم زياد هب الريح وهو المسؤول عن غالبية أعمال القمع والتعذيب والقتل والاعتقال التي يتعرض لها الناشطون هذه الأيام.

على أنّ جرائم السلطة على مدى تاريخها تحظى دائماً بغطاء أمريكي دائم، وهو غطاء مالي وأمني وإعلامي متكامل؛ فمن ناحية مالية فإنّ أمريكا لم توقف مساعداتها المالية عن الأجهزة الأمنية للسلطة يوماً، فإدارة ترامب السابقة التي أوقفت مساعداتها للسلطة المتعلقة باللاجئين لم تتعرض للمساعدات المالية للأجهزة الأمنية، وهذا يدل على أنّ هذه الأجهزة هي استثمار أمريكي خالص.

وأمّا من ناحية أمنية فما زالت عقيدة دايتون الأمنية هي التي تتمسك بها هذه الأجهزة الأمنية، وما زالت أمريكا تشرف على تلك الأجهزة بشكلٍ مباشر وغير مباشر.

وأمّا من ناحية إعلامية فنجد الإعلام الأمريكي لا يأتي على ذكر جرائم السلطة ولو لِماماً، فمثلاً جريمة قتل نزار بنات التي ارتكبت جهاراً نهاراً لم تتم تغطيتها في الصحافة الأمريكية، ولا في أي وسيلة إعلام أمريكية أخرى، وكأنّها لم تحصل، مع أنّ أمريكا تتظاهر كثيراً بأنّها تُدافع عن حقوق الأفراد وعن حريات التعبير.

ولذلك كانت جرائم الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية مُغطاة بشكلٍ مـُتقن من خلال التعتيم الإعلامي الأمريكي عليها، ولو كانت هذه الجرائم تتعلق بأمريكيين أو غربيين أو يهود لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتمّ تشغيل شريط الإرهاب والأعمال الإرهابية زمناً طويلاً.

فما صدر عن أمريكا بحق جريمة قتل نزار بنات مجرد بيان خجول بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مثلا، وهي الوصفة الروتينية المعروفة للتغطية على الجريمة.

هذه هي سلطة دايتون الفلسطينية، وهذه هي أجهزتها الأمنية القمعية، وهذا هو الغطاء الأمريكي الدائم لجرائمها، والتي يجب على الشرفاء والمخلصين من أهل فلسطين التبرؤ منها براءة تامة، ولفظها لفظ النواة، والعمل مع حزب التحرير لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي تخلصهم والمسلمين منها ومن أنظمة الجبر كافة القائمة في بلاد المسلمين.

الخميس، 24 يونيو 2021

الاسلام هو الشرط الوحيد في الولاء والانتماء والهوية

الإسلام هو الشرط الوحيد في الولاء والانتماء والهُوية

تتنافس الكيانات الهزيلة التي أقامها الكافر المستعمر في بلاد المسلمين فيما بينها على اختراع مُكوّنات اصطناعية وهمية لتكوين هُوية مُزيّفة تتمايز بها تلك الكيانات عن بعضها بعضاً، فدول المغرب العربي على سبيل المثال تُقحم المكوّن الأمازيغي في الهُوية المغاربية، والعراق وسوريا تجعلان من المكوّن الكردي جزءاً من الهُوية لديهما، ومملكة آل سعود تبحث عن مُكونات تُراثية صحراوية بدوية لإضافتها إلى هُويتها العائلية الملكية السعودية، كسباقات الهجن، ومصر تبحث في التاريخ الفرعوني عن ملامج لهويتها، وتركيا تستجلب من أعماق التاريخ التركي أسطورة الذئب الأغبر ليصبح جزءاً من الهُوية التركية، وإندونيسيا وماليزيا تُدخلان عناصر إثنية هندوسية وبوذية إلى جانب القوميات المحلية الموجودة لديها لتشكيل ملامح الهُوية الممسوخة لديها...

وهكذا تسعى سائر تلك الكيانات الزائفة لإيجاد هُويات مُصطنعة لا علاقة لها بولاء الأمّة الإسلامي ولا بانتمائها العقائدي، وتُحاول الترويج لتلك المركبات الوهمية على أنّها رابطة وطنية تعتز بها مُجتمعات هذه الكيانات، لدرجة قد تصل معها إلى مُستوى التقديس.

إنّ الإسلام أبطل جميع الروابط العرقية والعشائرية والقومية بوصفها روابط عصبية جاهلية، وصهر الناس الذين يعيشون في داخل الدولة الإسلامية في بوتقة العقيدة الإسلامية صهراً عميقاً، وأحكم هُويتها الإسلامية إحكاماً تاماً من خلال الالتزام بمُركبات إسلامية مُنضبطة عدة تُوحّد ولاء وانتماء المجتمع الإسلامي المتميّز، وأبرز هذه المركبات:

1- الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله والعيش في دار الإسلام:

قال تعالى: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾، فمن قدّم رابطة الآباء والأبناء والعائلة والعشيرة (القوم) ورابطة المال (المصالح) ورابطة المساكن (الوطن)، على رابطة الإيمان بالله ورسوله والجهاد في سبيله (العقيدة) فقد تعرّض لسخط الله والتربص بالعذاب.

قال الطبري في تفسيره: "قل يا محمد للمُتخلفين عن الهجرة إلى دار الإسلام المُقيمين بدار الشرك إن كان المقام... أحب إليكم من الهجرة إلى الله ورسوله من دار الشرك...".

وفي ذلك تهديد صريح للمسلمين المتخلفين عن الانتقال للعيش في دار الهجرة وهي دار الإسلام، فالهجرة بمفهومها الشرعي هي الانتقال من دار الكفر إلى دار الإسلام وحكمها الوجوب إلا في حالات مُعينة، والعيش في أي بلد لا يكون دار إسلام تُطبق فيه أحكام الإسلام وأنظمته لا يجوز، إلا إذا كان يعمل على تحويله إلى دار إسلام.

2- التابعية والدستور والعلاقات الدولية والسلم والحرب يجب أن يكون أساسها الإسلام:

قرّر الرسول ﷺ هذه الأمور الجوهرية كأحكام شرعية في صحيفة المدينة والتي جاء فيها: «هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ النّبِيِّ، بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ قُرَيْشٍ وَيَثْرِبَ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ فَلَحِقَ بِهِمْ وَجَاهَدَ مَعَهُمْ، إنّهُمْ أُمّةٌ وَاحِدَةٌ مِنْ دُونِ النّاسِ، وَإِنّ ذِمّةَ اللّهِ وَاحِدَةٌ يُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَإِنّ الْمُؤْمِنِينَ بَعْضُهُمْ مَوَالِيَ بَعْضٍ دُونَ النّاسِ، وَإِنّ سِلْمَ الْمُؤْمِنِينَ وَاحِدَةٌ لَا يُسَالَمُ مُؤْمِنٌ دُونَ مُؤْمِنٍ فِي قِتَالٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ».

3- التكافؤ بين الدماء وحرمتها وضمان حقوق أهل الذمّة وتبعيتهم للمسلمين:

قال رسول الله ﷺ: «مَنْ أَخَفَرَ مُسْلِماً فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفاً وَلَا عَدْلاً» وقال: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»، وهذه الأحكام هي التي تصوغ مُجتمعاً مُتماسكاً مصون الدماء يضمن لكل من يعيش فيه الأمن والأمان.

4 – الوحدة والترابط والانصهار في الدولة مرجعها جميعاً أخُوّة الإسلام:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ وقال رسول الله ﷺ: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضاً وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ»، فالأخوة مبنية على أساس الإيمان والتقوى وليس على أي أساس آخر مهما كان.

5 – المودة والبغض والشدة والرحمة مقياسها دائماً الإيمان بالله واليوم الآخر واتباع الرسول ﷺ:

قال تعالى: ﴿لَّا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّه أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وقال سبحانه: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾.

6 – التناصر والتناصح والولاء شرطها جميعاً الإسلام:

قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾، وقال ﷺ: «مَا مِنْ امْرِئٍ يَخْذُلُ امْرَأً مُسْلِماً عِنْدَ مَوْطِنٍ تُنْتَهَكُ فِيهِ حُرْمَتُهُ وَيُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ إِلَّا خَذَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ، وَمَا مِنْ امْرِئٍ يَنْصُرُ امْرَأً مُسْلِماً فِي مَوْطِنٍ يُنْتَقَصُ فِيهِ مِنْ عِرْضِهِ وَيُنْتَهَكُ فِيهِ مِنْ حُرْمَتِهِ إِلَّا نَصَرَهُ اللَّهُ فِي مَوْطِنٍ يُحِبُّ فِيهِ نُصْرَتَهُ»، وقال ﷺ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟ قال: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

فالموالاة والنصرة والتناصح كلها مقترنة بالإيمان والإسلام والقرآن والجهاد.

فإذا كانت الرابطة والدار والجهاد والوحدة والدستور والعلاقات والذمة والحب والبغض والتناصر والولاء والدماء كلها مقرونة ومشروطة بالإيمان والإسلام فماذا بقي للروابط الأخرى؟!

الجواب لا شيء؛ فكل شيء في حياة المسلم مرتبط بالإسلام بوصفه عقيدة ونظام حياة، فالهُوية والولاء والانتماء بين المسلمين تُحدّده هذه المكونات الإسلامية، ولا قيمة لأي شيء آخر، بل لا مكان لغير الإسلام في حياة المسلمين، فلا قيمة للقومية والوطنية والمصلحية وما يُسمّى بالقيم الإنسانية، فكلها في الإسلام هباء منثور.

وأي طرح عن ولاء المسلم وهُويته وانتمائه يُدخل في ثناياه مرجعيات قومية أو وطنية أو وضعية فلا قيمة له، والإسلام هو الوحيد الذي يُشكّل الهُوية والولاء والانتماء، ولا تتشكّل هذه الهُوية تشكلاً صحيحاً وكاملاً من غير وجود دولة الإسلام دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة.

الأحد، 13 يونيو 2021

انتخابات الجزائر هدفها إنهاء الحراك الجماهيري تماما

انتخابات الجزائر هدفها إنهاء الحراك الجماهيري تماماً
الخبر:
أجريت يوم السبت الموافق 12 حزيران/يونيو 2021 في الجزائر انتخابات برلمانية لاختيار نواب مجلس الشعب ترشح فيها 1483 قائمة منها 646 قائمة حزبية و837 قائمة للمستقلين، وقاطع الانتخابات أنصار الحراك الشعبي، وأحزاب التكتل الديمقراطي المعارض وأهمها حزب العمال وحزب التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية وجبهة القوى الاشتراكية، بينما أيّدتها الأحزاب الموالية للحكومة والأحزاب المحسوبة على التيار الإسلامي وهي حركة مجتمع السلم وجبهة العدالة والتنمية وحركة البناء الوطني وحركة الإصلاح.
وأعلن رئيس السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات محمد شرفي أنّ نسبة المشاركة في هذه الانتخابات بلغت 30.2 بالمائة من الذين يحق لهم التصويت وعددهم 24 مليوناً.
وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنّه سيحترم نتائج هذه الانتخابات في تشكيل الحكومة القادمة، واعتبر أنّ الجزائر تسير في الطريق الصحيح، وأنّ نسبة المشاركة غير مهمة، وأنّ التصويت بحد ذاته يمنح الشرعية الكافية لأخذ زمام السلطة.
التعليق:
تأتي هذه الانتخابات ضمن سلسلة من الإجراءات التي تقوم بها الحكومة لإحباط الحراك الجماهيري الذي انطلق في مطلع العام 2019 وأدّى إلى الإطاحة بالرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، وقد انتخب عبد المجيد تبون خلفاً لبوتفليقة في نهاية العام 2019 في سياق إجراء انتخابات رئاسية مسرحية رفضها الحراك آنذاك.
وفي مطلع هذا العام 2021 قام تبون بحل المجلس التشريعي السابق تمهيداً لإجراء هذه الانتخابات التشريعية الجديدة على أمل اكتساب شرعية دستورية كاملة لنظام الحكم الذي أعاد إنتاج نفسه من خلال هذه الانتخابات ولكن بوجوه جديدة.
إنّ كثرة القوائم المُشاركة في هذه الانتخابات سواء الحزبية أم غير الحزبية، وكثرة المُرشحين فيها والذين زاد تعدادهم عن الاثنين وعشرين ألفاً الغرض منه تشتيت الأصوات وتفتيت القوى السياسية الكبيرة، وإيهام الناس بأنّ غالبية ممثلي الشعب قد اشتركوا فيها، وبالتالي فهي تمنح الفائزين الثقة به، وتكون الانتخابات بذلك تعبيراً حقيقياً عن إرادة الشعب، ويعتبر النظام بهذه الانتخابات التشريعية البديلة أنّه قد أسدل الستار على إرادة التغيير الشعبية الجادّة التي انطلقت من خلال الحراك الذي أسقط بوتفليقة.
لقد استغرقت إجراءات احتواء الحراك والاحتيال عليه عامين من الألاعيب الدستورية والقانونية المسماة (إصلاحية)، وتمكّن النظام بذلك من الحفاظ على بقائه في الحكم مُستخدماً أحزاباً وقوى (إسلامية) مُتعطشة للسلطة تمنحه الشرعية.
وكان على رأس هذه الأحزاب حركة مجتمع السلم المُنبثقة عن جماعة الإخوان المسلمين التي أسّسها الراحل محفوظ نحناح والتي يقودها اليوم عبد الرزّاق مقري، وجبهة العدالة والتنمية التي يقودها عبد الله جاب الله، وحركات أخرى أقل أهمية تابعة مباشرة للنظام.
وهذه هي الحركات نفسها التي كانت قد أسندت نظام بوتفليقة من قبل، وقال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بأنّه لا يُمانع من تسلم هذه الحركات رئاسة الحكومة إن هي فازت بالأغلبية، فإذا كان بوتفليقة يمنح هذه الحركات بعض الحقائب الوزارية في حكومته، فإنّ تبون أكثر كرماً معها فهو يريد أن يمنحها رئاسة الحكومة إن استلزم ذلك بهدف إنهاء الحراك الجماهيري.
إنّ هذه الحركات (الإسلامية) - وللأسف الشديد - لم تستوعب بعد أنّ الهدف من إشراكها في مثل هذه الحكومات هو إحباط الثورة ضد النظام، ومنع إسقاطه، والحيلولة دون تغيير الوضع السياسي في الجزائر تغييراً حقيقياً، فقبول هذه الحركات بأنْ تبقى أدوات رخيصة وصنائع يستخدمها النظام على مدى عشرات السنين لتجميل صورته القبيحة، لهو عار على هذه الحركات.
فمتى تُدرك هذه القيادات أنّها مُجرد ألعوبة لحكام عملاء يُحركهم الكافر المُستعمر؟!
كتبه لإذاعة المكتب الإعلامي المركزي لحزب التحرير
أحمد الخطواني

الأربعاء، 9 يونيو 2021

صمود غزة والاستثمار السياسي

صمود غزة ومخاطر الاستثمار السياسي 

إنّ صمود أهل غزة الباسل أمام العدوان الهمجي لدولة يهود لهو دليل واضح على قدرة المسلمين على خوض أعظم المُواجهات مع قوى الكفر والعُدوان في معارك أمتهم في المستقبل، لا سيما وأنّ هذا الصمود يتعلق بشريط ضيّقٍ من الأرض مُحاصر مُنذ سنوات من جيش دولة يهود المتخم بترسانة عسكرية متطورة، ومن نظام السيسي من جهة سيناء.

وهذا الصمود المتميز لغزة أفرز حقيقتين استراتيجيتين وهما:

1- هُزال وهشاشة كيان يهود، وإمكانية إلحاق الهزيمة المحققة المحدقة به.

2- حقيقة وجود قوة هائلة كامنة لدى المسلمين قادرة على التغلب على أعتى القوى بأقل الإمكانيات.

ونجاح القيادة العسكرية في قطاع غزة بالتصدي لجبروت وعجرفة القوة العسكرية لكيان يهود أوجب عليها القيام بأعمال سياسية مؤثّرة تتناسب مع حجم تلك الإنجازات المتحققة.

والاستثمار في الأعمال السياسية له شكلان:

1- استثمار في الدول والحكومات. 2- استثمار في الشعوب والتنظيمات.

وقد يصعب - إنْ لم يكن من المستحيل - الجمع بين ذينك الاستثمارين لوجود التناقض التام بينهما، ولتعذر الجمع بينهما بسبب وجود هُوة سحيقة تفصل بينهما.

فكل الدول والحكومات اليوم هي دول وحكومات معادية للإسلام وللشعوب الإسلامية، وجميع حكامها أجراء وعملاء وحلفاء للكافر المستعمر، ولا يوجد ميزة فضل لأحدهما على الآخر، فكلهم من الجنس نفسه ومن الطينة نفسها، ولا يُمكن الوثوق بأيٍ منهم.

فمصر ودول الخليج كتركيا وإيران وباكستان سواء بسواء في التآمر على قضايا المسلمين، ودول المُوالاة كدول الممانعة، ولا فرق بين قيادات هذه الدول في الخيانة والعمالة عن مثيلاتها بشيء سوى بالأسماء والشعارات.

ولذلك كان من أسوأ ما فعلته قيادة حماس لاستثمار استبسالها العسكري أنْ تكيل المدح لحكام دول ما يُسمّى بمحور الممانعة كإيران وسوريا التي ولغ جنودهما بدماء أهل سوريا، فذبحوا وعذّبوا الملايين، وهجّروا نصف أهل سوريا، ودمّروا البلاد على رؤوس أهلها.

وكان من أفدح الأخطاء التي وقعت فيها قيادة حماس الاستثمار السياسي الذي يتعلق بالتقرّب من السلطة الفلسطينية التي وقفت كتفاً إلى كتف بجانب الاحتلال في قمع المسيرات المؤيدة لغزة أثناء عدوان يهود عليها.

وقد كشف ناصر القدوة الذي فُصل من حركة فتح مؤخراً بأنّ وظيفة السلطة الفلسطينية لا تقتصر فقط على التنسيق الأمني مع كيان يهود، بل هي أكبر من التنسيق بكثير، فالكتائب الفلسطينية الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية تتلقى فعلياً تعليماتها مباشرة من جيش الاحتلال.

فالسلطة الفلسطينية من ناحيةٍ أمنية أصبحت تعني الاحتلال بكل معنى الكلمة، والتعامل معها يعني التعامل مع الاحتلال، لذلك كان واجباً على حماس أنْ تعمل على تقويض السلطة وإزالتها من الوجود لا التعامل معها، وإنّ خروج حماس من المعركة فائزة منحها فرصة ذهبية لإسقاط السلطة الفلسطينية التي هي الآن في أضعف حالاتها.

وأمّا تقرب حماس من المجتمع الدولي وأمريكا من خلال التصالح مع السلطة فهذا لن يُفيدها في شيء، بل هو مقتل لها، ربما يجرها إلى مستنقع المفاوضات مع كيان يهود في المستقبل، وتساؤل خالد مشعل: لماذا لا تتعامل أمريكا معنا كما تتعامل مع حركة طالبان؟ يُجاب عليه بأنّ أمريكا تعاملت مع طالبان من موقف الضعيف المضطر، وليس من موقف القوي المتغلب، فطالبان لم تعترف بسلطة الحكومة الأفغانية العميلة لأمريكا كما اعترفت حماس بسلطة محمود عباس، فلو أنّ حماس قاطعت السلطة الفلسطينية، ولم تعترف بها، وعملت على إلغاء وجودها، وإلغاء منظمة التحرير (التسليم والتفريط) الفلسطينية التي تنازلت عن ثمانين بالمائة من فلسطين ليهود من دون مُقابل، ولو أنّها تصدرت هي الموقف الفلسطيني، وأسّست كياناً سياسياً بديلاً عن كيان المنظمة، لو أنّها فعلت ذلك لاتصلت بها أمريكا واتصل بها المجتمع الدولي، ولكانت قد اضطرت أمريكا إلى مُفاوضتها وهي في موقف قوة كما فعلت مع حركة طالبان والتي كانت في موقف قوة.

ومع أنّ قبول حركة طالبان التفاوض مع أمريكا هو خطأ سياسي كبير، لكنّه لا يُقارن بخطأ حماس التي تصالحت مع سلطة عميلة، فأضعفها هذا التصالح وأهدر ما أنجزته من مكاسب.

وأمّا الخطأ الجسيم الثالث في الاستثمار السياسي لحركة حماس بعد جولة الحرب الأخيرة في قطاع غزة فيتمثّل في زيادة منسوب تعاونها مع نظام الطاغية السيسي الذي لا يؤمَن له جانب، والذي خبرته حماس بنفسها، كما خبرت غدره وجرائمه وخيانته، فقد باتت صور الطاغية السيسي للأسف تُرفع في شوارع غزة في هذه الأيام، وهو الذي ارتكب مذبحة رابعة بدمٍ بارد، وأطاح بحكم الإخوان في مصر، وما زال يجثم على صدور المصريين بكل جبروت وينكل بهم.

فهذه الأخطاء في الاستثمار السياسي سوف تُضعف حماس تدريجياً، وتُقوي حركة فتح والسلطة، وتجعل من السلطة العميلة في مستوى مُكافئ لحماس، مع أنّ الفرصة كانت مُواتية لحماس للتخلص منها نهائياً.

وبسبب هذه الأخطاء أيضاً تمّ تلميع الصورة القبيحة لبشار الأسد، وتمكين حكام إيران من زيادة نفوذهم وإجرامهم في بلاد الشام.

وبسبب هذه الأخطاء أخيراً فقد تمّ منح نظام السيسي غطاءً شرعياً لمد نفوذه في قطاع غزة، ولضخ إكسير الحياة في كيان دولته المتداعي.

إنّ الاستثمار السياسي الصحيح يجب أن ينحصر في الشعوب ولا يتعداها، وهو الاستثمار الوحيد الذي يبني القاعدة الشعبية الدائمة الحامية لمكتسبات الانتصار.