السلطة الفلسطينية ترتكب جرائمها بغطاء أمريكي واضح
ما كانت السلطة الفلسطينية لترتكب جرائمها المتكرّرة بحق أهل فلسطين لولا ركونها إلى أمريكا وكيان يهود، ولولا معرفتها بأنّ الإدارات الأمريكية المتعاقبة مُستمرة في توفير غطاء سياسي كامل لجرائمها تلك.
وغطاء أمريكا لجرائم السلطة العديدة بحق أبناء فلسطين يشمل الجوانب المالية والأمنية والإعلامية، ولكن قبل أنْ نتحدّث عن تلك الجوانب الثلاثة دعونا نلقي نظرة سريعة على الواقع الأمني للسلطة الفلسطينية منذ تأسيسها وحتى اليوم.
فالسلطة الفلسطينية هي في الواقع سلطة أمنية بامتياز وليست سلطة سياسية، فهي لم تمتلك يوماً مشروعاً سياسياً واضحاً، بل هي تفتقر للحد الأدنى من الرؤية السياسية للقضية الفلسطينية، وهي لم تطرح منذ إنشائها أي مبادرة سياسية خاصة بها، وإنّما تكتفي بما تقرره لها أمريكا والمنظمات الدولية، وتدّعي أنّها تريد تطبيق القرارات الدولية، في الوقت الذي تلهث فيه وراء المفاوضات العبثية الخالية من أي هدفٍ سياسي.
وخلال قرابة العقدين من عمرها أثبتت السلطة بما لا يدع مجالاً للشك أنّها لم تكن على مستوى قضية فلسطين التي هي أعظم من أنْ تتولاها مثل هذه السلطة الخائنة العاجزة.
لقد بدأت السلطة الفلسطينية منذ إنشائها بثلاثة آلاف عنصر أمني في العام 1994 ثمّ ما لبثت أنْ تضخمّت تلك الأعداد خلال سنوات فأصبحت ثلاثين ألفاً، واليوم يبلغ تعداد عناصرها ثلاثة وخمسين ألف عنصر يستهلكون 20% من ميزانية السلطة بواقع أكثر من مليار دولار سنوياً.
وللأجهزة الأمنية في السلطة تسميات وتشكيلات يصعب حصرها وعدّها، فالأمن الداخلي يشمل الشرطة والأمن الوقائي، والأمن الوطني يشمل الاستخبارات العسكرية والأمن الجوي والبحري، وأما الاستخبارات المدنية فجهاز مستقل، وهناك أمن رئاسي، ودفاع مدني، كما توجد قوة تنفيذية خاصة لحالات الطوارئ والعصيان.
وهذه المجموعات الأمنية الكثيرة مبالغ فيها، ولا تعكس الحجم الحقيقي الصغير للسلطة الفلسطينية، فهي تبدو وكأنّها أكبر حجماً من المؤسّسات الأمنية للدول المستقلة الكبيرة، لكنّ هذا التضخم سببه الوحيد ودافعه الرئيس هو القيام بمهمة مشاركة جيش كيان يهود في حماية المستوطنات اليهودية والدفاع عن أمن كيان يهود.
لقد وضع الجنرال الأمريكي كيث دايتون في العام 2005 عقيدة أمنية خاصة بعد تسلمه مهمة تدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية للسيطرة على الأمن في المناطق المحتلة بالتعاون مع قوات كيان يهود، وقوام هذه العقيدة حماية أمن كيان يهود من خلال التنسيق الأمني، والقضاء على المقاومين الفلسطينيين باعتقالهم وتسليمهم لكيان يهود، والتجسس على الفلسطينيين وضبط تحركاتهم، وربط وجود السلطة بحماية كيان يهود ومستوطنيها.
وأكد دايتون نفسه في محاضرة ألقاها في معهد دراسات الشرق الأدنى بتاريخ 7/5/2009 أنّه: "لا يقدّم للفلسطينيين شيئا إلا بعد التنسيق مع الإسرائيليين والحصول على موافقتهم".
وتتسابق الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية على تقديم الخدمات الأمنية لكيان يهود، وأظهر جهاز مخابرتها الذي يرأسه ماجد فرج تقدماً واضحاً في ذلك، ونال رضا أمريكا وكيان يهود بما يقوم به هذا الجهاز من أعمال تجسسية على أهل فلسطين لدرجة أن أصبح ماجد فرج من المرشحين لخلافة محمود عباس في رئاسة السلطة.
لكنّ جهاز الأمن الوقائي تفوق على المخابرات في مجال ملاحقة المطلوبين وقمع واعتقال الناشطين، وسجنهم وتعذيبهم، كما فعل مؤخراً مع الناشط نزار بنات.
ومعلوم أنّ لجهاز الأمن الوقائي ماضياً أسود في الأعمال الإجرامية والخيانية ضد أهل فلسطين أيام رئاسة محمد دحلان وجبريل الرجوب ورشيد أبو شباك له، وذلك من مثل تسليم معتقلي سجن بيتونيا وخلية صوريف لقوات الاحتلال، وتسليم قادة حماس والمساهمة في اغتيال بعضهم، ويترأس الجهاز اليوم زياد هب الريح وهو المسؤول عن غالبية أعمال القمع والتعذيب والقتل والاعتقال التي يتعرض لها الناشطون هذه الأيام.
على أنّ جرائم السلطة على مدى تاريخها تحظى دائماً بغطاء أمريكي دائم، وهو غطاء مالي وأمني وإعلامي متكامل؛ فمن ناحية مالية فإنّ أمريكا لم توقف مساعداتها المالية عن الأجهزة الأمنية للسلطة يوماً، فإدارة ترامب السابقة التي أوقفت مساعداتها للسلطة المتعلقة باللاجئين لم تتعرض للمساعدات المالية للأجهزة الأمنية، وهذا يدل على أنّ هذه الأجهزة هي استثمار أمريكي خالص.
وأمّا من ناحية أمنية فما زالت عقيدة دايتون الأمنية هي التي تتمسك بها هذه الأجهزة الأمنية، وما زالت أمريكا تشرف على تلك الأجهزة بشكلٍ مباشر وغير مباشر.
وأمّا من ناحية إعلامية فنجد الإعلام الأمريكي لا يأتي على ذكر جرائم السلطة ولو لِماماً، فمثلاً جريمة قتل نزار بنات التي ارتكبت جهاراً نهاراً لم تتم تغطيتها في الصحافة الأمريكية، ولا في أي وسيلة إعلام أمريكية أخرى، وكأنّها لم تحصل، مع أنّ أمريكا تتظاهر كثيراً بأنّها تُدافع عن حقوق الأفراد وعن حريات التعبير.
ولذلك كانت جرائم الأجهزة الأمنية في السلطة الفلسطينية مُغطاة بشكلٍ مـُتقن من خلال التعتيم الإعلامي الأمريكي عليها، ولو كانت هذه الجرائم تتعلق بأمريكيين أو غربيين أو يهود لقامت الدنيا ولم تقعد، ولتمّ تشغيل شريط الإرهاب والأعمال الإرهابية زمناً طويلاً.
فما صدر عن أمريكا بحق جريمة قتل نزار بنات مجرد بيان خجول بضرورة تشكيل لجنة تحقيق مثلا، وهي الوصفة الروتينية المعروفة للتغطية على الجريمة.
هذه هي سلطة دايتون الفلسطينية، وهذه هي أجهزتها الأمنية القمعية، وهذا هو الغطاء الأمريكي الدائم لجرائمها، والتي يجب على الشرفاء والمخلصين من أهل فلسطين التبرؤ منها براءة تامة، ولفظها لفظ النواة، والعمل مع حزب التحرير لإقامة الخلافة على منهاج النبوة، التي تخلصهم والمسلمين منها ومن أنظمة الجبر كافة القائمة في بلاد المسلمين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق