أسباب انهيار حزب العدالة والتنمية المغربي
أجريت في الثامن من أيلول/سبتمبر الجاري انتخابات برلمانية في المغرب كانت نتائجها كارثية ومُدمّرة على حزب العدالة والتنمية المغربي، الذي يعتبر نفسه حزباً إسلامياً أو حزباً ذا مرجعية إسلامية، فقد حصل على المركز الثامن والأخير في السباق التنافسي على مقاعد البرلمان المغربي، بعد أن كان يستحوذ على المركز الأول فيه، وبعد أنْ تولى رئاسة الحكومات المغربية المتعاقبة في السنوات العشر الماضية.
لقد سبقته في هذه الانتخابات جميع الأحزاب العلمانية واليسارية؛ فبعد أن كان يحوز في الانتخابات الماضية التي أجريت قبل خمس سنوات على مائة وخمسة وعشرين مقعداً حصل في هذه الانتخابات الأخيرة على اثني عشر مقعداً فقط من أصل ثلاثمائة وخمسة وتسعين مقعداً!
فلم تسبقه الأحزاب المغربية المعروفة كحزب التجمع الوطني وحزب الأصالة وحزب الاستقلال وحسب، بل سبقته أيضاً الأحزاب الصغيرة والمغمورة كالأحزاب الاشتراكية والاتحاد الدستوري، حتى إنّ رئيس حزب العدالة سعد الدين العثماني لم يتمكّن من نيل مقعده في الدائرة الانتخابية التي نافس فيها أمام مرشح شاب مغمور، فكان سقوط هذا الحزب في هذه الانتخابات صاعقاً ومُدوّياً، وكان تصويت الجمهور له عقابياً لدرجة لم يتوقعها أكثر المُراقبين.
تُرى ما هي أسباب هذا السقوط المفاجئ لهذا الحزب وهذا الانهيار المدوي له؟
يُمكن حصر أسباب هذا السقوط بسببين اثنين لا ثالث لهما، وهما:
1- الابتعاد عن الإسلام.
2- التزلف للملك.
وما يُقال عن أسباب أخرى كثيرة لهذا السقوط سوى هذين السببين فإنّه بالتدقيق فيها نجدها كلها تندرج تحت هذين السببين، أو هي نتائج ومظاهر لهما، وأهم هذه الأسباب المتولّدة عنهما أربعة أسباب فرعية كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر هذا الحزب وهي:
1- اتباع الحزب لنظام اقتصادي ليبرالي متوحش يعتمد على أسوأ فاعلين وهما: الخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية، فحتى توظيف المعلمين أصبح يدخل ضمن نظام التعاقد الخاص وليس مع الدولة، وأمّا رفع الدعم فاشتمل على رفعه عن المحروقات بشكل خاص مما أثار غضب طبقات واسعة من الجماهير.
2- إقرار الحزب لقانون فرنسة التعليم: حيث تم تمرير قانون جعل اللغة الفرنسية لغة للتعليم بدلاً من اللغة العربية ما أثار حنق الناس الذين يشتمّون رائحة الهيمنة الاستعمارية الغربية والفرنسية حتى على حساب لغة القرآن الكريم.
3- موافقة الحزب على تمرير اتفاق التطبيع مع كيان يهود وهو ما جعل حزب العدالة يسقط أمام عيون ناخبيه الذين كانوا لا يتوقعون منه مجرد السكوت عن التطبيع ناهيك عن القبول به وتمريره في البرلمان.
4- تمرير الحزب لقانون تقنين القنّب: وهو ما يعني القبول بانتشار الحشيش بين العوام.
فهذه الأسباب الأربعة الفرعية هي أبرز الأسباب التي أبعدت الحزب كثيراً عن (مرجعيته الإسلامية) وجعلته يظهر أمام الناس بمظهر الحزب العلماني المناقض في كل مسلكياته لأسس الإسلام وأحكامه.
كما وأظهرت الحزب أمام جمهوره بأنّه مجرد أداة رخيصة يستخدمها الملك متى شاء لتمرير سياساته المعادية للإسلام والمُوالية للغرب.
فحزب العدالة الذي تهرّب من الالتزام بالإسلام تحت شعارات العدالة والتنمية لم يستطع بشعاراته الجوفاء هذه أنْ يحقق في سنيّ حكمه العشر أي شيء من العدالة والتنمية، حيث في فترة حكمه ازداد الفقراء فقراً والأغنياء غنىً، وغلت الأسعار، وارتفعت نسبة البطالة، وتفاقمت الأوضاع الاقتصادية، وتمكنّ الكفار من إدخال ثقافتهم ولغتهم لكي تزعزع ثقافة الأمة وأحكامها الشرعية، وتشكك في حضارتها ومقاييسها وقيمها.
إنّ سقوط هذا الحزب ليس مجرد سقوط لحزب بعينه، بل هو سقوط لنموذج من الأحزاب شاع في الأمّة في زمن الانحطاط، فهذا السقوط هو سقوط لفكرة الحزب ذاتها، ولرؤيته التي تقوم على أساس التقرب من الحكام الطواغيت، والتزلف لهم لقاء بعض المناصب والمنافع الشخصية والحزبية الضيقة.
إنّه سقوط لفكرة التغيير الترقيعي التي ظنّ أصحابها أنّها هي البديل عن التغيير الشمولي.
إنّه سقوط لفكرة استخدام الأحزاب المحسوبة على الإسلاميين في تثبيت الأنظمة الطاغوتية بعد أنْ انكشف سر استخدامها، والذي دلّ عليه كونها جيء بها إلى الحكم بعد اندلاع الثورات العربية من أجل ركوب موجة الثورات والالتفاف عليها.
إنّه سقوط لفكرة التدرج في تطبيق الإسلام، وإنّ تطبيق الإسلام لا يصح معه إلا أنْ يكون كاملاً انقلابياً وجذرياً.
إنّه سقوط لفكرة التوفيق بين الإسلام وبين الحضارة الغربية أو بين الوحي والوضع، أو بين الشرع والعقل.
إنّ الأصل في التغيير أنْ يُبدأ به في النظام برأسه وأساسه، لا أنْ يحافظ عليه ويدافع عنه، فقد وصل الحال البائس بحزب العدالة أنْ اعتبر الملك هو أساس الاستقرار في المغرب بدلاً من أنْ يعتبر الإسلام أساساً له!
لقد حان الأوان لهذا الحزب وأمثاله كحزب النهضة أنْ تختفيَ من الخريطة السياسية تماماً، لأنّها قدّمت أسوأ النماذج في الدفاع عن الطواغيت تحت شعارات كاذبة تتلفح بالحرية والعدالة والتنمية!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق