الأربعاء، 18 مايو 2022

حمل الدعوة سياج حامي للمسلمين

حمل الدعوة سياج حامي للمسلمين

حمل الدعوة هو من أجلّ الأعمال وأعظمها، وهو فرض على كل مسلم، وبه تقام الدولة الإسلامية وتصان وتحفظ، وهي عمل يقوم به الفرد والحزب والدولة، لذلك كان لزاماً على المسلمين أنْ يجعلوا الدعوة مركزاً تدور حوله مصالحهم، وأن يجعلوها هدفاً دائماً، وغايةً مستدامة تلازمهم طوال حياتهم، فلا يكلوا ولا يملوا ولا يتكاسلوا في تحمل أعبائها وتبعاتها.

أخرج الترمذي والطبراني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنّه قال: «نَضَّرَ اللَّهُ عَبْداً سَمِعَ مَقَالَتِي، فَحَفِظَهَا وَوَعَاهَا وَأَدَّاهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرُ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»، فالله سبحانه يلقي النضارة والإشراق على وجه المسلم الذي يسمع الوحي من كتاب وسنة فيحفظه ويعيه ويبلغه إلى الناس، فالتبليغ وحمل الإسلام هو ثمرة التلقي والوعي، فلا تبقى المعلومات الشرعية التي يتلقاها المسلم حبيسة بداخله، بل الواجب عليه نقلها ونشرها بين الناس، وهذا هو معنى حمل الدعوة وإيصالها للناس.

ويكمل الرسول ﷺ هذا الحديث الذي خطب به الناس في مسجد الخيف بمنى فيقول: «ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ (من الخيانة) - أو يَغِلُّ (من الحقد) - عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: إِخْلاصُ الْعَمَلِ لِلَّهِ، والنَّصِيحَةُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ، فَإِنَّ دَعْوَتَهُمْ تُحِيطُ مِنْ وَرَائِهِمْ»، وروى أنس هذا الحديث بصيغة «وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ، وَلُزُومُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ»، ورواه جابر بصيغة: «وَمُنَاصَحَةُ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ»، ورواه أبو سعيد الخدري بصيغة: «وَالْمُنَاصَحَةُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَلُزُومُ جَمَاعَتِهِمْ».

ويؤكد معنى المناصحة الحديث الذي رواه مسلم وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة وغيره أنّ الرسول ﷺ قال: «إِنَّمَا الدِّينُ النَّصِيحَةُ». قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».

فالحديث النبوي الشريف: «ثَلاثٌ لَا يُغِلُّ عَلَيْهِنَّ قَلْبُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» يُحدّد ثلاث صفات يجب أنْ يتصف بها المسلم في مضمار الدعوة، فإنْ وُجدت عنده فهي مدعاة لنفي الخيانة والحقد وكل مشتقاتهما من قلبه، فلا تجتمع هذه الصفات مع الخيانة والغش والحقد.

فالأولى: وهي إخلاص العمل لله شرط للثانية والثالثة.

والثانية: هي محاسبة الحكام بأمرهم ونهيهم ونصيحتهم وكفاحهم إن ضلوا، ويُفهم من ذلك أنّ حمل الدعوة يجب أن يشمل الحكام، بمعنى أن يأخذ الشكل السياسي.

والثالثة: لزوم جماعة المسلمين، وتعني الدولة الإسلامية، فجماعة المسلمين هي المسلمون الذين بايعوا إماماً بيعةً صحيحة، أي هي مؤلفة من ثلاثة أركان: مسلمون وبيعة وإمام.

فلزوم الجماعة بهذا المعنى هو لزوم الدولة الإسلامية (الخلافة)، وهذا اللزوم من أهم فروض الإسلام وأعظمها، هذا إن كانت موجودة، وأمّا إن كانت غير موجودة، فيجب العمل لإيجادها من أجل لزومها وذلك من باب القاعدة الشرعية (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب).

واعتبر الرسول ﷺ في آخر الحديث أنّ دعوة المسلمين حكاماً ومحكومين ومناصحتهم ومحاسبتهم ولزوم جماعتهم ودولتهم تحيط من ورائهم كما يحيط السياج الحامي بهم ليحميهم ويمنعهم.

ويُفهم من هذا الحديث الشريف أنّ حمل الدعوة يجب أن يشمل الحكام كما يشمل المحكومين، فإن اقتصر حملة الدعوة على الناس العاديين فقط فلا تتصف الدعوة عندها بالإحاطة من ورائهم، وكذلك إذا خلت الدعوة من ذكر جماعة المسلمين ودولتهم، ولزومها إن كانت موجودة، والعمل على إيجادها إن كانت غير موجودة، فإن خلت الدعوة من هذه الصفة فلا تتصف أيضا بالإحاطة.

ومن هنا كان من الضروري تذكير جميع العاملين في حقل الدعوة أنّ عملهم يكون ناقصاً إنْ هو خلا من ذكر الدولة ولزومها، أو من ذكر الإمام ومبايعته.

فإن قام البعض بالدعوة من دون التعرض للحكام ومن دون محاسبتهم، فليعلموا أنّ عملهم هذا مخالف للشروط الشرعية، وكذلك إنْ لم يذكروا في دعوتهم لزوم الجماعة، وإبراء #البيعة التي في أعناقهم لإمام، فعملهم أيضاً يكون مخالفا للشروط.

وفي هذا الزمان الذي نعيش، وفي ظل غياب #الخلافة، فإن الدعوة يجب أنْ تتركّز على العمل لاستئناف الحياة الإسلامية وذلك بإقامة الخلافة الإسلامية لتطبيق أحكام الشرع تطبيقا كاملا على الناس، وحمل دعوة الإسلام إلى العالم.

السبت، 14 مايو 2022

سلطة التنسيق الأمني الفلسطينية شريكة مع الاحتلال في كل جرائمه

بسم الله الرحمن الرحيم
*#خبر_وتعليق: سلطة #التنسيق_الأمني الفلسطينية شريكة مع #الاحتلال في كل جرائمه*
- كتبه: الأستاذ أحمد الخطواني
______________
https://chat.whatsapp.com/EtsVpqL3t7b7yAm8uJMUvC

*#الخبر:* 

قال رئيس سلطة #أوسلو في رام الله: "نرفض التحقيق المشترك مع السلطات (الإسرائيلية) لأنها هي من قتل شيرين" وأضاف: "يجب ألا تمر جريمة قتل #شيرين_أبو_عاقلة من دون عقاب، وإنها قد ضحت بحياتها دفاعا عن وطنها وشعبها، وسنذهب بقضية أبو عاقلة إلى محكمة الجنايات الدولية".

*#التعليق:* 

نقل موقع عرب 48 عن مصادر عبرية أنّه خلال اجتماع رئيس السلطة #محمود_عباس مع وزير حرب كيان يهود بيني غانتس في منزله برأس العين قال محمود عباس: "إنّه يدرك أنّه خلال ولاية نفتالي بينيت لن يكون هناك اختراق سياسي"، وأعرب عن تفهمه: "للوضع السياسي المعقد في (إسرائيل)" واكتفى بطلب: "إجراءات لبناء الثقة حالياً"، وقال: "حتى لو ألصقوا مسدساً برأسي فلن أغيّر موقفي الرافض للإرهاب و #العنف والمؤيد لاستمرار التنسيق الأمني".

ولمحمود عباس سوابق كثيرة في إهدار فرص مُحاكمة كيان يهود على جرائمه، فقد سحبت سلطته مرات عديدة الدعاوى المقدمة إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مقابل قيام كيان يهود بتقديم بوادر سياسية جدية كما سمّاها، وسحب قبل ذلك الدعوى المشهورة لمحاكمة دولة يهود بسبب بنائها لجدار الفصل العنصري، فعباس هذا متخصص في تضييع فرص محاكمة دولة يهود على جرائمها زاعماً أنّه يفعل ذلك مقابل وعود من كيان يهود لتحسين شروط التفاوض مع سلطته.

والحقيقة أنّ عباس لا يستطيع تقديم أي دعاوى جرائم ترتكبها دولة يهود في المحاكم الدولية لأنّه شريك لها في تلك الجرائم، وذلك من خلال التعاون الأمني التام معها فيها، فالذي ينسق أمنيا، ويبلغ عن المطلوبين، هو شريك في جريمة قتلهم، فلا يُتوقع أن يشكو عليهم، لأنّه إنْ فعل ذلك فيكون كمن يشكو على نفسه.

واليهود يعرفون ذلك جيداً، لذلك نراهم لا يلقون بالاً لتهديدات السلطة الجوفاء بتقديم الشكاوى ضدهم في المحاكم الدولية، يقول المحلل اليهودي روني شكيد: "سلطة عباس أضعف من أن ترفع قضية مقتل الصحفية شيرين أبو عاقلة أمام #المحاكم الدولية، لأنّ التنسيق الأمني يجعل السلطة شريكة في كافة الأعمال العسكرية التي يقوم بها الجيش في كافة المناطق الفلسطينية، حتى في اجتياح جنين الذي قتلت فيه أبو عاقلة كان بالتنسيق ومساعدة الأجهزة الأمنية الفلسطينية"، فكل جريمة ترتكبها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، فإن #السلطة_الفلسطينية عملياً هي شريكة معها فيها.

الجمعة، 6 مايو 2022

الذين خلطوا الدين بالعلم لا هم أخذوا بالدين ولا أخذوا بالعلم

الذين خلطوا الدين بالعلم لا هم أخذوا بالدين ولا أخذوا بالعلم

برزت مسألة خلط الدين بالعلم في هذه الأيام في موضوع اثبات بداية شهر رمضان وبداية شهر شوال بروزاً واضحاً، وما أكسب هذا البروز هو تلك الأهمّية التي يترتب عليها ثبوت أحكام الصوم والفطر وتأثير هذه الأحكام على عامة المسلمين.
 وشمّر بعض الشيوخ الحاقدين على حزب التحرير عن سواعدهم، وراحوا ينفثون سمومهم اتجاه الحزب مُحاولين تخطئته في آرائه الواضحة بخصوص الموضوع، بقصد النيل منه والتشويش عليه، وشاركهم في عداوتهم للحزب بعض الشيوخ الجهلة الذين يُردّدون كلام معلميهم الحاقدين لظنّهم أنّهم علماء مُقتدرين، وتبعهم في ذلك بعض العامة من أنصاف المُثقفين والمُتعلمين المُتفيقهين الذين يخوضون في ما لا يعرفون، ويحشرون أنوفهم فيما لا يعلمون، ويتبعون كل ناعق يهرف بما لا يعرف، ويهذي بما لا يعني، يفعلون ذلك كله لا لشيء إلا ليحجزوا لهم مكاناً قذراً في قائمة أذناب الحكام العملاء بقصد الشهرة والتصدر والرياء.
وقبل الخوض في موضوع الخلط بين الدين والعلم في هذه المسألة، لا بُد من معرفة أنّ العلم المقصود به هنا هو علم الفلك وحساباته وعلم الفيزياء، وليس العلم الشرعي.
لنأخذ أولاً الأحاديث النبوية الشريفة الخاصة بهذا الموضوع ونفهمها فهماً تشريعياً صحيحاً:
- قال صلى الله عليه وسلم قال: " لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه فإن أغمي عليكم فاقدروا له " .  (مسلم)
-  قال :" إنّما الشهر تسع وعشرون فلا تصوموا حتى تروه ولا تفطروا حتى تروه فإن غُمّ عليكم فاقدروا له " . (مسلم)
- قال صلى الله عليه وسلم : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غمي عليكم الشهر فعدوا ثلاثين" . ( مسلم )
- قال صللا الله عليه وسلم : " 
-  " إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا - يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين - " ( البخاري )
هذه أبرز الأحاديث التي تناولت مسألة علامات الصوم والفطر، فلاحظوا أنّها ركّزت فقط على الرؤية الحقيقية بالعين، فالألفاظ التي استخدمت فيها: تروا الهلال، تروه، لرؤيته، وكلها تُشير إلى الرؤية البصرية، ولا يوجد فيها أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد تدل على جواز استخدام الوسائل العلمية في الرؤية، كما لا يوجد فيها ما يدل على استخدام الحساب الفلكي في معرفة دخول شهر رمضان وشهر شوال.
بل إنّ حديث " إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب " تأكيد على عدم استخدام الحساب الفلكي في هذا الموضوع والاكتفاء فقط بالرؤية البصرية.
فمن أين يأتي الشيوخ ومن يُسمون بالعلماء المتطورين بموضوع الحسابات الفلكية؟ فالأحاديث لا يوجد فيها أي دليل يدل على اقحام الفلك بالموضوع، بل هي أصلاً تمنع استخدامه وذلك من خلال التأكيد على فكرة " إنّا أمّة أمّيّة لا نكتب ولا نحسب ".
وكل العلماء المُعتبرين، وأصحاب المذاهب الأربعة لم يأتوا على ذكر الحساب الفلكي في شرحهم للأحاديث وفي استنباطهم الأحكام منها، فحشر علم الفلك بالرؤية هو أمرٌ مُحدثٌ مُبتدع ٌ لا أصل له.
ثمّ إنّ أهم ما في هذه الأحاديث هو خطاب الوضع، وهو الذي يجعل الخطاب التكليفي في وضع مُعيّن، وبالذات في وضع السبب، فالله سبحانه جعل الرؤية سبباً في إثبات الحكم، أي في وجوده، أي جعلها علامة عليه، أو مُعرّفاً له، فإذا عدم السبب عدم الحكم واذا وجد السبب وجد الحكم، ومعنى ذلك أنّ وجود الرؤية تدل على وجود الحكم وانعدامها يدل على انعدام الحكم.
فلو شرح شيوخ السلاطين للناس مفهوم الرؤية بهذه الطريقة البسيطة لقطعوا الطريق على المُشوّشين، وعلى الذين يخلطون الأحكام بعلم الفلك والحسابات غير المطلوبة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم سهّل لنا الموضوع، وبسّطه، ورفع عنّا مشقة التعمق بعلوم الفلك والفيزياء، وطلب منّا فقط الرؤية، وجعلها وحدها المُعرّف لوجود الحكم، لكنّ هؤلاء يأبون إلا أن يُعقّدوا لنا ديننا، ويشقّوا علينا أحكام الشرع علينا مع أنّها بسيطة وسهلة وواضحة.
لقد تحوّل الكثير من المفتين في وزارات الأوقاف في بلاد المسلمين إلى علماء فلك، أو إلى شركاء لعلماء الفلك، فصاروا يستدلون بنتائج مراصد الفلك أكثر ممّا يستدلون بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهناك شيوخ آخرون عقّدوا الموضوع أكثر وطالبوا بدرج الموضوع ضمن دائرة القضاء، فهذا شيخ سلفي يريد مجلس افتاء وقاضي شرعي وكأنّ المسألة مسألة خصومة واجتهاد، ولا يكلّف نفسه عناء قراءة شرح الأحاديث وبيانها للناس، وبيان مفهوم السبب وخطاب الوضع منها.
وهذا شيخ آخر لا يثق بالشهود من الأقطار الاسلامية البعيدة تنطعاً ومن دون سبب وجيه، ويدّعي أنّ كل شعب مُضطر للأخذ بدار الفتوى في بلده حتى ولو أنّه لا يثق بحكومة بلده.
فانظروا إلى هذا المنطق الأعوج، يدَعون الأخذ بالشهود المسلمين العدول، ويأخذون بدار الفتوى التابعة للحكام الجواسيس.
وامّا أنصاف المُثقفين والمُتفيهقين فيدلون بدلوهم الفارغ ويقولون بأنّهم لا يرضون بأنْ يُسلّموا عقولهم إلا لأهل العلم والاختصاص، ظانّين – جهلاً وحمقاً – أنّ علماء الفلك هم الذين يحسمون مثل هذه المسائل، علماً بأنّ هؤلاء الفلكيين غالباً ما يُصدرون أحكاماً تتصادم مع الرؤية الصريحة والواضحة، وفي دراسة سعودية شاملة لستين عاما على رصد الأهلة أكّدت أنّ حوالي ثلثي حالات الرصد الفلكي كانت تقول باستحالة الرؤية بينما الشهود يرون بأمّ أعينهم الأهلة، فيؤخذ برؤية الشهود ويُهمل الفلك.
فأي علمٍ وأي فلكٍ هذا الذي ينفي ما هو مُشاهد عياناً؟ فبئس هذا العلم وبئست تلك المعرفة.
ثمّ ما قيمة أنْ نثق بنتائج المراصد الفلكية ونترك أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، فإنْ فعلنا ذلك نكون قد تركنا أحاديث نبيّنا وأخذنا بظنون الفلكيين المضطربة.
على أنّ هؤلاء المُتشدّقين بالفلك هم في الواقع جبناء لا يأخذون إلا برأي حكوماتهم الباطلة، فما تقوله مجالس افتاءات حكوماتهم ووزارات أوقافهم يلتزمون بها من دون اي اعتراض، فهم جبناء جهلاء لا يخرجون عن سياط جلاديهم وبساطيرحكامهم .
إنّ أمثال هؤلاء الشيوخ وهؤلاء المُهرطقون من أذناب الحكام العملاء لم يأخذوا بالأحكام الشرعية، ولم يأخذوا بما يسمّونه علماً، فهم استسلموا لتعليمات حكوماتهم الساقطة التي تُصدر أحكاماً متناقضة تختلف مع بعضها البعض، لا لشيء إلا لإضعاف هيبة رمضان الكريم، ولمنع توحيد المسلمين حتى في العبادات.
احمد الخطواني 04 – 05 - 2022

السبت، 16 أبريل 2022

السعودية تتنصل من ارثها الوهابي

السعودية تتنصل من إرثها الوهابي
 
تقوم السعودية بالتنصّل من إرثها الوهابي بخطوات مُمنهجة ومُتسارعة كان آخرها إعلان الملك سلمان عن يوم 22 شباط – فبراير – من كل سنة يوماً لتأسيس الدولة السعودية، واعتباره إجازة رسمية تحتفل الدولة فيه بذكرى تأسيسها سنوياً، وذلك باعتبار انّ محمد بن سعود قد أعلن عن تأسيس الدولة السعودية بتاريخ 22 – 02 – 1727 ميلادي.
وكانت السعودية في السابق لا تعتبر هذا التاريخ هو تاريخ التأسيس، بل كانت تعتبر تاريخ تأسيسها الحقيقي يعود إلى العام 1745 وليس إلى العام 1727، ففي العام 1745  تمّ الاتفاق التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب على تأسيس الدولة، والفرق بين التاريخ الاول والثاني ثمانية عشر عاماً.
ففي العام 1727 كانت إمارة آل سعود صغيرة وضعيفة وغير قادرة على البقاء، وظلّت كذلك إلى أنْ  انضم محمد عبد الوهاب إلى محمد بن سعود في العام 1745 فأعطاها الزخم، وتوسّعت الدولة، وتمدّدت وترسّخت، وتمّ إرساء قواعدها المبنيّة على أساس المذهب الوهابي، فنالت بذلك ثقة المُستعمر الانجليزي الذي دعمها بقوة ضدّ الخلافة الاسلامية العثمانية، ووضع كل ثقله خلفها لتكون هذه الدولة السعودية الوليدة – فيما بعد – هي قاعدة السياسة البريطانية في المنطقة، ولتتحوّل إلى خنجر مسموم تستخدمه بريطانيا لتطعن به قلب الأمّة الاسلامية، ولتقود أكبر عملية انفصالية عن الدولة العثمانية.
هكذا إذاً تمّت ولادة الدولة السعودية الاولى وذلك بتقاسم السلطة بين الأمير والشيخ، فالحكم والسياسة والحرب للأمير، والدين والفتوى والعبادة للشيخ، فالأول ولي الأمر والثاني يمنحه الشرعية والطاعة الواجبة مُقابل احتكار المنصب الديني، وبذلك أصبح أبناء آل سعود هم الحكام، وأصبح أبناء آل الشيخ هم المشرعنون، وتأسّست الدولة على هذا الأساس، واستمرت كذلك لأكثر من قرنين من الزمان، وامتدت على هذا المنوال حتى هذه الأيام.
لكنّ السعودية اليوم بدأت تتجاهل هذا الاتفاق وتتنصل منه، وأصبحت تُغيّر الاسس التي بُنيت عليها الدولة منذ اكثر من مائتي سنة، فتتجاهل الاتفاق التاريخي بين ابن سعود وابن عبد الوهاب، وأصبحت تفصل الصفة الوهابية عن الدولة، وتُقدّم نفسها على أنّها دولة علمانية بستار وذريعة الدولة المدنية، وهذا هو السبب الراجح في اختيار تاريخ 1727 كذكرى تأسيس، والتخلي عن تاريخ 1745 والذي هو الذكرى الحقيقية له.
 يقول تركي الحمد أحد أبواق النظام:" إنّ تحديد يوم 22 شباط من كل عام لذكرى تأسيس الدولة باسم يوم التأسيس بدلاً من يوم الاتفاق التاريخي بين الأمير والشيخ إنّما هو للتأكيد على مدنية الدولة في جذورها الأولى، إذ قد جاء الشيخ إلى الدرعية مستنصرا وليس داعما أو مؤسّساً" ، وهذا الكلام الذي يتفوه به أبواق النظام فيه تزوير واضح للتاريخ لأنّ ابن عبد الوهاب لم يكن مستنصرا بل كان مؤسّساً وشريكاً لابن سعود.
ويُشبّه تركي الحمد الحركة الوهابية بالحركة المسيحية التاريخية فيقول: " كانت حركة عبد الوهاب التطّهرية الوهّابية أيديولوجية دينية ساعدت الدولة السعودية الاولى في التوسع بلا شك، وبعد ذلك انتهت مُهمّتها التاريخية مثل ما انتهت التطّهريّة المسيحية في بريطانيا وأمريكا حين التأسيس، واليوم انتهت هذه الضرورة وأصبحت جزءاً من التاريخ".
وكلام تركي الحمد هذا يدل بشكل قاطع على تنكر السعودية لدور ابن عبد الوهاب في تأسيس الدولة، ويدل على تعمّد  تحجيم دور الوهابية في بناء الدولة، ويدل كذلك على مُحاولة تفكيك الإرث التاريخي الذي يجمع بين مملكة آل سعود وبين الوهابية.
ومن الخطوات المُتسارعة الاخرى التي تخطوها السعودية في هذا الاتجاه التحضير لتغيير العلم السعودي وإزالة عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله من صفحته، والاستبدال بها عبارة المملكة العربية السعودية، إلا أنّ حكام السعودية عندما وجدوا استنكاراً شعبياً كبيراً ضد هذه الخطوة التي طرحها ما يُسمّى بمجلس الشورى السعودي، تراجعوا مؤقتاً عنها، وتراجعت حكومتهم عن هذه الخطوة مؤقتاً ريثما تتهيّأ الأجواء.
إنّ هذه المناسبات السعودية المخترعة مثل يوم التأسيس الذي شُرع حديثاً، واليوم الوطني الذي شُرّع من قبل، تُساهم في فضح الدور السعودي المُتآمر على الأمّة، ويكشف مدى عداء السعودية للاسلام، ويُشعل في نفوس أبناء نجد والحجاز الثورة ضد حكام آل سعود الذين تورّطوا حتى النخاع في الخيانة.

الغزو الروسي لاوكرانيا وموقف أمريكا منه

الغزو الروسي لأوكرانيا وموقف أمريكا 


ترى القيادة الروسية أنّ الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا هو ضرورة جيوسياسية مُلحّة لم تستطع روسيا تحقيقها بالوسائل السلمية والدبلوماسية، لذلك اضطرت إلى اللجوء للخيار العسكري لتأمين احتياجاتها الأمنية التي تعرضّت للتخلخل من جهة أوكرانيا.

ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضع في أوكرانيا بأنّه بات يُشكّل تهديداً وجودياً على روسيا نفسها، وأنّه لا بُدّ من اتخاذ إجراء الحياة أو الموت للحفاظ على مصالح روسيا الحيوية في المنطقة، ووصفت وسائل الإعلام الروسية حكام أوكرانيا الحاليين بأنهم من الموالين لأمريكا والغرب، وبأنهم نازيون جدد يسعون لامتلاك الأسلحة النووية، ويُريدون نشر الصواريخ الأمريكية الباليستية في أوكرانيا، وتهديد الأراضي الروسية والمدن الروسية ومنها موسكو، واعتبر بوتين أن روسيا إن لم تَغزُ أوكرانيا الآن فإنها ستُدَمّر في المستقبل، وأنّ عبث أوكرانيا بأمن روسيا هو خط أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه.

إنّ أوكرانيا في الواقع هي لصيقة بروسيا جغرافياً وديموغرافياً، وهي حاجز فاصل بين روسيا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، وإنّ سقوط أوكرانيا بيد الحلف معناه سقوط آخر خط دفاع روسي ضد أمريكا والغرب، فأوكرانيا تختلف عن غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة كجورجيا وأوزبيكستان مثلا، لأنّ الأخيرتين لا تقعان على خطوط التماس مع الغرب، فلا خطورة من قِبَلهما على روسيا كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، لذلك اتخذت روسيا إجراءً حاسماً ورادعاً مع أوكرانيا مُختلفاً تماماً عمّا فعلته في مناطق أخرى، ولم تأبه روسيا للعقوبات الغربية، لأنّها تعتبر أنّ خسارتها لأوكرانيا أكبر بكثير من خسائرها نتيجة العقوبات.

أمّا أمريكا فتُدرك أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا، لذلك فهي تضغط على روسيا من خلال استخدام هذه الورقة الأوكرانية، وهي تحاول أخذها منها من خلال حكامها الموالين لها، ولا مانع لدى أمريكا لو تقاسمتها مع روسيا، فتأخذ روسيا المقاطعات الشرقية من أوكرانيا وتأخذ أمريكا الباقي.

أمّا الكلام عن أنّ روسيا تُريد تغيير موازين القوى العالمية وفرض نظام دولي جديد لصالحها، وإزاحة أمريكا عن زعامة العالم، وأنّ غزوها لأوكرانيا سيتسبّب باندلاع حرب عالمية ثالثة، وأنّ الصين ستدخل الحرب لاحتلال تايوان مستغلة الأزمة الأوكرانية، فكل ذلك تخمينات وأخاليط سياسية لا قيمة لها، ولا أساس لها من الصحة، فروسيا تُدرك حجمها وقوتها، ولا تُطالب بأكثر من تأمين مصالحها الحيوية في الدول الملاصقة لها، وهي تعلم أنّ أمريكا تغض الطرف عن غزوها لأوكرانيا، وما تقوله وسائل الإعلام الروسية والعربية المؤيدة لروسيا والتي تُضخّم من قوة روسيا فهو لا يزيد عن كونه تهويلاً إعلامياً وجعجعة كلامية.

وبالرغم من دخول القوات الروسية بزخم كبير للأراضي الأوكرانية لكنّها حتى الآن لم تحقّق نتائج تُذكر على الأرض، بل ومُنيت بخسائر فادحة، وأمّا ما تُشيعه وسائل الإعلام من كلام عن استسلام أوكرانيا وهزيمتها، ومنح أمريكا وبريطانيا حق اللجوء السياسي للرئيس الأوكراني فهذا يدخل ضمن باب خداع روسيا لتشجيعها في الدخول أكثر في المستنقع الأوكراني.

وأمّا العقوبات المالية والاقتصادية ضد روسيا فهي عقوبات خفيفة أو مُتوسّطة يمكن تحمّلها، وأمّا العقوبات الثقيلة التي تقصم الظهر فامتنعت أمريكا عن إيقاعها ضد روسيا، لأنّها لا تُريد إيذاءها كثيراً، لأنّ لأمريكا مصلحة في إبقاء روسيا لاعبا دوليا مُهمّا تستخدمها ضد أوروبا والصين، وتستخدمها في الشرق الأوسط وأفريقيا ضد خصومها من الأوروبيين والصينيين، فالعقوبات القاسية جدا مثل عقوبة طرد روسيا من نظام سويفت المالي العالمي فلا توقعها عليها، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس 24/02/2022: "إن حظر روسيا من نظام سويفت ليس مطروحاً على الطاولة في الوقت الحالي وإنه يفضل عقوبات أخرى".

والذي يدعو لإيقاعها هي بريطانيا وليس أمريكا، فبريطانيا هي التي تدعو لوقف عمل نظام سويفت في روسيا، وتؤيدها فقط دول البلطيق الثلاث؛ إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، أمّا ألمانيا فتعارض بشدة حظر روسيا من النظام، بينما تقول فرنسا وهولندا إن خيار حظر روسيا من سويفت سيتم اللجوء إليه فقط في حالة الضرورة القصوى.

ومعلوم أنّ نظام سويفت هو شريان مالي عالمي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود وهو جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، ويربط هذا النظام 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة، ويرسل أكثر من 40 مليون رسالة يومية، ويتم عبره تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات، ويساعد هذا النظام في جعل التجارة الدولية الآمنة ممكنة وسلسة لأعضائها.

وسيؤدي حظر روسيا من التعامل عبر نظام سويفت لو حصل إلى التأثير على شبكة البنوك الروسية وقدرة روسيا على الوصول للمال، وستفقد الشركات الروسية في حال حظرها إمكانية الدخول إلى المعاملات السلسة واللحظية التي يوفرها نظام سويفت، وستتأثر المدفوعات الخاصة بمنتجات روسيا المهمة في قطاع الطاقة والزراعة سلبيا بدرجة كبيرة للغاية، وهو ما من شأنه أنْ يضر أيضاً بالشركات الأوروبية التي تزود روسيا بالسلع وتشتري منها، ولا سيما الشركات الألمانية، فروسيا تُعتبر المزوّد الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي، ولن يكون العثور على إمدادات بديلة أمراً سهلاً.

إنّ نوعية العقوبات التي تفرضها أمريكا على روسيا لا ترهقها، وتهدف أمريكا إلى جعل روسيا تغرق في أوحال أوكرانيا لكي تبقى محتاجة لها على الدوام، ولكي تستخدمها في إبقاء أوروبا جزءا من المظلة الأمنية الأمريكية.

أمّا ما هو المتوقع من هذه الحرب فإنّه تقسيم أوكرانيا لمنطقتين مُتعاديتين إحداهما في الشرق موالية لروسيا والثانية في الغرب موالية لأمريكا، ويكرّس هذا العداء الذي ينشب بين الطرفين نار الحقد والحسد والبغضاء بينهما أمدا بعيدا.

 احمد الخطواني

سرطان التطبيع نتاج طبيعي لاتفاقيات السلام الخيانية

جريدة الراية: سرطان التطبيع نتاج طبيعي
لاتفاقيات السلام الخيانية
 
 
يجري التطبيع في هذه الأيام بين الدول العربية وكيان يهود بخطوات سريعة وقفزات واسعة بلغت من الخيانة والوقاحة ما لم يكن يخطر على بال أي حاكم خائن من قبل، فهذا محمد بن سلمان يقول لوكالة الأنباء السعودية الرسمية: "إننا لا ننظر إلى (إسرائيل) كعدو، بل ننظر إليها كحليف محتمل في العديد من المصالح التي يمكن أن نسعى لتحقيقها"، وهذا وزير خارجيته يقول: "إنّ اندماج (إسرائيل) في المنطقة سيكون مفيداً"، وأمّا وزير خارجية البحرين عبد الله بن خليفة فقد بلغت به السفاهة أن يقول: "الموساد موجود في البحرين وحاضر في المنطقة لتوفير مزيد من الأمن والاستقرار والحفاظ على أرواح المدنيين الأبرياء"، ويقول الرئيس السوداني بإسفاف يصل حد التندر بأنّ: "العلاقات الأمنية مع كيان يهود قد ساهمت في كشف مجموعات إرهابية"، وأمّا تركيا التي نددت في البداية باتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وكيان يهود فإنّها اليوم عادت وطبعت علاقاتها مع المطبعين ومع كيان يهود فزار رئيسها أردوغان الإمارات (أمّ المُطبّعين) لقاء دفع الإمارات لتركيا عشرة مليارات دولار، وقال بعد عودته بأنّ "المحادثات كانت مثمرة للغاية بين تركيا والإمارات، وأنها فتحت آفاقا جديدة وبزخمٍ قوي، وأننا مُصممون على مواصلة الجهود من أجل مصالحنا المشتركة"، فكلام الليل عند أردوغان يمسحه النهار.
وقامت الحكومة التركية بتحضيرات محمومة لاستقبال رئيس كيان يهود إسحاق هيرتسوغ، الذي زار تركيا مطلع هذا الشهر آذار/مارس ومن هذه التحضيرات:
1- إرسال إبراهيم كالين كبير مستشاري أردوغان وسادات أونال مساعد وزير الخارجية التركي لمدة يومين لكيان يهود تمهيداً للزيارة.
2- ضبط خلية إيرانية في تركيا كانت تستهدف مصالح وشخصيات لكيان يهود ومن بينها اغتيال رجل أعمال رداً على اغتيال العالم النووي الإيراني فخري زاده.
3- تعاون الموساد مع السلطات التركية في إحباط 12 مخططا لشن هجمات ضد مصالح كيان يهود في تركيا.
4- تعزيز العلاقات الأمنية والاقتصادية بين الدولتين.
5- بلغت تركيا قادة حركة حماس بطرد عناصر الجناح المسلح للحركة من أراضيها بعد طلب قدمه لها كيان يهود.
6- أعلنت تركيا بأنها لن تقدم أية مساعدات عسكرية لحماس.
7 - أرسلت تركيا وفداً دبلوماسياً إلى الأراضي الفلسطينية مهمته بحث إمكانية إعادة بناء جسور الثقة بين محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ونفتالي بينت رئيس حكومة كيان يهود.
وبعد كل هذه الخطوات التركية التطبيعية المفضوحة يطلع علينا مولود جاويش أوغلو وزير خارجيتها زاعماً بأنّ: "تطبيع العلاقات التركية مع (إسرائيل) لن تكون على حساب الفلسطينيين، وأنّه قد يساهم في تعزيز دور تركيا في التوصل لحل الدولتين"!
والحقيقة أنّ هذا التقارب بين الدولتين سببه إدارة بايدن التي أسقطت اتفاقية الطاقة والغاز بين كيان يهود واليونان وقبرص المعروفة باسم (إيست ميد) والتي تمّ توقيعها أيام ترامب لمصالح شخصية، وألغاها بايدن بجرة قلم ووصفها بأنّها غير ذات جدوى.
وهدف أمريكا من إسقاط تلك الاتفاقية إدخال تركيا في نظرتها المستقبلية البديلة عنها، لذلك نجد أنّ كل هذه الأعمال التطبيعية بين الدولتين الهدف منها تعزيز العلاقات بينهما من أجل التوصل إلى اتفاقيات غاز جديدة لشرق المتوسط تكون تركيا مُشاركة فيها.
فهذا التطبيع السرطاني مع كيان يهود الذي تقوم به تركيا والدول الخليجية والمغرب والسودان في الواقع لا يزيد الأمة الإسلامية إلا ضعفاً، بل هو يُمزّق شملها، ويقتطع من أراضيها، ويقوي شوكة دولة يهود فيها، ويجعلها - وهي الجسم الغريب المنبوذ في المنطقة - جزءاً طبيعياً مقبولاً وقوياً بين ظهرانيها، بالإضافة إلى كونه يُضاعف المصالح الأمريكية والأوروبية في بلاد المسلمين، ويزيد من نفوذ الكفار بكل أشكاله الأمنية والاقتصادية والدبلوماسية فيها.
وما كان هذا التطبيع السرطاني ليحدث لولا إبرام اتفاقيات (السلام الخيانية) التي جعلت الدول الموقعة عليها تعترف بكيان يهود، وبحقه بالوجود في فلسطين قلب المنطقة العربية والإسلامية.
فالاعتراف بكيان يهود والصلح معه هو أصل الداء وأس البلاء، ولولاه لما وجد التطبيع ولا المطبعون، فالتطبيع كحالة هو بالفعل نتاج طبيعي لتلك الاتفاقيات الخيانية.
وعلى الشعوب رفض اتفاقيات الصلح مع كيان يهود وليس فقط رفض التطبيع معه، لأنّ اتفاقيات الصلح هي الأصل الفاسد الذي انبنت عليه أعمال التطبيع السرطانية، وإذا أردنا استئصال تلك الأعمال فعلينا أن نستأصل أصلها أولاً.
ومن هنا كان لا فرق في النظر بين من طبّع وبين من اعترف فكلاهما خيانة، فالعرب في مؤتمر الخرطوم الذي انعقد عام 1967 سايروا شعوبهم نفاقاً وكذباً، ورفعوا الشعارات الثلاثة بوصفها ثوابت سياسية حقيقية في التعامل مع المغتصب، وهي اللاءات الثلاث المشهورة: لا للصلح لا للاعتراف لا للمفاوضات، ثمّ بعد امتصاص غضب الشعوب إثر هزيمة 1967 انقلبوا على هذه الثوابت، وتفاوضوا مع قادة دولة يهود، ووقعوا معها اتفاقيات صلح واعتراف خيانية أنتجت فيما بعد ما نراه من علاقات التطبيع المقيت.
لذلك فعلى الواعين سياسياً أن يُبينوا للناس أنّ جريمة التطبيع ما هي إلا نتاج طبيعي لاتفاقيات الصلح الخيانية، فلا يقبل من أحد رفضه للتطبيع وقبوله بالاعتراف بحجة أنّه قرار دولي، ولا يُقبل تبرير أي مُسوّغ لقبول الاعتراف بحجة رفض التطبيع، فلا فصل بين الاعتراف والتطبيع فكلاهما جريمة، فالرفض يكون للأصل والفرع وليس للفرع دون الأصل.

محمد بن زايد يقود المنطقة نحو الهاوية

احمد الخطواني

محمد بن زايد يقود المنطقة نحو الهاوية
تسود منطقة الشرق الأوسط في هذه الأيام حالة غير طبيعية من الاستقطاب السياسي الحاد، تتقاطع فيها السياسات المتناقضة، وتتقارب فيها ما يسمّونها بتيارات اليسار واليمين، بحيث لم يعد المتابع المتخصص يستطيع تمييزها عن بعضها بعضا، فتظهر الصورة السياسية العامة للمنطقة بسبب ذلك التداخل والتشابك فيها الكثير من الضبابية والتشويش، وينتج عنها تحالفات سياسية غير منسجمة مع نفسها لا يجمعها أي رابط، ولا تضبطها أية قاعدة من قواعد الربط السياسية المعروفة سوى جعل زمام القيادة لشخص رويبضة يتحكم بالآخرين خدمة لمصالح الدول الاستعمارية.
والذي يقف خلف كل هذه التناقضات السياسية والمخرجات السياسية المشوهة والمشبوهة شخص واحد حاقد ومخبول، ألا وهو الحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد ربيب بريطانيا وعميلها المخلص.
ينطلق محمد بن زايد هذا في نشاطه السياسي الهدّام من ثلاثة مرتكزات وهي:
1- كراهيته للإسلام، فلا يدع عدواً للمسلمين إلا ويتحالف معه، فهو حبيب الهندوس والبوذيين واليهود والصليبيين، وهو بيدق بيد الكفار، ومعول هدم يستخدمونه في تأسيس ما يُسمّى بالديانة الإبراهيمية الجامعة للأديان بهدف هدم الإسلام من خلالها.
2- كراهيته (للديمقراطية) والانتخابات، فلا يدع ديكتاتوراً في الشرق ولا في الغرب إلا ويدعمه بالمال والإعلام، من مثل سيسي مصر وخليفة حفتر في ليبيا وغيرهما، وهو يعادي الديمقراطية ليس لأنّها نظام كفر، بل لأنّه يخشى السقوط بسببها، وما يترتب عليها من تداول للسلطة.
3- ولاؤه لبريطانيا واسترضاؤه لأمريكا، فهو يسير وفقاً لمخططات أسياده البريطانيين وتعزيز نفوذهم في المنطقة، والتشويش على السياسات الأمريكية بقدر الإمكان، مع استمراره في محاولات استرضاء الإدارات الأمريكية المتعاقبة وذلك بدفع الأثمان الثقيلة لأمريكا لضمان سكوتها عنه.
ولنأخذ حدثين سياسيين وقعا في أسبوع واحد كان محمد بن زايد عرّابهما وهما:
1- زيارة طاغية سوريا بشار الأسد للإمارات في 08/03/2022م واستقبال ابن زايد له استقبالاً مهيباً، أعيد بها تأهيله عربياً بعد أن طرد من الجامعة العربية بسبب جرائمه في سوريا وقتله وتشريده للملايين في العقد الأخير، فلم يجرؤ أي حاكم عربي على القيام بمثل هذه الخطوة الوقحة من دون إجماع عربي.
وغني عن القول إنّ بشار محسوب ظاهرياً على روسيا ومدعوم من إيران، وتؤيده تيارات اليسار لظنها أنّه معادٍ لأمريكا مع أنّه عميل أمريكي عريق، وجنّدت أمريكا إيران وجلبت روسيا لحمايته من السقوط، وتعمل على إفشال الثورة من أجله.
2- عقد قمّة ثلاثية جمعت محمد بن زايد مع كل من رئيس حكومة كيان يهود نفتالي بينيت والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في شرم الشيخ في 21/03/2022م.
فابن زايد يتآمر ضد إيران مع كيان يهود في الوقت الذي يستقبل فيه حليف إيران بشار، فقد علم أنّ كيان يهود مستاء جداً من قرب توقيع أمريكا اتفاقاً نووياً مع إيران ورفع العقوبات عنها، ومنح أمريكا إيران صلاحيات واسعة في المنطقة، فدعا إلى قمة شرم الشيخ لدعم كيان يهود ضد إيران، وجرّ معه السيسي الأبله في المؤتمر، وبعث إلى ابن سلمان رسالة مفادها أنّه لا بد للسعودية من التطبيع الفوري مع كيان يهود لأنّ الوقت لا يحتمل الانتظار، وأنّه لا بد من الوقوف ضد إيران وقفة جدية.
فهو يُشكّل مع كيان يهود نواة تشويش للسياسات الأمريكية، ويسعى لعزل إيران، وتأجيل توقيع الاتفاق النووي مستغلاً تورط روسيا في حرب أوكرانيا، والعقوبات المفروضة عليها، ومحاولا استمالة ابن سلمان لتكتله.
وبريطانيا هي التي تدفع ابن زايد للقيام بهذه المناورات السياسية، ومنها التأثير على محمد بن سلمان للابتعاد عن أمريكا التي تتصرف ببرود معه، خاصة وأنّ إدارة بايدن لا تتعامل رسمياً مع ابن سلمان بسبب حادثة خاشقجي، بينما يأتي رئيس وزراء بريطانيا بوريس جونسون ويكسر الحظر الأمريكي المفروض على ابن سلمان فيزور السعودية، ويجتمع به علناً، بحجة البحث في توفير كميات نفط إضافية لتعويض النقص الناجم عن الإمدادات الروسية للنفط.
فالدعم البريطاني لتحركات ابن زايد واضحة من خلال تزامن زيارة جونسون للسعودية، ودفع ابن سلمان للابتعاد عن أمريكا، والتنسيق مع ابن زايد لتشكيل ثنائي سياسي فاعل بدعم من كيان يهود.
ولإضعاف الموقف الإيراني يصطف ابن زايد مع بشار ليضعف جبهة إيران سوريا الأمريكية، ويشوش على سياسات أمريكا في توقيت حساس تنشغل فيه أمريكا بقضايا أهم كالمسألة الأوكرانية وتحييد الصين.
وهكذا يبدو ابن زايد وكأنّه زعيم لا غنى عنه في المنطقة، ويؤثّر فيها تأثيراً بالغاً، فيشتري أردوغان بعشرة مليارات دولار، ويشتري السيسي بالمال وبعقد المؤتمر في شرم الشيخ المصرية، ويبعد بشار الأسد عن إيران بالقدر الذي يمكنه من إقامة تكتل مع كيان يهود ضد إيران للتشغيب على الخطط الأمريكية، وبذلك يخلط الأوراق السياسية من خلال قيامه بعملية تجميع المصالح المتباينة للتشويش على السياسات الأمريكية ولو قليلاً، والأهم من ذلك كله فرض نفسه كقائد لا غنى عنه في إدارة دفة السياسات الشرق أوسطية، فتضطر أمريكا للتعامل معه وعدم تجاهله.
لقد وصلنا إلى عهد من الانحطاط السياسي يكون فيه أمثال محمد بن زايد وتميم بن حمد آل ثاني وأضرابهما من الذين لا يحكمون سوى إمارات صغيرة لا يزيد تعداد سكانها عن عدد سكان حي شبرة في القاهرة، فيكونون فيه من أهم قادة الشرق الأوسط، فيصولون ويجولون ويتآمرون، بينما حكام الدول العربية الكبيرة كمصر والسودان والعراق والجزائر والمغرب الذين يحكمون عشرات الملايين من البشر باتوا لا وزن لهم ولا نكاد نسمع لهم همساً!

أمريكا وبريطانيا تجهزان لحرب طويلة في أوكرانيا

أمريكا وبريطانيا تُجهّزان لحرب طويلة في أوكرانيا
 
 
 
الخبر:
 
أعلنت الحكومة البريطانية أنّ رئيس وزرائها بوريس جونسون بحث مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الحاجة لتسريع المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى أوكرانيا.
 
واستضافت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) أكبر ثماني شركات دفاعية رائدة في الولايات المتحدة لبحث تلبية احتياجات أوكرانيا من الأسلحة والذخيرة على المدى القصير والطويل، وسترعى نائبة وزير الدفاع كاثلين هيكس الاجتماع مع مُمثلي عمالقة شركات الأسلحة مثل رايثيون ولوكهيد مارتن وبوينغ وونورثروب غرومان، وسيتباحث المُتفاوضون في تلبية تلك الاحتياجات، وتنسيق العمل مع الدول التي تزود أوكرانيا بالسلاح والذخيرة من مخزوناتها الخاصة.
 
التعليق:
 
إنّ هذه المُباحثات والاجتماعات المُنسقة تكشف حقيقة نوايا أمريكا وبريطانيا في إطالة زمن الحرب في أوكرانيا، وما فشل المُفاوضات بين روسيا وأوكرانيا على وقف الحرب إلا بسبب رغبة الأمريكان والإنجليز في إطالة أمد الحرب لأطول مدة زمنية يتم فيها استنزاف روسيا وإضعافها، وإشغالها في أوكرانيا وفي جوارها، من أجل إبعادها عن القضايا الدولية، وتخفيض مكانتها كدولة كبرى رئيسية في العالم، والتفرغ للصين لاحتوائها.
 
كما تهدف هذه الحرب إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي وبالذات فرنسا وألمانيا وجعل أوروبا مربوطة بشكل دائم ووثيق بأمريكا عسكرياً وسياسياً.
 
ولعلّ تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التي تحدّث فيها عن تراجع القيادة الأوكرانية عن توافقات إسطنبول لتدل على استمرار الحرب.
 
وإنّ قيام رئيس وزراء بريطانيا بزيارة للعاصمة الأوكرانية كييف، وعرضه على الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي أسلحة جديدة ومنها صواريخ مُضادة للسفن تصب في الهدف نفسه.
 
والأمر ليس غريباً على أمريكا وبريطانيا توجيه دفة الحرب في أوكرانيا لخدمة مصالحهما، فهما مُتخصّصتان في إشعال فتيل الحروب، وفي الزجّ بالشعوب في أتونها لتحقيق أهداف سياسية عديدة ومنها استمرار تحكمهما في الموقف الدولي وإيجاد أسواق جديدة لمبيعات السلاح.

الأحد، 13 فبراير 2022

علماء الحرفة وحمل الدعوة

جريدة الراية: علماء الحرفة وحمل الدعوة

 

 

يمتاز العلماء المُتخصّصون بأداء أدوار عظيمة في خدمة الأمّة، سواء أكان هؤلاء العلماء فقهاء أو مفسرين أو أهل حديث أو أهل لغة أو مؤرخين أو غير ذلك، فالله سبحانه قد ميّزهم بقوله: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ فيبيّنون أحكام الإسلام التي يحتاج إليها الناس، وينفون عنه تأويل المُبطلين، ويتصدّون للمستشرقين فيسردون حوادث التاريخ، ويُحلّلون وقائعه من منظار إسلامي صحيح.

 

والمقصود بالعلماء هنا هم علماء الحرفة المُختصون المؤهلون لا عُلماء السلاطين المأجورين، ولا علماء الأهواء المنحرفين.

 

وبالرغم من عظم دور العلماء وأهميته إلا أنّ دور حملة الدعوة أعظم وأهم، فحمل الدعوة واجب عيني دائم لا ينقطع، وهو يشمل جميع المكلفين سواء أكانوا علماء أم عامّة، قال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ أي ولأنذر من بلغه، فالإنذار لكم أيّها الناس ولمن تقومون بتبليغه إيّاه، أي هو دعوة لهم أنْ يبلغوه عن الرسول ﷺ الذي قال: «نَضَّرَ اللَّهُ امْرَأً سَمِعَ مَقَالَتِي فَبَلَّغَهَا، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ»، وقوله سبحانه وتعالى: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾ أي إلى الإسلام، وقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ أي إلى دينه، فحمل الدعوة واجب يتعلق بالأفراد والجماعات والأحزاب والدولة التي تقوم بواجبها في حمل الدعوة عن طريق الجهاد لقوله عليه الصلاة والسلام: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ»، فحمل الدعوة عمل عظيم لا ينقطع، يغفل عنه كثيرون، وبه تحيا الأمّة بالإسلام، ومن خلاله تنهض.

 

والصحابة الذين حملوا الإسلام وطبّقوه لم يكونوا في جملتهم من العلماء، بل كان جلهم من حملة الدعوة، فالموضوع ليس متعلقاً بالعلماء المتخصصين أو ما يسمى بعلماء الحرفة، بل هو متعلق بحملة الدعوة، سواء أكانوا علماء أو غير ذلك، ونهضة الأمّة لا تتوقف على وجود العلماء أو العسكريين أو الإداريين، بل تتوقف على حملة الدعوة المُتكتلين الذين تحتضنهم الأمة.

 

فاستئناف الحياة الإسلامية والحكم بما أنزل الله والجهاد في سبيل الله أعمال تحتاج إلى حملة الدعوة قبل وأثناء وبعد الاحتياج إلى العلماء المُتخصّصين، أو المُقاتلين المُدرّبين، أو الإداريين من ذوي الكفايات العالية.

 

إنّ حملة الدعوة هم سياسيون جادون يتبعون قيادةً مخلصة واعية يعملون في الأمة ومعها، ويحملون همّها وحاضرها ومُستقبلها، ويعملون على رعاية كل شؤونها بمبدأ الإسلام العظيم بشموليته وربانيته، وبوصفه عقيدةً ونظام حياة، وفكرةً وطريقة، ولا يتمّ ذلك إلا بإقامة دولة الإسلام دولة الخلافة.

 

فالعبرة تكون بحمل دعوة الإسلام والتلبس بها سواء أكانوا من العلماء أم من غيرهم، أمّا العلماء فإن كانوا من حملة الدعوة فلا يُخشى عليهم من الانزلاق والزلل، فيستطيعون تمييز الأمور، والإصابة فيها، وأمّا إنْ لم يكونوا من حملة الدعوة، ولا مُتلبسين بها، فربما يكونون عرضة للزلل والوقوع بالأخطاء الفادحة، وإطلاق الأحكام المجانبة للصواب، ولنأخذ مثالاً واحداً يوضح هذه الفكرة ويتعلق بعالم تاريخ معاصر هو راغب السرجاني في تفسيره للواقعة التاريخية المتعلقة بالصدام السياسي والعسكري بين الدولة العثمانية والدولة المملوكية، وهزيمة الأخيرة وسقوطها، فيصف السرجاني الدولة العثمانية بأنها المعتدية، وأنّ حربها على المماليك كانت انحرافاً كبيراً، فيقول: كان على العثمانيين بقيادة السلطان سليم الأول في ذلك الوقت أنْ يختاروا واحداً من أربعة اختيارات، الأول: حسم مسألة الدولة الصفوية، والثاني: الاستعداد لمواجهة القوى الكبرى التي برزت في غرب أوروبا كإسبانيا والبرتغال والنمسا، والثالث: ردع فرسان القديس يوحنّا، والرابع: الاهتمام بالأوضاع الداخلية للدولة، ويُضيف: "كان من المُتوقّع لسليم الأول أنْ يختار واحداً من هذه الاختيارات أو بعضها، ولكنّه أعرض عنها كلها واختار دون مُبرّر عقلي أو شرعي أنْ يجتاح دولة المماليك المُسلمة ليضمّها إلى أملاكه. إنّ هذا انحرافٌ كبير وشنيع في فكر الدولة العثمانية... وتخبّطٌ في الرؤية، فهو يُريد زعامة ومكانة بالسيطرة على مكة والمدينة والقدس، ولو على أشلاء المسلمين من الطرفين".

إنّ عدم تلبس راغب السرجاني بحمل الدعوة، وعدم إدراكه لمفهوم وحدة الأمة حول قيادة واحدة وخليفة واحد، وتأثّره بمفهوم الدولة القومية جعله ينحاز في تفسيره للتاريخ بعيداً عن الصواب واتباعاً للهوى، والرد الصحيح على كلامه من مُنطلق الفكر الإسلامي الصحيح، ومن زاوية حمل الدعوة وإيصال الإسلام إلى الحكم، ووضعه موضع التطبيق والتنفيذ يُمكن بلورته في النقاط التالية:

 

1- إنّ ما قام به سليمان الأول من توحيد مصر وبلاد الشام والأناضول وتراقيا في دولةٍ واحدة هو عمل عظيم واختيار أهم من الاختيارات الأربعة التي ذكرها السرجاني، لأنّه أمر يتعلق بوجوب وحدة المسلمين في كيان واحد قوي وليس إبقاءهم في كيانات ضعيفة متفرقة.

 

2- إنّ تحوّل هذه البلاد الإسلامية الواسعة إلى دولة خلافة واحدة، ونقل الخليفة العباسي الشكلي من القاهرة إلى إسطنبول، ومبايعته لسليم الأول بوصفه خليفة المسلمين هو عمل شرعي عظيم، أعاد به عصر الخلافة الحقيقية الذي كان يحكم الخليفة فيه بنفسه بعد أنْ كان مُجرد ألعوبة بيد المماليك.

 

3- أمّا الاختيارات التي ذكرها السرجاني وقال بأنّ سليم الأول لم يخترها فهذا غير صحيح، لأنّه ثبت أنّ سليم الأول قد هزم الدولة الصفوية واحتل عاصمتها، وهذا ما لم تفعله دولة المماليك، وقد غزا المناطق الشرقية لأوروبا، ومهّد الطريق لابنه سليمان لغزو وسط أوروبا ومحاصرة فينّا عاصمة النمسا، وواجه هو وابنه من بعده الأساطيل الإسبانية والبرتغالية، وهذا أيضاً لم يفعله المماليك، وحارب القراصنة الصليبيين هو وابنه من بعده، ونظّفوا البحر المتوسط من سيطرتهم، ولا أدل على ذلك من غزوات برباروسا البحرية المشهورة للجزر والموانئ التابعة للدول الأوروبية، وهذا أيضاً لم يفعله المماليك، وأمّا الاختيار الرابع فإنّ سليم قد قام بضبط أعمال الدولة وإيجاد الاستقرار فيها بقدر الإمكان، ومهّد لابنه سليمان القانوني الذي قام بأعظم الإصلاحات في الدولة العثمانية، وسمّي بالقانوني لأنّه أكثر من سن القوانين الشرعية لإصلاح الدولة، وهذا ما لم يفعله المماليك.

 

فلماذا إذاً هذا التحامل غير اللائق على رجل عظيم كسليم الأول قام بأعمال عظيمة في توحيد المسلمين وحماية بيضتهم، ولماذا وصَفَ أعماله بالانحراف الشنيع والتخبط في الرؤية، وأنه يريد الزعامة والمكانة ولو على أشلاء المسلمين؟!

 

إنّ كلام السرجاني هذا واتهاماته الباطلة لسليم الأول بهذه الألفاظ لا يدل على موضوعية في تفسير التاريخ، بل يدل على تحامل وحقد بدوافع أشبه ما تكون بدوافع المستشرقين.

ما كان السرجاني وهو الباحث العميق المتخصص بالتاريخ أنْ يقع في مثل هذه الزلات الخطيرة لو كان حاملاً للدعوة، لأنّ حمل الدعوة يضبط علم العالم، ويحرسه من السقوط في مستنقع الأهواء.

الجمعة، 14 يناير 2022

سلطة عباس تُورّث منصب السفير الفلسطيني في طهران لابنته

خبر_وتعليق

 سلطة عباس تُورّث منصب السفير الفلسطيني في طهران لابنته

الخبر:

أفادت وكالة مهر الايرانية للأنباء أنّ السفير الفلسطيني في طهران صلاح الزواوي قد التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في ختام مُهمّته في الجمهورية الإسلامية الايرانية، وكان الزواوي قد تسلّم المنصب مُنذ العام 1980 أي مُنذ اثنتين وأربعين سنة، وأطلق عليه لقب (شيخ السفراء) بسبب وجوده الطويل في طهران بوصفه سفيراً، وكان قبل ذلك سفيراً لمنظمة التحرير الفلسطينية في الجزائر والبرازيل وكينيا.

وعيّن محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ابنته سلام الزواوي خلفاً له لتولي منصب سفير فلسطين لدى طهران، وأدّت اليمين القانونية أمام عباس.

التعليق :

أثار تعيين سلام الزواوي لمنصب سفيرة فلسطين في طهران استهجاناً واسعاً في أوساط الفلسطينيين، خاصةً بعدما علموا أنّ والدها صلاح الزواوي قد مكث سفيراً في طهران لأكثر من أربعين عاماً، وتساءل الكثير من المُعلقين في تغريداتهم، وفي شبكات التواصل الأخرى عمّا إذا كانت المناصب في السلطة الفلسطينية يتمّ توريثها من الآباء للأبناء كما يتم توريث الأموال والعقارات؟! وأظهروا استياءً شديداً من احتكار توزيع المناصب الكبيرة على فئة مُتنفّذة من كبار المسؤولين في السلطة، وأبدوا تذمّراً من سرعة تعيين السفراء وعدم إشراك أبناء القاعدة الشعبية العريضة فيها.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هي الفوائد التي جناها الشعب الفلسطيني من خدمة السفير الزواوي في طهران كسفير لمدة زادت عن أربعين عاماً؟ وهل هناك ضرورة لإنفاق ملايين الدولارات على سفراء كثر تُرسلهم السلطةالفلسطينية في أكثر من مائة وخمسين دولة غالبيتها لا وزن لها ولا تأثير؟!

أما كان الأجدر بالسلطة أنْ تقوم بتوفير هذه الأموال من أجل إنفاقها على حاجات الشعب الفلسطيني المنكوب في الشتات مُنذ سبعبن عاماً؟ أم أنّ المسألة تتعلق بالاستحواذ على مكاسب شخصية ومنافع شللية تحوزها القطط السمان في السلطة؟

ثمّ إنّ الجمود السياسي الطويل الذي يكتنف القضية الفلسطينية مُنذ زمن لا يُجدي معه أي عمل دبلوماسي تقوم به السلطة، أو وزارة الخارجية فيها، بما فيها جميع سفاراتها، فالسلطة الفلسطينية أصلاً لم تعد سلطة سياسية، لأنّها تحولت إلى مُجرد مليشيا أمنية تحرس أمن دولة يهود وتُلاحق المطلوبين الفلسطينيين للأجهزة الأمنية اليهودية، وبالتالي فلا داعي لوجود سفراء في عواصم العالم، كما لا حاجة لوجود أعمال دبلوماسية تصدر عنها.

على أنّ الفساد المالي والإداري المُتجذّر في السلطة قد تغوّل بشكلٍ كبير في الفترة الأخيرة لدرجة أنّه بات يلتهم الأموال والمنافع بطريقة شرهة، لا يُبقي معها لأهل فلسطين سوى الفتات والنزر اليسير من الدُريهمات.

إنّ هذه السلطة الخائنة لأمّتها، والعاجزة عن تقديم أي شيء لشعبها، لا يُتوقع منها أنْ تُنصف شعبها لأنّها مُجرد أداة رخيصة بيد الأعداء يتم توظيفها لخدمة أجندتهم، ولم يعد من عمل لها سوى التفريط بحقوق المسلمين والفلسطينيين التاريخية والحضارية والسياسية والمالية.

السبت، 1 يناير 2022

مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة تلويث للفكر الاسلامي

مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة  تلويثٌ للفكر الاسلامي

انعقد في العاصمة السعودية الرياض في الثامن من شهر كانون أول/ديسمبر الجاري مؤتمر فلسفي خبيث يُعتبر أول مؤتمر فلسفي من نوعه يقام في السعودية استمرّ لمدة ثلاثة أيام، وشارك فيه كبار الفلاسفة المُتزندقين، وقادة الفكر المُضلون، تجمّعوا من بلدان شتى، واستقبلتهم السعودية في الرياض، وقدِموا من مؤسّسات دولية وإقليمية وُصفت بأنّها (مرموقة)! وطرحوا في جلسات المؤتمر قضايا تشكيكية وإلحادية كثيرة تحت شعار (مُناقشة القضايا الفلسفية المُعاصرة).

ومن أبرز الشخصيات المُشاركة في المؤتمر من العرب عبد الله الهميلي عضو جمعية الفلسفة السعودية وعبد الله الغذامي وعبد الله المطيري وهبة الدغيدي وداليا تونسي المستشارة التربوية، ومن الأجانب الفيلسوفة الفرنسية المشهورة في فرنسا لوكا ماريا سكار أنتينو، والفيلسوف مفوتشيفاز أستاذ الفلسفة في جامعة بريتوريا بجنوب أفريقيا، والأمريكي نيكولاس دي وارنا الأستاذ المحاضر في جامعة بنسلفانيا، وأستاذ الفلسفة الأمريكي كريستوفر فيليبس، وأستاذ الفلسفة البلجيكي في جامعة بروكسل الحرة هيرنان غابرييل.

تحدث المُحاضرون من خلال أكثر من ثلاثين جلسة بمواضيع غالبيتها تُشكّك في العقيدة الإسلامية، وتجعل الفلسفة هي المقياس للأحكام بدلاً من الشريعة الإسلامية.

ولو تتبعنا عناوين الورشات وأوراق العمل التي قُدّمت في المؤتمر بشكل مجرد لوجدنا مدى حجم الخراب الفكري الذي تهدف إلى إحداثه، ومدى التلويث الفكري الذي تم ضخه فيها؛ فالورشة الأولى مثلاً جاءت بعنوان: "منح الفلسفة مساحة في مستقبلنا"، والورشة الثانية كانت بعنوان: "اللا متوقع وحدود العقل البشري"، وقدمت مؤسسة بصيرة ورش عمل خاصة بعنوان: "أفكار كبيرة ورشة فلسفية للناشئين"، وقُدّمت ورشة بعنوان: "لماذا وكيف نلهم الأطفال ليصبحوا فلاسفة؟"، وفي مجال التاريخ جاءت ورشة "ماض لا متوقع: إعادة التفكير في التاريخ"، وفيما سُمّي بمهرجان الأفكار تمّ طرح (مفهوم اللامُتوقع) شارك فيه هيرنان غابرييل بورقة عمل بعنوان: "اعتبارات تتعلق بالعلاقة بين اللامتوقع والخفي"، بينما قدم عبد الله الهميلي ورقة عمل عن "العلاقة بين اللامتوقع والتاريخ"، وتمّ في إحدى جلسات المؤتمر عرض "مفهوم الزمن في العلم والفلسفة والفكر الديني".

فـ(منح الفلسفة مساحة في مُستقبلنا) لا يُمكن أنْ يكون إلا على حساب الإسلام، لأن الفلسفة والإسلام لا يلتقيان، فالفلسفة أفكار كفر لا تقيم للدين أي وزن.

وأمّا عناوين سائر الورشات الأخرى فهي محاولات تشكيكية في قدرات العقل البشري الذي كرم الله سبحانه به الإنسان على سائر المخلوقات ضمن حدود الإسلام وضوابطه، وهذه الورشات هي أيضاً مُحاولات تشكيك في التاريخ الإسلامي نفسه، ومحاولات لحرف الأطفال عن نهج الإسلام القويم لجعلهم فلاسفة، أو لكي يتأثروا بالفلسفة بهدف إبعادهم عن فطرتهم، وتنحية الإسلام عن طفولتهم بطرح مثل هذه الأفكار الفلسفية السقيمة عليهم، وغرس أفكار الإلحاد في عقولهم منذ نعومة أظفارهم.

وأمّا مفهوم الزمن في العلم والفلسفة والفكر الديني ففيه تجديف واضح ضدّ الإسلام، فهو يقرن العلم بالفلسفة ويجعل الفكر الديني - والمقصود به هنا الإسلام - معزولاً عن العلم، بمعنى أنّ العلمَ مُصطفٌ إلى جانب الفلسفة، وأمّا الإسلام فمقرونٌ بالجهل.

وأمّا الكلام عن العلاقة بين اللامتوقع والخفي فهو طرح شيء من الهذيان الفكري لتشتيت أذهان شباب المسلمين، وإبعادهم عن الالتزام بطريقة التفكير الإسلامي الصحيحة.

إن مملكة آل سعود ومن خلال رعايتها لهذا المؤتمر تعلن الحرب على الإسلام صراحة، فتساعد على تمرير أفكار الإلحاد إلى الشباب في الحجاز تحت شعار الفلسفة، فهي لم تدّخر وسعاً في البحث عن أي وسيلة لمناصبة الإسلام العداء، فلم تترك باباً لمحاربته إلا وطرقَته، فبدأت بهيئة الترفيه التي حلت محل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلم تدع منكراً إلا وأباحته، ولم تدع معروفاً إلا وطمسته، فأصبحت المدن السعودية مراكز ديسكو وقمار وفسق ومجون، وفي مجال مناهج التعليم ألغت السعودية كل شيء له علاقة بالجهاد والصراع مع الكفار، وذلك من خلال إجراء خمسة وخمسين تعديلاً على المناهج، فتحولت المناهج بعدها إلى مسخ تعليمية، وأما في السياسة الخارجية فقد وقفت السعودية إلى جانب الصين في قمعها للمسلمين الإيغور، بالإضافة إلى تبعيتها المطلقة لأمريكا.

وفي الوقت الذي تسجن فيه السلطات السعودية علماء المسلمين المخلصين، وتقمع الحركات الإسلامية حتى المسالمة منها، كحظر جماعة التبليغ والدعوة، في الوقت نفسه تسمح لسفلة الأقوام من كل كفار العالم بدخول الأراضي المقدسة، والقيام بفعاليات منكرة فيها، وكأنّ المسلمين هناك لم ينقصهم سوى هذه التلويثات المجتمعية والفكرية لتستقيم أحوالهم!

لن تتخلص بلاد نجد والحجاز من هذه الهجمات الفكرية التلويثية إلا بالتخلص من حكم آل سعود المسؤول عن تفشي كل هذه المنكرات، وإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة على أنقاض عرشهم وعروش حكام المسلمين.

الثلاثاء، 14 ديسمبر 2021

خبر وتعليق

بسم الله الرحمن الرحيم
*#خبر_وتعليق: دلالة وصف #بوتين انهيار* *#الاتحاد_السوفييتي أنه بمثابة انهيار روسيا*
- كتبه: الأستاذ أحمد الخطواني
--------
https://chat.whatsapp.com/EtsVpqL3t7b7yAm8uJMUvC

*#الخبر:*

في مقابلة أجرتها معه القناة التلفزيونية روسيا 1 تطرق الرئيس الروسي بوتين إلى وضع #روسيا الداخلي في تسعينات القرن الماضي بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واصفا إياه بأنه كان يشبه حربا أهلية، فقال: "كان الوضع صعبا جدا، وهو وصف كان يخص حالة الدولة بأسرها، وكل مكوناتها على حدة، و #الاقتصاد والأمن والقوات المسلحة.. ففي الواقع كانت البلاد في حالة حرب أهلية".

وأوضح بوتين بأنّ الدول الأوروبية في تلك الفترة كانت على قناعة تامة بحتمية تفكك الدولة الروسية على غرار تفكك الاتحاد السوفيتي، فقال: "إن 16 كيانا من كيانات البلاد أعلنت في تلك الفترة سيادتها، وكانت هي حقيقة لا يمكن تجاهلها"، وقال بأنّه رأى "خرائط مصمّمة في أوروبا ترسم روسيا مجزأة إلى دول مستقلة عدة"، واعتبر بوتين أنّ "انهيار الاتحاد السوفييتي هو بمثابة نهاية روسيا التاريخية".

 
*#التعليق:*

تأتي تصريحات بوتين هذه في ظل التوتر الشديد الذي تشهده أوكرانيا والذي يُلقي بظلاله على العلاقات بين الغرب وروسيا، حيث تصف أوكرانيا الحشود العسكرية الروسية على حدودها الشرقية بأنّها تمهيد لغزو روسي قريب لأراضيها، بينما تنفي روسيا هذه المزاعم وتقول بأنّ تلك الحشود هي مجرد رسائل للغرب للكف عن التدخل في أوكرانيا، ولمنع العمل على إدخالها في حلف الناتو، وضرورة حل هذه المشكلة مع #الغرب عبر المفاوضات، ومن خلال عقد القمم الدورية بين الزعماء، لا سيما بين الرئيسين الروسي والأمريكي.

وتنظر روسيا إلى #أوكرانيا نظرة خاصة، فهي تحتل مكانة خاصة في تاريخها، وتصفها بأنّها معقل تاريخي للشعب السلافي، وتُحذّر الغرب من محاولة قلبها ضد روسيا.

إنّ تصريحات بوتين الأخيرة تُظهر مدى تمسكه بوحدة روسيا، وتؤكد على عدم سماحه للغرب بالعبث بها كما حصل مع الاتحاد السوفييتي في حقبة التسعينات من القرن الماضي، كما تُظهر حرصه الشديد على إبقاء أوكرانيا أو أجزائها الشرقية على الأقل تحت النفوذ الروسي بشكلٍ دائم وذلك نظراً لأهميتها البالغة بالنسبة للدولة الروسية، فهي بمثابة الساحة الخارجية لها التي تُشكّل أهم امتداد تاريخي لها مُنذ قرون.

فبوتين من خلال هذه التصريحات يرى أنّ خسارة أوكرانيا قد تؤدي بالفعل إلى تفكك روسيا، لذلك فهو يُحارب الغرب بكل قوته للاحتفاظ بها، ولا يسمح بخسارتها كما خسرت روسيا من قبل دولاً كثيرة في شرق أوروبا كبلغاريا ورومانيا وهنغاريا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا ودول البلطيق، وذلك لأنّ أوكرانيا دولة مُختلفة عن سائر تلك الدول لأنّها في نظره تُعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحصن الروسي الداخلي.

لكنّ أمريكا تُصرّ على سلخ مُعظم أوكرانيا عن روسيا في النهاية، وتُلوّح بفرض المزيد من العقوبات عليها، وتستخدم المسألة الأوكرانية كورقة ضغط تُشغل روسيا بها، وتُبعدها عن الصين، وتُحاصرها في خاصرتها الرخوة لتبقيها في حالة دفاع لأطول مُدة ممكنة.

إنّ نقطة ضعف روسيا الرئيسية تكمن في أنّها تُحارب الغرب بسلاح الوطنية الروسية والقومية السلافية، فهي لا تملك فكراً أو مبداً واضحاً تُواجه به أمريكا والغرب، لذلك فمن الصعب أن يكون النصر حليفها طالما بقيت من دون مبدأ، وستضطر في المستقبل للدخول مع الغرب في حلول وسط حول أوكرانيا.