الغزو الروسي لأوكرانيا وموقف أمريكا
ترى القيادة الروسية أنّ الاجتياح العسكري الروسي لأوكرانيا هو ضرورة جيوسياسية مُلحّة لم تستطع روسيا تحقيقها بالوسائل السلمية والدبلوماسية، لذلك اضطرت إلى اللجوء للخيار العسكري لتأمين احتياجاتها الأمنية التي تعرضّت للتخلخل من جهة أوكرانيا.
ووصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الوضع في أوكرانيا بأنّه بات يُشكّل تهديداً وجودياً على روسيا نفسها، وأنّه لا بُدّ من اتخاذ إجراء الحياة أو الموت للحفاظ على مصالح روسيا الحيوية في المنطقة، ووصفت وسائل الإعلام الروسية حكام أوكرانيا الحاليين بأنهم من الموالين لأمريكا والغرب، وبأنهم نازيون جدد يسعون لامتلاك الأسلحة النووية، ويُريدون نشر الصواريخ الأمريكية الباليستية في أوكرانيا، وتهديد الأراضي الروسية والمدن الروسية ومنها موسكو، واعتبر بوتين أن روسيا إن لم تَغزُ أوكرانيا الآن فإنها ستُدَمّر في المستقبل، وأنّ عبث أوكرانيا بأمن روسيا هو خط أحمر لا يمكن السماح بتجاوزه.
إنّ أوكرانيا في الواقع هي لصيقة بروسيا جغرافياً وديموغرافياً، وهي حاجز فاصل بين روسيا والدول الأوروبية الأعضاء في حلف الناتو، وإنّ سقوط أوكرانيا بيد الحلف معناه سقوط آخر خط دفاع روسي ضد أمريكا والغرب، فأوكرانيا تختلف عن غيرها من الجمهوريات السوفيتية السابقة كجورجيا وأوزبيكستان مثلا، لأنّ الأخيرتين لا تقعان على خطوط التماس مع الغرب، فلا خطورة من قِبَلهما على روسيا كما هو الحال بالنسبة لأوكرانيا، لذلك اتخذت روسيا إجراءً حاسماً ورادعاً مع أوكرانيا مُختلفاً تماماً عمّا فعلته في مناطق أخرى، ولم تأبه روسيا للعقوبات الغربية، لأنّها تعتبر أنّ خسارتها لأوكرانيا أكبر بكثير من خسائرها نتيجة العقوبات.
أمّا أمريكا فتُدرك أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا، لذلك فهي تضغط على روسيا من خلال استخدام هذه الورقة الأوكرانية، وهي تحاول أخذها منها من خلال حكامها الموالين لها، ولا مانع لدى أمريكا لو تقاسمتها مع روسيا، فتأخذ روسيا المقاطعات الشرقية من أوكرانيا وتأخذ أمريكا الباقي.
أمّا الكلام عن أنّ روسيا تُريد تغيير موازين القوى العالمية وفرض نظام دولي جديد لصالحها، وإزاحة أمريكا عن زعامة العالم، وأنّ غزوها لأوكرانيا سيتسبّب باندلاع حرب عالمية ثالثة، وأنّ الصين ستدخل الحرب لاحتلال تايوان مستغلة الأزمة الأوكرانية، فكل ذلك تخمينات وأخاليط سياسية لا قيمة لها، ولا أساس لها من الصحة، فروسيا تُدرك حجمها وقوتها، ولا تُطالب بأكثر من تأمين مصالحها الحيوية في الدول الملاصقة لها، وهي تعلم أنّ أمريكا تغض الطرف عن غزوها لأوكرانيا، وما تقوله وسائل الإعلام الروسية والعربية المؤيدة لروسيا والتي تُضخّم من قوة روسيا فهو لا يزيد عن كونه تهويلاً إعلامياً وجعجعة كلامية.
وبالرغم من دخول القوات الروسية بزخم كبير للأراضي الأوكرانية لكنّها حتى الآن لم تحقّق نتائج تُذكر على الأرض، بل ومُنيت بخسائر فادحة، وأمّا ما تُشيعه وسائل الإعلام من كلام عن استسلام أوكرانيا وهزيمتها، ومنح أمريكا وبريطانيا حق اللجوء السياسي للرئيس الأوكراني فهذا يدخل ضمن باب خداع روسيا لتشجيعها في الدخول أكثر في المستنقع الأوكراني.
وأمّا العقوبات المالية والاقتصادية ضد روسيا فهي عقوبات خفيفة أو مُتوسّطة يمكن تحمّلها، وأمّا العقوبات الثقيلة التي تقصم الظهر فامتنعت أمريكا عن إيقاعها ضد روسيا، لأنّها لا تُريد إيذاءها كثيراً، لأنّ لأمريكا مصلحة في إبقاء روسيا لاعبا دوليا مُهمّا تستخدمها ضد أوروبا والصين، وتستخدمها في الشرق الأوسط وأفريقيا ضد خصومها من الأوروبيين والصينيين، فالعقوبات القاسية جدا مثل عقوبة طرد روسيا من نظام سويفت المالي العالمي فلا توقعها عليها، قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس 24/02/2022: "إن حظر روسيا من نظام سويفت ليس مطروحاً على الطاولة في الوقت الحالي وإنه يفضل عقوبات أخرى".
والذي يدعو لإيقاعها هي بريطانيا وليس أمريكا، فبريطانيا هي التي تدعو لوقف عمل نظام سويفت في روسيا، وتؤيدها فقط دول البلطيق الثلاث؛ إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، أمّا ألمانيا فتعارض بشدة حظر روسيا من النظام، بينما تقول فرنسا وهولندا إن خيار حظر روسيا من سويفت سيتم اللجوء إليه فقط في حالة الضرورة القصوى.
ومعلوم أنّ نظام سويفت هو شريان مالي عالمي يسمح بانتقال سلس وسريع للمال عبر الحدود وهو جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، ويربط هذا النظام 11 ألف بنك ومؤسسة في أكثر من 200 دولة، ويرسل أكثر من 40 مليون رسالة يومية، ويتم عبره تداول تريليونات الدولارات بين الشركات والحكومات، ويساعد هذا النظام في جعل التجارة الدولية الآمنة ممكنة وسلسة لأعضائها.
وسيؤدي حظر روسيا من التعامل عبر نظام سويفت لو حصل إلى التأثير على شبكة البنوك الروسية وقدرة روسيا على الوصول للمال، وستفقد الشركات الروسية في حال حظرها إمكانية الدخول إلى المعاملات السلسة واللحظية التي يوفرها نظام سويفت، وستتأثر المدفوعات الخاصة بمنتجات روسيا المهمة في قطاع الطاقة والزراعة سلبيا بدرجة كبيرة للغاية، وهو ما من شأنه أنْ يضر أيضاً بالشركات الأوروبية التي تزود روسيا بالسلع وتشتري منها، ولا سيما الشركات الألمانية، فروسيا تُعتبر المزوّد الرئيسي للنفط والغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي، ولن يكون العثور على إمدادات بديلة أمراً سهلاً.
إنّ نوعية العقوبات التي تفرضها أمريكا على روسيا لا ترهقها، وتهدف أمريكا إلى جعل روسيا تغرق في أوحال أوكرانيا لكي تبقى محتاجة لها على الدوام، ولكي تستخدمها في إبقاء أوروبا جزءا من المظلة الأمنية الأمريكية.
أمّا ما هو المتوقع من هذه الحرب فإنّه تقسيم أوكرانيا لمنطقتين مُتعاديتين إحداهما في الشرق موالية لروسيا والثانية في الغرب موالية لأمريكا، ويكرّس هذا العداء الذي ينشب بين الطرفين نار الحقد والحسد والبغضاء بينهما أمدا بعيدا.
احمد الخطواني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق