الأربعاء، 9 أغسطس 2023

تداعيات الغاء قانون حجة المعقولة على كيان يهود

تداعيات إلغاء قانون ( حجة المعقولية ) على كيان يهود



صادق الكنيست ( المجلس التشريعي ) في كيان يهود على إلغاء ما يُسمّى بقانون حجة المعقولية بتصويت كانت نتيجته أربعة وستين صوتاً مُقابل صفر من الأصوات للمُعارضة التي قاطعت عملية التصويت احتجاجاً على طرح هذا القانون المُتعلّق بتغييرات في الجهاز القضائي على التصويت، علماً بأنّ الكنيست مؤلف من مائة وعشرين مقعداً.
ومعنى حجة المعقولية عندهم هو منح قضاة المحكمة العيا صلاحية النظر في قرارات الحكومة والكنيست وإبطالها أو تمريرها بناءاً على مُوافقتها أو عدم مُوافقتها للصالح العام.
وبعنى آخر فإنّ ضابط إبطال القرارات أو تمريرها هو ما يراه قضاة المحكمة العليا وفقاً لأفهامهم وأمزجتهم، فلا يوجد قواعد دستورية ثابتة تُعتبر مرجعاً لهم في اتخاذ قراراتهم القضائية المُهمة سوى رؤيتهم الشخصية بأنّها تتوافق مع الصالح العام أو تتعارض معه.
وكلمة المعقولية في القانون جاءت من لفظ المعقول، أي ما يُعقل، وما يُوافق العقل، والعقول التي تُحدّد معقولية القرارات هي عقول قضاة المحكمة العليا وليس عقول غيرهم من المُشرعين أو النّواب أو السياسيين، وهذا ما يمنح القضاة صلاحية عليا تجعل السلطة القضائية فوق السلطتان الأخريان وهما التنفيذية والتشريعية.
ويعتقد زعماء المُعارضة أنّ هذه الصلاحيات الكبيرة للسلطة القضائية تجعلها تقوم بدور المُوازن بين السلطات وهو الأمر الذي سارت عليه دولة يهود مُنذ تأسيسها، وأنّ سحب هذه الصلاحية منها سيُحوّل الدولة إلى ما يُشبه الدول الدكتاتورية التي لا ديمقراطية فيها، بينما ترى الحكومة وداعميها من اليمينيين أنّ هذه الصلاحية المُطلقة الممنوحة للمحكمة العليا مُبالغ فيها، وأنّه قد حان الأوان للقيام بإصلاحات عميقة في الجهاز القضائي، ومن أهم هذه الإصلاحات إلغاء قانون حجة المعقولية هذا، وأنّ إلغاءه لا يُعتبر مسّاً بالديمقراطية بل هو مُتوافق معها تماماً. 
وبإلغاء هذا القانون تستطيع الحكومة تمرير القوانين بدون إزعاج من المحكمة العليا، كما تستطيع القيام بتعيينات وزراء وموظفين كبار في الدولة من دون اعتراض المحكمة عليهم، كما اعترضت على تعيين الوزير أرييه درعي ممّا اضطره للاستقالة.
وتُجادل المُعارضة بأنّ إلغاء قانون المعقولية يحرم الجمهور من معرفة القوانين التي يتم تمريرها من قبل الكنيست وذلك لعدم وجود اعتراض من المحكمة عليها بسبب عدم سماع المُواطن بها، والذي كان يعتمد على المحكمة في إشهارها والسماع بها.
وقامت المُعارضة باحتجاجات واسعة واندلعت المُظاهرات والمُواجهات ضدّ الحكومة، وضغطت بكل قواها لمنع الحكومة من عرض القانون على التصويت لكنّ الحكومة ثبتت على موقفها، وصمّمت على المُضي قُدُماً في الإلغاء.
 وجنّدت المُعارضة آلاف الطيارين وجنود الاحتياط الذين امتنعوا عن أداء الخدمة للضغط على الحكومة بمنع تمرير قانون إلغاء حجة المعقولية ولكنّ الحكومة، لم تكترث بانشقاقهم ونجحت من ثمّ في تمريره.
وتدخلت امريكا في هذا الموضوع فطلب الرئيس الأمريكي بايدن من نتنياهو عدم المُضي قُدُماً في تشريع القانون، ولمّح له من خلال الصحافة بفرض عقوبات على كيان يهود إن هي مرّرته، لكنّ نتنياهو ظل يتحدى بايدن وواجه الضغوط الأمريكية بكل قوة ورفض الانصياع لها.
وقالت المُعارضة بأنّ إلغاء قانون حجة المعقولية سيدمّر الدولة ويُقوض أركانها لكنّ الحكومة رفضت هذه الادعاءات واستمرت في نهجها، وأثبتت بأنّه لا شيء سيحصل للدولة بعد إلغاء ذلك القانون.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا : ما هو سر هذه القوة التي يمتلكها نتنياهو فجعلته يُواجه المُعارضة الواسعة في الداخل، ويواجه أمريكا  في الخارج في نفس الوقت، ويصمد في مسعاه، ويُغيّر بعض هذه القوانين المُثيرة للجدل؟
ربما يكمن الجواب في النقاط التالية:
1 – التفاف غالبية الرأي العام حوله من خلال التفاف تيارات اليمين حول قيادته، ووقوفها صفاً واحداً مؤيداً للتغييرات التي تمّ تمريرها في الكنيست ضمن ما يُسمونه بإصلاح قوانين القضاء التي عفا عليها الزمن – حسب وصفهم -.
2 – كونه يمتلك غالبية برلمانية مُريحة تسمح له بتعديل القوانين في نظامٍ برلماني يعتمد على الأغلبية في تمرير القوانين. 
3 – تأكدّه من أنّه إنْ لم يقم بمثل هذه التعديلات في النظام القضائي فسيتم تفكك ائتلافه ومن ثمّ إسقاطه ومُحاكمته.
4 – إدراكه أنّ إدارة بايدن تقف مع المُعارضة وتدعمها بصورة واضحه ضد طموحاته، فكان أفضل سبيل يتم السير به هو رفض الانصياع لأمريكا.
5 – كل ما سبق يجعل نتنياهو مُصمّماً على إسقاط قانون حجة المعقولية لئلا يتم إسقاطه شخصياً، فهو لا يمتلك خيارات أخرى للبقاء في سدة الحكم غير تمرير مثل هذه القوانين.
لكنّ صنيعه قد هذا أحدث شرخاً حقيقياً في جسم الدولة يصعب جسره، إلا أنّ هذا الشرخ مهما اتسع فلا يودي بالدولة ولا يُغيًر من نظامها ولا يُحوّلها إلى دولة تُشبه الدول التي يحكمها ويتحكم بها أفراد كالدول البوليسية في بلادنا العربية، لأنّ الحكام عندهم يأتون إلى السلطة بصناديق الاقتراع وليس باستخدام العسكر.
على انّ هذه الدولة السرطانية المسخ المسماة ( اسرائيل ) تبقى جزءاً لا يتجزّأ من منظومة الدول الغربية التي تمّ زرعها في قلب العالم الاسلامي لتعيث بداخله فساداً، ولتحول دون وحدته وقوته، ولا يُمكن إزالتها من الوجود إلا بوجود دولة الخلافة الاسلامية القائمة قريباً بإذن الله تعالى، والتي تستطيع بكل تأكيد استئصالها من جذورها بأقل الجهود وأبسط التكاليف وما ذلك على الله بعزيز.

ليست هناك تعليقات: