التكتلات الاقتصادية الاقليمية وغياب معظم البلدان الإسلامية عنها
في عالم يموج في الماديات والحاجات غير المتناهية للسلع والخدمات، تبحث فيه الدول عن أسواق مفتوحة كبيرة، وعن انسياب سلس للبضائع المتنوعة وللخدمات الكثيرة، تبحث عن أسواق تزال منها الحواجز الجمركية والرسوم الضريبية، وتبحث عن جذب للاستثمارات الأجنبية وضخ للعملات الصعبة، في عالمٍ كهذا تسعى فيه الدول المتجمعة في الإقليم الواحد للانخراط معاً في تكتل اقتصادي موحد يحقق هذه الأهداف، ويوجد نوعاً من التسهيلات التجارية للوصول إلى مستوى من التكامل الاقتصادي ليحقق درجة من القوة الاقتصادية تعجز الدولة الواحدة عن بلوغها من غير الولوج في مثل تلك التكتلات.
ويوجد في العالم اليوم ما يزيد عن عشرة تكتلات تجارية واقتصادية تحاول تحقيق تلك المتطلبات، ومنها ما أحرز نجاحات حقيقية رفع بها المستوى الاقتصادي للدول المنخرطة فيها، ومنها ما تعثر وفشل في بلوغ أهدافه لأسباب معينة سنذكرها في مواضعها.
ويمكن حصر التكتلات الاقتصادية الإقليمية الموجودة اليوم في العالم بعشرة تكتلات، أمّا الناجحة منها فهي الخمسة تكتلات التالية:
١ - الاتحاد الاوروبي :
بدأ الاتحاد الأوروبي مشواره في خمسينات القرن الماضي بست دول هي فرنسا وألمانيا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا ولوكسمبرغ، فوحدت فيها أسواق الفحم والحديد أولاً، ثم تحولت فيما بعد إلى سوق أوروبية مشتركة لكل السلع، ثم دخلت فيها بقية الدول الأوروبية الغربية كإسبانيا والبرتغال وأيرلندا وبريطانيا، ثمّ توسعت أكثر لتشمل الكثير من الدول الأوروبية الشرقية كهنغاريا وبولندا وبلغاريا ورومانيا والتشيك وسلوفاكيا، وما زالت تتوسّع.
في العام 1992 تحوّلت السوق إلى اتحاد أوروبي بعد توقيع اتفاقية ماستريخت التي بفضلها أصبحت أوروبا تملك أضخم سوق في العالم لأكثر من 500 مليون نسمة.
وتغلب الاتحاد الأوروبي بسهولة على مشكلة القوميات المختلفة واللغات المتباينة بداخله فاعترف بأربع وعشرين لغة رسمية ينطق بها الأوروبيون اليوم داخل الاتحاد.
لم يكتف الاتحاد بتطوير الجوانب التجارية والاقتصادية للدول المنضوية فيه بل أعطى هامشاً كبيراً للجوانب السياسية الاتحادية، فأوجد مفوضية عامة تشرف على توحيد السياسات الخارجية لدوله، وأنشأ برلماناً موحداً ومُنتخباً من كافة أعضائه، وأقام محاكم اتحادية لسن القوانين الملزمة لكافة دوله.
ويدخلها الزائر من خارجها جميعها بتأشيرة واحدة، فلا يوجد فيها أية عراقيل تحول دون تنقل الأفراد والبضائع بحرية تامّة وسهولة بالغة..
لم يكتف الاتحاد بتطوير الجوانب التجارية والاقتصادية للدول المنضوية فيه بل أعطى هامشاً كبيراً للجوانب السياسية الاتحادية، فأوجد مفوضية عامة تشرف على توحيد السياسات الخارجية لدوله، وأنشأ برلماناً موحداً ومُنتخباً من كافة أعضائه، وأقام محاكم اتحادية لسن القوانين الملزمة لكافة دوله.
إلا أنّ هذه الجوانب السياسية والقانونية أحدثت بعض العراقيل والمشاحنات بين دول الاتحاد الكبرى فيه كفرنسا وألمانيا وبريطانيا، التي تريد الاستقلالية السياسية الكاملة لها عن الاتحاد، وكان هذا سبباً في خروج بريطانيا منه، وسبباً في التنافس والمشاحنات بين فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.
2- تكتل نافتا: وهو اتفاقية للتجارة الحرة لدول قارة أمريكا الشمالية الثلاث وهي الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، تأسّس هذا التكتل عام 1993 وهو يختص بحرية مرور التجارة بين الدول الثلاث التي يزيد تعداد سكانها عن 450 مليون نسمة من دون أية عراقيل، ولكن بخلاف الاتحاد الأوروبي فلا يوجد فيه مكان للجوانب السياسية، وربّما هذا ما أدّى إلى تفوقه من هذه الناحية.
3- تكتل آسيان: ويُسمّى رابطة دول جنوب شرق آسيا وتشترك فيه عشر دول هي إندونيسا وماليزيا وبروناي وتايلاند وسنغافورة وفيتنام ولاوس وكمبوديا والفلبين وميانمار، وهو أقدم تكتل اقتصادي من حيث التأسيس إذ تأسّس في العام 1976، وهو تكتل تجاري صرف وفعّال لهذه الدول، ونجح هذا التكتل بالفعل من رفع مستواها الاقتصادي بنقلة نوعية محسوسة، ووضعها في مصاف الدول الناشئة.
4- تكتل السوق الجنوبية المُشتركة: وهو تكتل خاص بدول القارة الأمريكية الجنوبية، ويشمل عشرة دول هي البرازيل والأرجنتين والأوروغواي والباراغواي وتشيلي والبيرو وبوليفيا وكولومبيا وفنزويلا والإكوادور. تأسّس هذا التكتل عام 1991 ويُعتبر أسرع التكتلات نمواً في العالم
5- تكتل أريكوم: وهو سوق مشتركة لدول منطقة الكاريبي ويشمل 12 دولة نامية ومنها هايتي وجامايكا وغرينادا وسورينام ودول أخرى صغيرة، وساعدها هذا التكتل على تحسين اقتصادها بشكل نسبي كونها دولاً ضعيفة وصغيرة، ولكنّ وجودها داخل هذا السوق ساعد في إنقاذها من ازدياد حالات الفقر ومن تفشي البطالة بداخلها كما يحصل في دول صغيرة في مناطق مماثلة.
وأمّا التكتلات الاقتصادية غير الناجحة أو المتعثرة فهي التكتلات الخمسة التالية:
1- الاتحاد الاقتصادي الأوراسي: تأسّس سنة 2014 ويشمل خمس دول هي روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان وأرمينيا وقرغيزستان، ولم ينجح هذا التكتل بسبب هيمنة روسيا عليه وتبعية الدول المنضوية فيه لها سياسياً تبعيةً شبه مُطلقة.
2- الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة: أعلن عن إنشائه عام 2020 ويتكون من 15 دولة، عشر منها الدول العشر الموجودة في تكتل آسيان وخمس دول أخرى هي الصين واليابان وأستراليا ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية، وسبب فشل هذا التكتل هو وجود دول كبيرة فيه ودول متقدمة تتناقض مصالحها وتختلف مشاربها السياسية بعضها عن بعض، بحيث تحاول الصين الهيمنة عليه بحكم قوة اقتصادها، لكنّ تنافس الصين من جهة مع كل من اليابان وأستراليا ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية من جهةٍ أخرى أدّى إلى هذا الفشل.
3- تكتل ايكواس لدول غرب أفريقيا:
تأسّس هذا التكتل وهو يعتبر سوقاً مشتركة بين دوله مُبكراً في عام 1975، وبدأ بدايةً جيدة بست دول تابعة لبريطانيا وهي نيجيريا وغينيا وغانا وغامبيا وسيراليون فنجح جزئياً، ثمّ قامت فرنسا بعد ذلك بإدخال دول تابعة لها فيه كمالي والسنغال وغيرهما، فأصبح عدد دوله 15 دولة تعداد سكانها قرابة الــ350 مليون نسمة، ثم حاولت فرنسا أيضاً إقحام عملة الفرنك الأفريقي التابع لها إلى جانب عملة الايكو البريطاني فحدث شقاق بين المجموعتين، وتغلّب على التكتل الجانب السياسي، ونشبت النزاعات السياسية، فتحوّل إلى تكتل سياسي فاشل ضعف تجارياً واقتصادياً.
4- تكتل مجموعة شرق أفريقيا:
وهو سوق مشتركة حديثة تأسّست عام 2010 مؤلفة من 7 دول شرقي أفريقيا وهي كينيا وتنزانيا وأوغندا وبوروندي ورواندا والكونغو وجنوب السودان، ولعل سبب فشلها نشوب الحروب الأهلية في الكونغو وجنوب السودان وعدم تجانس اقتصاداتها.
5- تكتل مجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية:
وهي سوق مشتركة تأسست عام 1992 مؤلفة من 9 دول هي أنغولا وبوتسوانا ومالاوي وموزمبيق وتنزانيا وزامبيا وزيمبابوي وليسوتو واسواتيني وبعض هذه الدول معزولة وحبيسة داخل دول أخرى، ولم ينجح التكتل في رفع مستوى الكثير من هذه الدول وانتشالها من الفقر الشديد.
هذه هي أهم التكتلات الاقتصادية الإقليمية الموجودة في العالم والتي غابت عنها معظم البلاد الإسلامية كجميع الدول العربية وباكستان وبنغلادش وتركيا وإيران والتي فشلت في إنشاء تكتلات لها، وهو ما أضعف من قوتها وجعلها عالة على غيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق