ثلاثة نماذج حديثة تؤكّد على انتهازية أمريكا في احتكارها للتكنولوجيا
تعتمد السياسة الأمريكية المُتعلقة بالتكنولوجيا مع سائر دول العالم على مبدأ انتهازي واحد وهو: الاحتكار والابتزاز والاستغلال، لا فرق عندها في التعامل مع سائرالدول سواء أكانت فقيرة أم غنية، متخلفة أم متقدمة، حليفة أم عدوة، فسياستها ثابتة وواحدة في هذا المضمار مع جميع الدول، وهي احتكار كامل للمعلومة التكنولوجية وحرمان غيرها من الاستفادة منها.
ولنأخذ ثلاثة نماذج عملية لهذه السياسة الأمريكية الابتزازية من ماليزيا والسعودية والصين على التوالي، فبالنسبة للنموذج الأول فقد كشف رئيس وزراء ماليزيا السابق مهاتير محمد عن أنّ دولته كانت قد اشترت من أمريكا طائرات F16 بأثمان باهظة وثبت أنّها لا تصلح إلا للاستعراضات الجوية، إذ أنّها لا تحتوي على برمجة ولا شيفرات، وحاولت ماليزيا تشغيلها للأغراض العسكرية فلم تعمل، فاضطرت للاتصال بامريكا من أجل ذلك، فأرسلت الأخيرة إليها المبرمجون، فقاموا بتشغيلها لقاء تكاليف جديدة فوق ثمنها الأصلي، وعلّق مهاتير محمد على ذلك بقوله إنّ قراراستخدام هذه الطائرات مرهون بالارادة الأمريكية.
أمّا النموذج الثاني فقد أعلن عن أنّ السعودية – وهي أكبر مشترٍ للأسلحة الأمريكية في العالم – قد وقّعت على عقديْن مع شركة لوكهيد مارتن الأمريكية لشراء ألف صاروخ جو ارض وجو بحر، وتبيّن أنّ قرابة نصف هذه الصواريخ المُشتراة موجودة أصلاً في السعودية، ولكنّها تحتاج إلى تحديث، أي أنّ السعودية تشتري هذا النوع من الأسلحة مرتين، فمرة تشتريها بدون برمجة ولا تحديث، ومرة تشتري تحديثاتها وبرمجتها، وبذلك يتبيّن أنّ قرار تشغيل هذه الصواريخ للاستخدام هو قرار أمريكي صرف، لأنّ تكنولوجيا الصواريخ تلك لا يملك استخدامها وتشغيلها إلا الأمريكيون، وهم فقط الذين يقومون بتشغيلها ضد اليمن مثلاً ، بينما لا يسمحون باستخدامها ضد كيان يهود حتى على فرض وجود إرادة لاستخدامها.
فشراء السعودية للأسلحة الأمريكية بهذه الطريقة تحوّل إلى وبال عليها وعلى المسلمين، وليس ذلك من باب تدمير البلدان الاسلامية كما حصل في اليمن، وقتل وتشريد وإفقارأهلها وحسب، بل ومن باب إفقار السعودية نفسها التي باتت تُهدر وبشكلٍ مُنظم عشرات المليارات من الدولارات سنوياًعلى هذه الأسلحة العقيمة.
فالدين السعودي يتضاعف سنوياً بسبب ذلك بمقدار 30 مليار دولار حيث بلغ في نهاية العام 2018 ما يزيد عن 153 مليار في حين بلغ 183 مليار دولار في نهاية العام 2019، وهذا ما جعل السعودية وهي - الدولة النفطية الغنية - تقترض هذا العام لوحده مبلغ كبير بقيمة 58 مليار دولار.
أمّا النموذج الثالث فمن الصين حيث وضعت أمريكا شركة هواوي الصينية وسبعين شركة أخرى مُرتبطة بها على لائحة العقوبات التي أقرّها الكونغرس، والتي بموجب هذه العقوبات تقوم الشركات الأمريكية والاجنبية التي تستخدم التكنولوجيا الأمريكية بمنع تصدير رقائق أشباه الموصلات المُتطورة إلى هواوي والشركات المُرتبطة بها، وتهدف هذه العقوبات بشكلٍ واضح إلى تعطيل برامج الصين المتقدمة في إطلاق مشروع الجيل الخامس المُراد استخدامه في شبكات الاتصالات وفي الهواتف النقّالة.
وتستغل أمريكا هيمنتها غلى قطاع رقائق أشباه الموصلات المُتطورة لاحتكار السيطرة على قطاع الاتصالات السريعة المُستقبلية، وإبعاد المنافسين لها.
إنّ هذه السياسة الأمريكية الاحتكارية التي تحبس المعرفة التكنولوجية لصالح شركاتها، وتحرم غيرها منها حتى ولو دفع هذا الغير أضعاف أثمانها، تعني أنّ أي دولة تُريد امتلاك التكنولوجيا امتلاكاً حقيقياً لا بد لها من الانفصال التكنولوجي عن أمريكا انفصالاً حقيقياً، وأنْ تكون العلاقات التكنولوجية بينها وبين أمريكا مبنية على أساس المعاداة لا على أساس التحالف والصداقة، لأنّه لا فائدة تُرجى من التحالف مع الأمريكان، والشواهد والتجارب أكبر دليل على ذلك.
والدولة الاسلامية القادمة قريباً بإذن الله ستعتمد في سياستها التكنولوجية على قواها الذاتية، وعلى أدمغة أبنائها، وعلى شراء التكنولوجيا باصولها وجذورها وبدون شروط، وإنّ وجود الإرادة الصلبة لدى الدولة الاسلامية إلى جانب قوة المبدأ كفيلان ببناء القوة التكنولوجية الاسلامية القادرة على تحدي أمريكا والعالم، ومن ثمّ استخدامها قي حمل رسالة الاسلام لنشر خيره وعدله ونوره إلى العالم أجمع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق