إلى أين تمضي مفاوضات طالبان مع الأمريكان؟
بعد عام من المفاوضات المتسارعة بين أمريكا برعاية عرّاب المفاوضات الخبيث الأمريكي من أصل أفغاني زلماي خليل زادة، الذي كان له نصيب كبير من جريمة إدارة الاحتلال الأمريكي لأفغانستان، وبين حركة طالبان في العاصمة القطرية الدوحة، والتي لعب أميرها دور السمسار الممول للمفاوضات خدمة لأمريكا، ونيلاً لحظوةٍ عندها، بعد هذه المفاوضات المضنية والمكثفة تكلّلت أخيراً بهدنة السبعة أيام والتي أسّست لتوقيع اتفاق سلام شامل بين الطرفين في الثامن والعشرين من شهر شباط/فبراير لهذا العام 2020 ورحّبت به كل من الإدارة الأمريكية وقيادة طالبان والوسطاء والعملاء.
من الواضح أنّ أمريكا كانت حريصة على إتمام المفاوضات وإنجاحها، فبالرغم من خروقات طالبان للمفاوضات كمقتل جنود أمريكيين على أيدي مقاتلي الحركة خلافاً لنهج التفاوض، إلا أنّ أمريكا تجاهلت ذلك، وابتلعت الإهانة، واستمرت في عملية التفاوض الصعبة إلى أن توصلت رسمياً إلى هدنة السبعة أيام.
فإدارة ترامب تُوقّع هذا الاتفاق مع الحركة من منطلق سياسي واقتصادي صعب، فهي تريد إنهاء تسعة عشر عاماً من الاحتلال العسكري الفاشل الذي لم يؤت أكله، بل كانت خسائر أمريكا فيه باهظة بالجنود والعتاد والأموال، فسقط حوالي أربعة آلاف جندي أمريكي، وأهدرت فيه عشرات المليارات من الدولارات من دون طائل...
فأمريكا التي تتبجّح عادة بمحاربة الإسلام تحت شعارات محاربة (الإرهاب والأصولية والتطرف)، وتدعو إلى الديمقراطية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة، تقف عاجزة أمام حركة طالبان، وتقبل بها كما هي، وتتخلّى حتى عن مطالبتها بأي شيء يتعلق بالمرأة التي طالما وصمتها بمعاداة المرأة، وبمنعها من أبسط حقوقها كحق التعليم.
إنّ هذا التراجع الأمريكي أمام طالبان يُعتبر أكبر دليل على أنّ أمريكا لا يهمها إلا مصالحها، فلا قيمة عندها لحقوق الإنسان ولا لحقوق المرأة، وكل ما يعنيها هو مصالحها فقط، وأنّ تهديد هذه المصالح هو الذي يُركّعها، وأنّ نقطة ضعفها المؤكدة هي مواجهتها في ساحة القتال، فهي لا تقوى على قتال المجاهدين، وهي أجبن من أنْ تصمد أمام عصبة مُقاتلة عن إيمان، وحرب التسعة عشر عاماً في أفغانستان كشفت عن مدى ضعفها العسكري على الأرض، وعن هشاشة إمكانياتها، وفشل مرتزقتها، ووجود الاستعداد لديها لتقديم التنازلات المهينة التي تمس بكبريائها.
إنّ ما فشلت فيه أمريكا في القتال ربما كسبته في المفاوضات، فأغرت حركة طالبان بالجلوس إلى طاولة المفاوضات، ووعدتها بانسحاب قواتها بشكل كامل من أفغانستان، وأقرّت لها بحقها في حكم البلاد، واستزلّت قدمها للسير في طريق الاعتراف الدولي بها، فقبلت طالبان بهذا العرض الأمريكي جهلاً منها بالواقع السياسي الذي بدا لها وكأنّه مُفيد لها، متجاهلة حقيقة أنّ أمريكا لا تفهم إلا لغة المصالح، وأنّ جرّها إلى التفاوض هو بحد ذاته من أكبر مصالح أمريكا، بل إنّه لعبتها المفضّلة.
لقد انتزعت أمريكا في جولات المفاوضات مع طالبان أربعة مكاسب ثمينة هي:
1- الامتناع عن مهاجمة الوجود الأمريكي في أي مكان.
2- عدم استضافة أي حركات إسلامية على الأراضي الأفغانية.
3- قبول التفاوض مع حكومة أشرف غاني الأفغانية العميلة لأمريكا.
4- القبول بالمعايير الدولية لمفهوم الدولة.
إنّ قبول طالبان بهذه الشروط الأمريكية يعني تخليها عن الجهاد وعن الارتباط الإسلامي العقائدي العالمي، كما يعني قبولها بمفهوم الدولة الوطنية من منطلقات أممية دولية مُناقصة للأحكام الشرعية، وخضوعها للتعامل مع مكوناتها التابعة لأمريكا، وهذا يعني بكل بساطة وللأسف الشديد سقوط الحركة في فخ المفاوضات مع أمريكا.
هناك تعليق واحد:
خدمات الشارقة – النجم
صباغ رخيص فى الشارقة
شركات دهان فى الشارقة
إرسال تعليق