الحوار الوطني
في الجزائر حل أم تحايل؟
شرع الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح الأسبوع الماضي
بتنفيذ خدعة سياسية جديدة للالتفاف على مطالب الجماهير في التغيير، والتحايل عليهم،
فطرح مُبادرة جديدة للحوار الوطني تقضي بإجراء مشاورات حول قائمة (الشخصيات الوطنية)
التي ستقود ما يُسمّى بالحوار الوطني للخروج من الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد،
والوصول بها إلى حل سياسي يُعيد للجزائر نوعاً من الاستقرار، وقال بأنّ:"
الانتخابات الرئاسية تبقى الحل الديمقراطي الوحيد والواقعي والمعقول، والدولة
ستوفر كل الشروط المطلوبة لإجراء الحوار الوطني"، ودعا بن صالح
الجزائريين إلى تبني مبادرته لأنها :" تتقدم على كل المصالح
الشخصية أو الحزبية"، وادّعى بن صالح بأنّه يترك للمُتحاورين اختيار
شخصيات وطنية توافقية ذات مصداقية ستشرف على الندوة الوطنية الجامعة، وعلى تشكيل
اللجنة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات بعيدًا عن تدخل الإدارة الحكومية،
والمؤسّسة العسكرية.
فما
هي حقيقة هذا الحوار؟ وما هي مصداقيته؟ وهل بمقدوره التجاوب مع مطالب الثورة؟ أم
أنّ هذا الحوار هو مُجرد مُحاولة فاشلة للالتفاف على تلك
المطالب؟ وما هو مدى نجاح هذه المبادرة؟ وهل ثمة وجود حظوظ لها في اجتياز أزمة
الحكم المُزمنة في الجزائر؟
وتطبيقاً
لهذه المبادرة فقد بدأت جولة جديدة من جولات الحوار التي تعقدها الأحزاب المُتعطشة
للسلطة، ومعها الشخصيات السياسية المُتلهّفة للوصول إلى المناصب بأي ثمن.
وأعلن أنّ المُبادرة تهدف إلى ايجاد حل للأزمة
السياسية الراهنة المُستعصية في الجزائر، وأنّه قد شارك فيها أكثر من 500 شخصية
وُصفت بالمُستقلة تُمثّل قوى سياسية مُختلفة، منها: أحزاب معارضة، وممثلون من
القضاء، ومنظمات طلابية، وشخصيات فاعلة في ما يُسمّى بالمجتمع المدني، وكان من
أبرز المُشاركين في الحوار علي بن فليس رئيس الحكومة الأسبق، وهو رئيس حزب طلائع
الحريات، وعبد الرزاق مقري رئيس حركة مجتمع السلم، وعبد الله جاب الله رئيس حزب
جبهة العدالة والتنمية، وجيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد، وعبد القادر بن قرينة
رئيس حركة البناء الوطني، وعمار جيدل الناطق باسم منتدى حراك المثقفين.
ويُعقد
هذا الحوار الذي هو جوهر المُبادرة تحت مظلة المنتدى الوطني للحوار، وذلك بعد فشل
مبادرتين سابقتين طرحهما بن صالح نفسه خلال الأشهر الماضية لتنظيم انتخابات رئاسية
في أقرب وقت ممكن، وذلك بعد أن ألغى المجلس الدستوري الانتخابات التي كانت مقررة
في 4 يوليو/تموز التي أسقطتها الثورة.
وتحت
شعار "الجميع متفق على الذهاب إلى انتخابات حرة ونزيهة"، بدأت فعاليات
المنتدى، وأداره الوزير السابق عبد العزيز رحابي الذي صرّح بأنّ: "المُجتمِعين
سيناقشون شكل الهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات وضمانات استقلاليتها"،
وأكّد:" أنّ المنتدى يهدف إلى صياغة مبادرة سياسية تكون أرضية للشعب
والسلطة لإرساء حوار شامل" ، ويدّعي
المجتمعون أنّ المنتدى الوطني للحوار جاء لدعم ومساندة مطالب الحراك الشعبي، بخاصة
ما يتعلق برحيل كل رموز نظام بوتفليقة.
من الواضح الذي لا يخفى على أي
سياسي حصيف أنّ الذين شاركوا في الحوار هم غالبية الأحزاب (الوطنية) و(الإسلامية)
التي كانت جزءاً من نظام بوتفليقة البائد، وقد طالبوا:" بتشكيل حكومة
كفاءات لتحضير انتخابات رئاسية حرة وشفافة، وإبعاد كل المسؤولين المتورطين في
الفساد خلال حكم النظام البائد" مُدّعين أنّهم مع الثورة ومطالبها،
وخلصت توصيات المُتحاورين في المُنتدى إلى المطالبة برحيل حكومة نور الدين بدوي
للتأكيد على نفس مطالب الثوار، وتشكيل ما أسموه بحكومة كفاءات تحل محلها، على أن
تكون لها وحدها حق إدارة هذه الأزمة حتى تنظيم انتخابات رئاسية، وزيادةً في
تملق الحراك الشعبي قال منسق فريق الحوار في
الجزائر كريم يونس إن من بين المطالب الموافق عليها الاتفاق على تنفيذ إطلاق سراح
كل معتقلي الحراك، واحترام قوى الأمن لطابع المسيرات السلمي، ووقف كل أشكال تعنيف
المتظاهرين.
وهكذا
قرّر المجتمعون دعم ما جاء في خطاب الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح، إذ اتفقوا
على ضرورة إنشاء ما أسمّوه "هيئة تسيير الحوار"، وإنشاء هيئة
وطنية مستقلة لها الحق في الإعلان عن الانتخابات الرئاسية، وزعموا أنّ الحوار
الوطني بهذه الطريقة إنّما هو استجابة حقيقية للاحتجاجات الحاشدة المطالبة
بإصلاحات سياسية، وليس استجابة لمبادرة الرئيس المؤقت بن صالح.
إنّ
هذا الحوار لا يُمثّل الثورة ولا الثوار، فالمُشاركون فيه هم ممّن ساهما في تثبيت
النظام السابق، بل إنّ منهم من كان يقف إلى جانب رأس النظام كعلي بن فليس رئيس
الوزراء الأسبق، ومنهم الوزراء والمدراء الذين حافظوا وما زالوا يُحافظون على جوهر
النظام، وبالتالي فالحوار يفتقد المصداقية، ولا يُمثّل طموح الثورة في التخلص من
كل رموز العهد القديم، فضلاً عن أنّ الأسماء البارزة في الحوار كعبد الرزاق مقري
رئيس حركة مجتمع السلم، وعبد الله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية،
وغيرهم من السياسيين هي نفس الأسماء التي كانت تُنافق بوتفليقة.
أمّا
ركوبهم لموجة الثورة فهو عمل سياسي خبيث مُضلّل لإبقاء الدولة بنظامها السابق
المُوالي للإنجليز، والضامن لهيمنة ضباط بريطانيا ورجالاتها في الحكم مع إجراء بعض
التغييرات التحسينية الطفيفة.
وأمّا الاطاحة بجنرالات فرنسا ورجالها فهو الثمن
الذي قدّمته فرنسا مُرغمة لرجال الانجليز، فبريطانيا قد ضحّت بمنافسيها السياسيين
من جنرالات فرنسا لضعفهم وانكشاف أمرهم أمام الثوار، وبذلك يكون رجال الانجليز قد
احتكروا السلطة بمفردهم، مُستغلين كراهية الشعب لرجال فرنسا الدمويين، وكما قال
أحد الاعلاميين الجزائريين: " الكل يعلم أن الشعب على
علم بالمرحلة الدموية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، وهم ( ضباط
فرنسا ) وهذه الفئة هي أكثر فئة مكروهة عند الجزائريين والكل يعلم أنهم
تحكموا في مفاصل الدولة في التسعينيات".
فهذا الحوار
إذاً هو مُجرد حوار بين قوى سياسية عميلة مُتآمرة على الثورة، تريد الاستحواذ على
السلطة، وتعمل على إبقاء النفوذ الانجليزي في البلاد إلى ما لا نهاية، لقاء تمتعها
الشخصي بالحكم، ومصيره لا محالة إلى زوال، لذلك فنحن في حزب التحرير نناشد قادة
الثورة وأهل القوة أنْ يلتفوا حول مشروع التغيير الحقيقي، وهو مشروع الاسلام
العظيم الذي هو المشروع الوحيد الذي يضمن التخلص من النفوذ الاستعماري الغربي، وهو
فقط الذي يضمن تطبيق أحكام الاسلام وعدله على الناس من خلال بناء دولة الخلافة
الراشدة العابرة للحدود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق