انعقدت يوم الخميس 30/5/2019 قمتان عربيتان طارئتان في مدينة مكة المكرمة بدعوة من مملكة آل سعود، وهما قمة التعاون الخليجي وقمة الدول العربية، وذلك لبحث ما وُصف بالتصعيد الإيراني في المنطقة، وتبعتها في اليوم التالي الجمعة 31/5/2019 قمة ثالثة وهي القمة الدورية لمنظمة مؤتمر التعاون الإسلامي، وأريد لهذه القمم أنْ تكون بمثابة حشد عربي وخليجي و(إسلامي) في مُواجهة إيران.
وكانالغالب على هذه القممالثلاث التي ترأسّها الملك سلمان وبناء على دعوته عنوان واحد وموضوع واحد وهو مواجهة التحديات والمخاطر الإيرانية، وردع إيران وتحجيمها ووقف تهديداتها ومنعها من التدخل في الشؤون العربية.
طالب الملك سلمان في افتتاح القمة الخليجية المجتمع الدولي - أي أمريكا - استخدام كل الوسائل لمنع إيران من التدخل في شؤون الدول الأخرى، وقال: "إن دعم النظام الإيراني للإرهاب وتهديده للأمن والاستقرار في المنطقة يهدف إلى توسيع النفوذ والهيمنة"، ولا يخفى على أحد حقيقة هذا العجز العربي الرسمي الذي يتمثل في مثل هذه القمم العربية وذلك عندما يتم فيها مُطالبة ما يُسمّى بالمجتمع الدولي بالقيام بالدور الذي يجب على الدول العربية أن تقوم به بنفسها.
وواضحٌ أنّ هذه القمّم لا تختلف عن سابقاتها من القمم العربيّة والخليجيّة و(الإسلاميّة) التي كانت قمماً هزيلةً على مُستوى الحضور، وعلى مُستوى النتائج، وظهر فيها أنّها عاجزة لا تقوى على فعل شيء دون الرجوع إلى أمريكا باعتبارها (الوصية) عليها، وهي بذلك لم تزد عن كونها تظاهرات إعلامية باهتة، صاحبها إلقاء خطابات إنشائيّة مُبتذلة مُملّة.
ولكن الشيء الجديد اللافت فيها أنّها كانت مُتوائمة ومُتساوقة ومُنسجمة تماماً مع التصعيد الأمريكي ضد إيران، لدرجة أنّ السعودية لوّحت في هذه القمم الثلاث بالسيف الأمريكي بكل صراحة، فقدّمت الإدارة الأمريكية على نفسها في مُواجهة إيران، فقال وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير وكأنّه مُتحدّث باسم أمريكا: "إنّ إدارة ترامب والسعودية لن تقبلا باستمرار السلوك الإيراني العدائي في المنطقة"، في إشارة إلى استهداف منشآت سعودية وناقلات نفط في مياه الخليج من إيران ومليشياتها، حيث تمّ استهداف أربع سفن تجارية بالمياه الإقليمية للإمارات، بينهما سفينتان سعوديتان، بالإضافة إلى استهداف المليشيات الحوثية لمحطتي ضخ نفط تابعتين لشركة (أرامكو) السعودية، ولبعض المواقع الأخرى، وهو ما أدّى إلى تزايد التوتر في المنطقة، والتلويح بنشوب حرب كُبرى فيها.
إنّ هذه القمم الثلاث جاءت أيضاً في ظل تهديدات لفظية متبادلة بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني صاحبها إرسال أمريكا حاملة الطائرات (أبراهام لنكولن) وطائرات قاذفة إلى المنطقة، بدعوى وجود معلومات استخباراتية أمريكية حول احتمال شنّ إيران هجمات ضد المصالح الأمريكية بالمنطقة، وهو ما يُرجّح أنّ هذه القمم إنّما كانت استجابة واضحة للرغبة الأمريكية بتصعيد المواجهة مع إيران من أجل ما زُعم بوقف تهديداتها، ومن أجل الحفاظ على أمن واستقرار المنطقة.
وبما أنّه قد ثبت أنّ أمريكا هي التي تقف وراء السعودية في هذه القمم فيجب على السياسيين ملاحظة الأهداف الأمريكية المطلوب تحقيقها منها، ولعل أبرز هذه الأهداف تتمثل في إبقاء المنطقة في حالة عدم استقرار باستمرار، واستخدام إيران كفزّاعة لحلب المزيد من ثروات المنطقة، ولاعتبار أنّ عدوّ العرب الرئيسي هو إيران وليسكيان يهود، ولتبرير إيجاد تطبيع عربي جماعي مع كيان يهود قبل حل المشكلة الفلسطينية، وللضغط من أجل إجبار إيران على توقيع اتفاق نووي جديد تخسر من خلاله الدول الأوروبية استثماراتها فيها، وللتلاعب بسعر النفط بما يتناسب مع زيادة إنتاج أمريكا منه بعد نجاحها في استخراجه من الزيت الصخري بكميات تجارية بكلفة معقولة، ولإحكام السيطرة الأمريكية بشكلٍ إجمالي على منطقة الشرق الأوسط من دون مُنازع.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق