أرسلت أمريكا مؤخراً تعزيزات عسكرية لافتة للنظر إلى منطقة الخليج تضمّنت حاملة طائرات وقاذفات من طراز (بي-52) وصواريخ باتريوت، وطائرات وأسلحة مختلفة، في استعراض واضح للقوة، وفي ظل ادعاءات أمريكية متزايدة بوجود تهديدات إيرانية للقوات والمصالح الأمريكية في المنطقة، وفي ظل أحاديث عن خطورة إيران على الغرب، وعن تنامي قدراتها العسكرية، وتصويرها بأنّها دولة قوية تُريد ابتلاع منطقة الخليج، وفرض هيمنتها عليها.
وفي المقابل تصدر عن إيران تصريحات عنترية لمسؤولين عسكريين وسياسيين تتحدث عن قوة إيران الجبارة، وعن قدرتها الرهيبة على إزالة كيان يهود، وقدرتها الخارقة على تقويض أمن الخليج في حال تعرضها لأي اعتداء.
وجاء في تقريرِ لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عزم الإدارة الأمريكية على إرسال أكثر من 120 ألف جندي أمريكي إلى المنطقة ضمن استعدادات أمريكية في المنطقة تحسبا لأي (فعل إيراني) يُهدّد المصالح الأمريكية، وإن كان تمّ نفي الخبر فيما بعد رسمياً.
وأوجد هذا الحشد الأمريكي توتراً بالغاً في المنطقة، وأشغلها عن بحث قضايا أكثر أهمية، كما وأدّى إلى بروز تخمينات كثيرة بخصوص إمكانية قيام أمريكا بضرب إيران ضربة سريعة موجعة.
إنّ هذه الطريقة في شيطنة إيران ليست جديدة على الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وإدارة ترامب ليست هي الأولى في سلوك هذا الطريق، وإن كانت الأكثر فعالية في لعب هذا الدور الخبيث لابتزاز الدول الأخرى، والتعامل معها على قاعدة دفع الأموال مقابل الحماية، فتتم شيطنة إيران لتقوم بهذا الدور الخبيث كما هو مرسوم.
ومنذ مجيء ترامب إلى الحكم لم يكتفِ بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، بل اتخذ قراراً بفرض حزمة عقوبات أمريكية شديدة على إيران، وكذلك فرض عقوبات على الدول والشركات التي تتعامل معها، لا سيما الدول والشركات الأوروبية التي لم تلتزم بتنفيذ تلك العقوبات.
ومن ناحية نظرية رفضت أوروبا العقوبات الأمريكية على إيران، فقد صدر بيان مشترك للدول الأوروبية على لسان فيدريكا موغيريني رئيسة مفوضية الاتحاد الأوروبييرفض فيه العقوبات الأمريكية جملة وتفصيلاً، ويُطالب بإيجاد حل مُناسب للواقع السياسي الجديد الذي أفرزته عقوبات أمريكا، والتي شعرت أوروبا معها بحرجٍ شديد، فهي من جهة لا تستطيع دفع العقوبات الأمريكية عن شركاتها، ومن جهةٍ ثانية فهي لا تستطيع التضحية بمصالحها الكبيرة داخل إيران.
لذلك كانت العقوبات الأمريكية ما هي في الواقع سوى عقوبات ضدّ الأوروبيين وليست ضدّ إيران، لأنّ إيران اعتادت على مثل هذه العقوبات منذ أربعين عاماً، ورُبما بفضل تلك العقوبات استطاعت إيران أنْ تُطوّر شيئا من قدراتها الصناعية في المجالات العسكرية والاقتصادية، والاعتماد على نفسها بشكلٍ أفضل من الدول الأخرى غير المعاقبة.
وهناك دلالة أخرى يُمكن فهمها من هذا التصعيد الأمريكي ضد إيران، وهي أنّ السعودية وعدداً من الدول الخليجية الأخرى وافقت مؤخراً - وتحت ذريعة هذه الفزّاعة الإيرانية - على طلب أمريكا بإعادة انتشار قواتها العسكرية في مياه الخليج، وعلى أراضي دول خليجية، فقد نقلت مصادر لقناة الجزيرة أنّ إعادة الانتشار هذه جاءت بناء على اتفاقات ثنائية بين واشنطن والدول الخليجية، وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن اجتماعاً عُقد مؤخراً في مقر القيادة المركزية للقوات البحرية الأمريكية في البحرين، ضمّ رؤساء القوات البحرية الأمريكية، وكبار القادة العسكريين في دول مجلس التعاون الخليجي، وأكد الاجتماع على وجود التعاون والالتزام المتبادل بضمان أمن واستقرار الملاحة البحرية خاصة مع تزايد حدة التوتر العسكري بين إيران وأمريكا.
وبذلك تتمكّن أمريكا بتلك العقوبات من ضرب المصالح المنافسة الأوروبية في إيران، وتسعى كذلك لإعادة تموضع قواتها في منطقة الخليج بطريقة أفضل، وتستمر أيضاً في استنزاف ثروات وأموال دول الخليج بحجة حمايتها، والدفاع عنها من خطر الدولة الإيرانية، وفي الوقت نفسه تعمل هذه العقوبات على شيطنة إيران، واعتبارها الدولة الأولى في معاداة الدول العربية، وفي المقابل يُعتبر كيان يهود دولة مسالمة مطلوب من الدول القائمة في البلاد الإسلامية التصالح معها والتطبيع معها في أسرع وقت ممكن.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق