انعقدت قمة عربية أوروبية يومي الأحد والاثنين 24-25 شباط/فبراير بشرم الشيخ في مصر كانت الأولى من نوعها على هذا المستوى، ورفعت شعار (الاستثمار في الاستقرار)، وشارك فيها رؤساء وملوك وأمراء دول عربية وأوروبية من 50 دولة، وكان حضور الأوروبيين فيها لافتاً وكثيفاً، إذ حضر القمة 25 مسؤولا أوروبيا، وترأس المؤتمر كل من دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي، وجان كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية عن الاتحاد الأوروبي إلى جانب عبد الفتاح السيسي الذي تستضيف دولته القمة، وتمّ الاتفاق علىعقد مؤتمرات منتظمة بالتناوب بين الدول العربية والأوروبية على أن تكون القمة المقبلة في العاصمة البلجيكية بروكسل عام 2022.
لقد كان لافتاً في القمة كثافة الحضور الأوروبي، وبرز ظهور الأوروبيين بقيادة مُوحدة برئاسة الاتحاد الأوروبي والمجلس الأوروبي، كما كان لافتاً في المؤتمر مُحاولة الأوروبيين الظهور كقوة بديلة عن أمريكا والصين وروسيا في المنطقة، فقال دونالد توسك رئيس المجلس الأوروبي: "إن المنطقتين الجارتين يجب أن تعملا معاً في مواجهة قوى دولية بعيدة عن منطقتنا"، إشارةً إلى الصين وروسيا، ونقلت وكالة فرانس برس عن مسؤول أوروبي لم تُسمّه قوله: "لا نريد أن تملأ روسيا والصين الفراغ الذي ستتركه الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن الأوروبيين يرون في هذه القمة فرصة للمحافظة على مصالحهم الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية.
وتضمن البيان الختامي ضرورة تعزيز الشراكة العربية الأوروبية ودعم "نظام دولي حقيقي ومتعدد الأطراف" إشارة إلى الرفض الأوروبي لفكرة الأحادية القطبية الأمريكية.
فالأوروبيون وبحسب وكالة فرانس برس يُريدون التواجد في المنطقة العربية جنوب المتوسط من أجل مواجهة روسيا والصين الساعيتين لملء الفراغ الذي قد ينشأ حال الانسحاب الأمريكي منها.
وقد جاء في البيان الختامي اتفاق الطرفينعلى "مزيد من التعاون لإرساء الأمن وتسوية النزاعات والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة، وعلى أهمية تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، وإرساء شراكة قوية مبنية على الاستثمار والتنمية المستدامة، والالتزام بتطوير برنامج عمل تعاوني إيجابي في مجالات التجارة والطاقة".
وهذا الكلام يعني محاولة جماعية من الأوروبيين للسيطرة مُجدّداً على المنطقة العربية بعيداً عن الوصاية الأمريكية، وعن التعاون مع أية قوى دولية أخرى.
وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية نأت أوروبا بنفسها عن مشاريع إدارة ترامب، وخاصة ما يتعلق منها بما بات يُعرف بمشروع القرن، وعادت إلى الصيغ التقليدية لحل القضية فجاء في البيان الختامي: "أعدنا التأكيد على مواقفنا المشتركة من عملية السلام في الشرق الأوسط بما في ذلك بشأن وضع القدس وعدم شرعية المستوطنات (الإسرائيلية) في الأراضي الفلسطينية المحتلة وفقا للقانون الدولي، وأعدنا التأكيد على التزامنا بالتوصل إلى حل الدولتين وفقا لكافة قرارات الأمم المتحدة بوصفه السبيل الواقعي الوحيد لإنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 والذي يشمل القدس الشرقية والتوصل إلى سلام عادل ودائم وشامل بين (الإسرائيليين) والفلسطينيين عبر مفاوضات مباشرة بين الأطراف تتناول كافة قضايا الحل النهائي".
وأمّا عن الوضع في سوريا فركزوا على أنّ أي "تسوية مستدامة تتطلب عملية انتقال سياسية حقيقية وفقا لإعلان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة قرار مجلس الأمن رقم 2254"، رافضين بشكل غير مباشر الموقفين المُتفردين - الأمريكي والروسي - من سوريا.
وأمّا عن الصراع في ليبيا فتمسك الأوروبيون باتفاق الصخيرات الذي رعاه الأوروبيون أنفسهم.
وهكذا وضع الأوروبيون أسس سياسة خارجية موحدة تقوم على قاعدة نبذ الخلافات الداخلية، واستقلالية الموقف الأوروبي بعيداً عن التنسيق مع الموقف الأمريكي، كما أبرزوا تحدياً واضحاً للحضور الروسي والصيني في منطقة يعتبرونها ما زالت جزءاً من مستعمراتهم.
وأمّا حكام الدول العربية العملاء لأمريكا فظهروا كمن لا يعنيهم الصراع الدولي على منطقتهم، وحرصوا فقط على الدفاع عن عروشهم المهتزة، وإعطاء انطباع بقدرتهم على جلب القادة الدوليين لتلميع صورتهم المشوهة، كالسيسي مثلاً الذي دافع عن جرائمه في إعدام الأبرياء مُدّعياً أنّ "عقوبة الإعدام التي تصدرها المحاكم الجنائية في مصر وسيلة لأخذ حقوق ضحايا الهجمات الإرهابية بالقانون".
وأمّا الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز فشطح بعيداً، وغرّد خارج السرب، وتحدث عن حل القضية الفلسطينية على أساس تقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق وفقاً للمشروع البريطاني المقدم عام 1937، والذي يُقسّم فلسطين إلى دولة يهودية وأخرى عربية وثالثة دولية، ولا ندري إنْ كان هذا من باب الجهل والخطأ والتخريف، أم كان من باب التشويش على الدور الأردني في إدارة المسجد الأقصى، لكن على أية حال فقد حُسم الأمر، وقامت الحكومة السعودية بتصحيح ما اعتبرته خطأً، وقالت بأنّ الملك يقصد ما ورد في المبادرة العربية من انسحاب اليهود إلى حدود الرابع من حزيران عام 1967 وفقاً للقرارات الدولية المعروفة.
وهكذا ظهر طرفا المؤتمر على حقيقتهما، فأوروبا ظهرت كقوة موحدة تتخذ قراراتها باستقلالية تامة، وكأنّها تُريد أن تعود إلى مستعمراتها القديمة مُنفردة، مُتجاوزة أمريكا، ومُتحدية روسيا والصين، بينما ظهر حكام العرب كعادتهم لا تعنيهم الصراعات والحلول الدولية، وجُلّ ما يفكرون به هو إثبات قدرتهم على حفظ عروشهم.
لكنّ الشعوب العربية المسلمة أدركت ومنذ زمن بعيد أنّ مثل هذه القمم لا تُسمن ولا تُغني من جوع، ولا تخدم إلا القوى الاستعمارية، وأنّ مشروع الإنقاذ الوحيد المُتبقي لديها هو المشروع الإسلامي الذي يُوحدها في دولة الإسلام الحقيقية، والتي من خلالها تستطيع الأمّة العودة إلى الحلبة السياسية بقوة وجدارة وفاعلية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق