الأربعاء، 27 يونيو 2018

ماذا وراء جولة كوشنر وغرينبلات الاخيرة في المنطقة


ماذا وراء جولة كوشنر وغرينبلات الاخيرة في المنطقة




أنهى المبعوثان الأمريكيان جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والموفد الأمريكي الخاص لشؤون المفاوضات جيسون غرينبلاتجولةً سريعة في الشرق الأوسط شملت مصر والسعودية وقطر والأردن وكيان يهود، ولم يتسرّب عن الجولة أية مُقترحات سياسية مُحدّدة تمّ التوافق عليها، كما ولم تتبلور فيها أية معالم واضحة حول خطة ترامب المعروفة بصفقة القرن، وكل ما خرج من الصحفيين عنها هو مجرد تكهنات واجتهادات.
ولعل الشيء اللافت الذي برز في تصريحات المسؤولين في هذه الجولة هو التطرقإلىالوضع الإنساني في قطاع غزة، والبحث عن أفكار (مبهمة) لفصل غزة وتمييزها في التعامل عن الضفة، والطلب من السعودية ودول الخليج القيام بعملية تمويل شاملة لقطاع غزة بنحو مليار دولار بذريعة معالجة الأزمة الإنسانية التي يعاني منها قطاع غزة.
أمّا التسريبات اليهودية فقد امتلأت بها الصحافة العبرية، وجلّها أفكار ليكودية معروفة لنتنياهو عن الخطة، وكأنّها خطة يُمليها اليمين اليهودي على ترامب وليست من الأمريكيين، من مثل ضم جميع المستوطنات والأغوار إلى كيان يهود، والإسقاط التام لمسألتي القدس واللاجئين من عملية التفاوض وذلك بتأجيل البحث فيهما إلى أجلٍ غير مُسمّى، وأنْ يُقام كيان فلسطيني مسخ في مناطق (أ) و(ب) وفق تصنيف اتفاق أوسلو، مع إضافة أراضٍ جديدة من المنطقة (ج)، ومن ثمّ يتم الإعلان عن دولة فلسطينية في هذه المناطق المحدودة بشرط أن تعترف جميع دول العالم بـ"دولة (إسرائيل) كوطن قومي للشعب اليهودي، وبدولة فلسطين كوطن قومي للشعب الفلسطيني، وتضمن (إسرائيل) حرية العبادة في الأماكن المقدسة للجميع مع الإبقاء على الوضع القائم فيها"، ويُبدأ فوراً بتطبيع العلاقات وإقامة سلام بين كيان يهود والدول العربية.
إنّ هذه الجولة للمسؤولين الأمريكيين توحي بأنّ هناك خطة أمريكية شبه ناجزة لحل قضية فلسطين، وأنّها في المخاض الأخير، بينما في الواقع لا يوجد أي شيء واضح أو ثابت في الخطة غير اسمها، وما يتعلق بإنشاء علاقات تطبيع وسلام بين كيان يهود وبين الدول العربية، وبالذات إقامة علاقات مع السعودية ودول الخليج.
من ناحية عملية سعت الإدارة الأمريكية من خلال هذه الجولة إلى إبراز أمور عدة باستخدام أسلوب العصا والجزرة ومنها:
* استمرار تجميد أمريكا لمساعداتها المخصصة للسلطة الفلسطينية لعام 2018 (وهي نحو 251 مليون دولار)، فقد جمّد البيت الأبيض منها مبلغ 200 مليون دولار، بالإضافة إلى تجميد مبلغ 65 مليون دولار مخصص لـ"وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) مُتجاهلاً توصيات وزارة الخارجية الأمريكية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية باستئناف هذه المساعدات.
* قيام البيت الأبيض بتوجيه رسائل (إيجابية) للسلطة الفلسطينية، وذلك عبر تسريبات إلى الصحافة في كيان يهود تُفيد بأنّ خطة السلام ستكون أساساً للتفاوض وليس حلاً مفروضاً، وبأنّ واشنطن ما تزال تعتبر رئيس السلطة محمود عباس المحاور الفلسطيني الوحيد، وأنها لا تحاول تجاوزه، ولعلّ هذا هو ما حاولت الصحافة الأمريكية أيضاً إظهاره.
* كشف البيت الأبيض تباعاً عن خطة (جزرة) لتوفير تمويل خليجي لمشاريع اقتصادية في قطاع غزة بقيمة مليار دولار، بما في ذلك توفير الطاقة في ظلّ الانقطاع المتواصل للكهرباء في القطاع، وإنشاء ميناء بحري، وشبكة للطاقة الشمسية شمال سيناء على الحدود الجنوبية لغزة، والهدف المُعلن لهذه الخطوة هو أنها تساهم بتوفير مناخ إيجابي يساعد على تحريك المفاوضات.
* قبول أمريكي محدود بإشراك الأوروبيين في وضع اللمسات الأخيرة للخطة، وبرز ذلك من خلال الدور البريطاني المُتجسد في سعي وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون لعقد اجتماع موسّع الشهر المقبل بين كوشنر ووزراء خارجية كل من فرنسا وبريطانيا وألمانيا ومصر والأردن والسعودية وكيان يهود، لمقارنة الأفكار وتحديد ما هي (الخطوط الحمر) لأي مسار تفاوضي، في ظل محاولة أوروبية للدخول على الخط الأمريكي، ولمُحاولة وضع ضوابط أوروبية على خطة البيت الأبيض التي على ما يبدو تمّ إنجاز الكثير منها من دون أية مشاورات مسبقة مع بريطانيا والدول الأوروبية، وفي ظلّ تباين كبير بين الطرفين على خلفية الصدام بينهما حول الملف النووي الإيراني، وملف الرسوم التجارية، مع العلم بأنّ كوشنر في إجابته لبوريس جونسون كان واضحاً جداً إذ أصرّ على أنّ الأمر في النهاية متروك لترامب ليقرر وحده ما هو مدرج في الخطة الأمريكية، فلا تُقبل أي إضافة جوهرية عليها من قبل بريطانيا وأوروبا.
والظاهر أنّ أمريكا لا تُريد منح الأوروبيين فرصة للعبث بخطتها بحجة تحديد (الخطوط الحمر)، لأنّها لا تُريد أنْ تُسلّم بوجود الأوروبيين كشريك، بينما تقبل بهم كطرف شاهد ليس إلا، ومعلوم أنّ أمريكا هي التي أطاحت بالرباعية الدولية، واحتكرت الملف الفلسطيني، وبالتالي فلا يُتوقع أنْ تعود للخطأ نفسه.
وفي ظل الرفض الطبيعي للطرف الفلسطيني للخطة، لاستحالة قبوله بها، كون القبول بها ينسف الثوابت الدولية المُتوافق عليها، والمُلتزم بها، وهو ما لا يستطيع أي زعيم فلسطيني أنْ يتخلّى عنها، لأنّه إن فعل يسقط في الحال، حتى إنّ إدارة ترامب نفسها تُراعي الخصوصية تلك للسلطة الفلسطينية، فلا تضغط عليها لحملها على القبول بالصفقة لمعرفتها بصعوبة وضع السلطة إن هي قبلت بها.
ففي ظل هذا الرفض المُتوقع لها لم يبق للصفقة من معنى إلاّ التطبيع وإقامة سلام بين كيان يهود والدول العربية، وبالذات الخليجية، فالجزء الممكن تطبيقه من الصفقة هو هذا السلام وهذه العلاقات، أمّا تصفية قضية فلسطين من خلال صفقة القرن فغير مُتاح، فيما يتم إشغال أهل فلسطين بالمواضيع الاقتصادية كتعمير غزة، وبالخلافات السياسية التي لا تنتهي كالمصالحة وحكومة التوافق والانتخابات وما شاكلها.
ولعل انخفاض مستوى الجهة الأمريكية التي تتولى هذا الملف الحسّاس يُشير إلى عدم جدية أمريكا في الحل، فتسليم الملف إلى كوشنر وغرينبلات، وتهميش الدور التقليدي لوزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي فيه يؤكد على أنّ أمريكا في النهاية لا تُريد من الصفقة أكثر من موضوع التطبيع.
إنّ انحطاط الحكام العرب إلى هذا الحد، وعمالتهم، ولهاثهم وراء كيان يهود والتطبيع معه، وعدم اكتراثهم بحقوق الأمة، لهو دليل أكيد على قرب زوال عروشهم، وهو بشرى بقرب انبلاج أول أشعة الفجر، فجر بزوغ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي ستُحرّر فلسطين من نهرها إلى بحرها، والتي ستقطع أيادي أمريكا وتمنعها من العبث بمقدرات الأمّة، والتي ستقوم بكنس جميع أنظمة الخيانة الجاثمة على صدر الأمة.

ليست هناك تعليقات: