الخميس، 3 سبتمبر 2015

الخلافات بين الاصلاحيين والمحافظين في ايران شكلية ولا تؤثر في صنع القرار السياسي



خلافات القيادات الايرانية مسألة شكلية ولا تؤثر في صنع القرار الإيراني



 تظهر بين الفيْنة والأخرى في أروقة صُنّاع القرار السياسي الإيرانية اختلافات سياسية يصعب جسرها،  على مستوى القيادات العليا في إيران، بدأت تطفو على السطح، ويُظن بأنّها ستُحدث تأثيراً بيّناً في السياسة الإيرانية الداخلية والخارجية، ويبدو معها أنّها قد تؤثّر في صنع القرار الإيراني، أو أنّها قد تُغيّر في الاتفاقات الدولية التي أبرمتها إيران مع القوى العالمية كالاتفاق النووي الذي وقّعته إيران مع الدول العظمى الخمسة زائد واحد، أو أنّها قد تؤدي إلى تغييرملموس في بُنية النظام السياسي في داخل إيران نفسها، والسؤال الذي يطرح نفسه هو : هل لهذه الاختلافات انعكاسات جدية على القرار السياسي الايراني؟ وهل لها إسقاطات منظورة على الواقع؟
يُقال بأن          المرشد آية الله خامنئي يُعارض الاتفاق النووي، وقد نُقل عن مقربين منه كرئيس تحرير صحيفة كيهان الإيرانية المحافظة حسين شريعتمداري قوله إن : "خامنئي لم يوافق علناً على الاتفاق أو يرفضه"، وقال شريعتمداري في افتتاحيته إن أجزاءاً كثيرة من الاتفاق تُهدد استقلال وأمن إيران، وما سمّاه بـ"قداسة النظام الاسلامي للجمهورية" في ايران، معتبراً - من دون ان يحدد هذه الأجزاء -  بأنه سيكون "كارثياً اذا تم تنفيذ الاتفاق"، وأضاف: "سواء تمت الموافقة على هذا النص أو تم رفضه، لن نسمح لأحد بأن يضر المبادئ الرئيسية لـ(حكم) النظام الإسلامي".
وفي السياق نفسه انتقد ممثل بارز لخامنئي وهو أحمد علم الهدى الاتفاق النووي قائلاً انه "تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها خامنئي"، وقال بأنّه :"لا ينبغي للأجانب أن يصلوا الى الأجهزة الأمنية الإيرانية، لكن الاتفاق ينتهك ذلك بالسماح للمفتشين بزيارة مواقع عسكري".
وكان خامنئي بالمقابل قد صرّح لوكالة الانباء الطلابية "ايسنا": " ان مفاوضينا النوويين يحاولون سلب العدو سلاح العقوبات فاذا نجحوا في محاولاتهم فان ذلك سيكون جيدا واذا لم يفلحوا فإن على الجميع ان يعلموا ان هناك طرقا اخرى للحد من سلاح العقوبات"، واشار الى مقولة الرئيس الايراني حسن روحاني ان نتيجة المفاوضات بين الجانبين ان يصلا الى نقاط مشتركة لكي لا يفرض طرف رأيه على الطرف الآخر، واضاف:" ان ايران من اجل التوصل الى اتفاق مع السداسية الدولية اوقفت تطوير اجهزة تخصيب إلىورانيوم وانتاج إلىورانيوم بنسبة 20 بالمائة كما اوقفت العمل في منشآت اراك و فوردو وعلى هذا فإن الجانب الايراني قد عمل بصورة منطقية ولكن الطرف الآخر يريد الابتزاز".
وأمّا وزير الخارجية محمد جواد ظريف فقال لوكالات الانباء الايرانية: "لدينا نظام سياسي حيوي في إيران والشعب الايراني يفهم أن الحكومة اتخذت تدابير ضرورية لضمان نجاحنا في المفاوضات، وان المرشد يدعم الوفد الايراني المفاوض في المحادثات النووية، وأن الاتفاق النووي يصب في صالح الامن والسلام بالمنطقة ويخدم التقدم العلمي الإيراني".

وأمّا قائد القوات المسلحة الايرانية الجنرال حسن فيروزآبادي المقرب من المرشد الايراني الأعلى فقد دعم الاتفاق، بالرغم ما يعتريه من قلق حوله.
إنّ هذه التصريحات الصادرة عن المحسوبين على خامنئي وعن خامنئي نفسه لا تدل على رفض الاتفاق، وإنّما تُثير حالة من الغموض المقصود حول الموافقة المشروطة للإتفاق بهدف الاستهلاك المحلي في الداخل لإستيعاب المحافظين من المعارضين الحقيقيين للإتفاق بالتصريحات الكلامية، والديباجات اللفظية، وكذلك بقصد الضغط على المعارضين للإتفاق في الخارج وذلك ليكفوا عن معارضتهم، ولكي لا يُنغصوا على الادارة الأمريكية التي تُكافح لتمريره، وذلك بتخويفهم والقول بإنّ ايران لم تُوافق على الاتفاق بعد، وأنّ من الأفضل لهم قبول الاتفاق من أجل عدم منح المحافظين المتشددين في ايران الفرصة للقيام بزعزعة السلم العالمي، وهو ما يفعله تماماً كل من أوباما وكيري بقوة فهما يخاطبان الكونغرس والمعارضين للإتفاق بكل أساليب التخويف والتهديد لحملهم على الرضوخ وإقرار الاتفاق.
ومن هنا كانت الاختلافات بين القادة الايرانيين المحافظين من جهة، والاصلاحيين من جهة ثانية، ما هي سوى اختلافات شكلية ولفظية وليست اختلافات سياسية حقيقية، لأنّها لو كانت حقيقية لما سُمح بدايةً للمفاوضات بالاستمرار، ولما سُمح أصلاً لظريف بتوقيع الاتفاق.
فإيران ومنذ ثورة الخميني ما زالت تلعب مثل هذه الأدوار المشبوهة فتُهاجم أمريكا وتصفها بالشيطان الاكبر، بينما أمريكا تصفها بالدولة المارقة الراعية للإرهاب، والنتيجة أنّ ايران استُغلت باستمرار كفزّاعة لدول الخليج والتي تحولت إلى ما يُشبه البقرة الحلوب التي تُدرّ على أمريكا تريليونات الدولارات بفضل بيعها لترسانات الأسلحة لها.
وأضافت أمريكا لإيران دوراً جديداً تلعبه بإتقان في هذه الأيام وهو الدور الطائفي الذي يُساعدها بالتلبس به على تحقيق أجندتها في تمزيق المنطقة إلى كيانات مذهبية وعرقية، ليُسهّل عليها السيطرة على الثورات المتفجرة فيها، والتي بدأت تتمنطق بالفكر الاسلامي الذي بات يُثير الرعب لدى أمريكا ولدى القوى الكبرى الأخرى المستعمرة على حدٍ سواء كونه يُفضي في النهاية إلى قيام دولة الخلافة الحقيقية.
إنّ نظام الملالي في إيران هو من أفضل الأنظمة الموجودة التي ساعدت - وما تزال تُساعد - أمريكا في تحقيق سياساتها الخارجية، وتجربته في إيران منذ ثورة الخميني وحتى هذه الأيام يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن لا نظام غيره قد أفاد أمريكا كما أفادها هذا النظام، فهذا النظام قد ساعدها في السابق في  غزوها لأفغانستان والعراق، ويُساعدها الآن في قمع الثورات في بلاد الشام واليمن، وذلك من خلال تثبيت أنظمة الطغاة كما هو الحال في سوريا، وإفساد الثورات التي اندلعت كما هو الحال في اليمن.
وقد وقفت أمريكا موقفاً سلبياً مائعاً إزاء انتفاضة الاصلاحيين وعلى رأسهم مير حسين موسوي ومهدي خروبي اللذين أوشكا أن يُحدثا تغييراً جذرياً في النظام السياسي لولا انقلاب النظام ضدهما، وتزوير نتائج الانتخابات الذين فازا فيها على مرشح خامنئي إذاك محمود أحمدي نجاد، وهو ما أدّى بالتالي إلى إحباط أول عملية تغيير جادة ضد النظام منذ ثورة الخميني، وتمّ زجّ قادة الانتفاضة بالسجون، وفرض الاقامة الجبرية على قائدا الانتفاضة موسوي وخروبي حتى الآن.
وبينما وقفت أمريكا موقفاُ مخذّلاً للانتفاضة كان موقف بريطانيا وأوروبا أكثر حزماً وأشد تأييداً لأولئك الاصلاحيين المنتفضين، وهو ما يُفسّر موقف النظام الايراني الصارم ضد بريطانيا التي تم اغلاق سفارتها وتم اقتحامها عدة مرات، كما تم خروج المظاهرات الموجهة ضد بريطانيا تحديداً، كما تم هجوم إعلامي إيراني شديد ضدها.
وهكذا نجد أنّ أمريكا تقف موقفاً مسايراً لنظام الملالي، وسلبياً تجاه الاصلاحيين، وهو ما يؤكد على أنّ أمريكا تُفضّل استمرار وجود نظام الملالي في الحكم، ولا ترغب بدعم أي توجه للاصلاحيين، لأنّ هذا النظام قد أفاد أمريكا بشكل لا يوصف، وهي تخشى من التغيير طالما أنّ أهدافها متحققة بوجوده، ولا حاجة لها لتجارب جديدة مع الاصلاحيين الذين قد يجلبوا لإيران والمنطقة الكوارث وعدم الاستقرار، فأمريكا بالتأكيد في غنىً عنها.