الأربعاء، 16 سبتمبر 2015

المستجدات السياسية في العراق



جريدة الراية: المستجدات السياسية في العراق




لا يمر يوم على العراق إلا وتتراكم فيه المشاكل السياسية والأمنية والإدارية، فهو ما زال يتخبط على كل المستويات، فالسياسيون الذين يقودون الحكومة عاجزون عن القيام بالأعمال الجادة لإنهاء مشاكل العراق حتى البسيطة منها، لأنّهم مرتهنون في قراراتهم للإدارة الأمريكية التي سلّمت الدولة العراقية لحكام إيران منذ الغزو الأمريكي للعراق، لذلك فهم مضطرون لأن يُراعوا الأوامر الأمريكية والمصالح الإيرانية معاً عند اتخاذهم لأي قرار.

فأمريكا وبالرغم من إنفاقها أكثر من 40 مليار دولار أمريكي على تدريب الجيش العراقي إلا أنّ أداء هذا الجيش ما زال يتراجع كلمّا تلقى أسلحة جديدة وتدريبات جديدة، وسقوط مدينتي الموصل والرمادي بأيدي تنظيم الدولة كشف عن تآمر قيادات عليا في الجيش وفي الحكومة أدّى إلى ذلك السقوط.

وفشل الجيش في استعادة الرمادي عدة مرات بالرغم من إعلانه أكثر من مرة عن قرب استعادتها يُشير إلى أنّ أمريكا لا تُريد له تحقيق ذلك، فأمريكا تارة تُشير إليهم بضرورة تحرير الفلوجة قبل الرمادي، وتارة ثانية بضرورة تحرير الرمادي قبل الفلوجة، وتارة ثالثة بتوزيع الجيش على مداخلهما لمحاصرتهما قبل تحريرهما، فأمريكا تخدع الجيش وتُخادعه، فتعده بتقديم المساعدات الجوية، وترسم له الخطط للتحرير، وتُمنّيه بقرب ساعة الصفر، فيصدق قادة الجيش والحكومة وعود أمريكا، ثم يتبين لهؤلاء أنّ أمريكا غير جادة، ويُدركون أنّ أمريكا لم تُقدم لهم شيئاً في تحقيق هذا الهدف، فيُصابون بإحباط شديد، ويتم افتضاح كذبهم أمام الرأي العام، ويُضطرون للكذب والتضليل وسحب وعودهم بتأويلات غير مقنعة أمام مؤيديهم.

وعندما تجد أمريكا مثلاً أنّ الجيش العراقي قد اتفق مع الحشد الشعبي على شن هجوم كاسح على الرمادي، وأنّ هذا الهجوم قد ينجح في استرداد المدينة، تتذرع أمريكا بأنّ الحشد الشعبي مدعوم من إيران، وبأنّه يثير النزعات الطائفية، وتقوم بالضغط على الحكومة لفصله وإبعاده عن الجيش، وذلك لإفشال عملية استعادة الحكومة العراقية للرمادي.

فأمريكا في الواقع لا تريد للجيش العراقي أن يستعيد منطقة الأنبار، لأنّها تعتبرها أساس الدويلة الطائفية السنية المقابلة للدويلة الشيعية الطائفية وفقاً لرؤيتها في تقسيم العراق، وبالتالي فهي في تركها للأوضاع على الأرض كما هي تسعى لرسم الحدود المستقبلية للكيانات الطائفية للعراق باستمرار الاحتراب الدموي حتى تتهيأ ظروف التقسيم، وتنضج عملية الطبخ على نار هادئة.

وقد اعترف الرئيس الأمريكي باراك أوباما بالفعل بعدم جدية أمريكا في حربها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية فقال بأنّه لم يتردد في القول بأنّ: "الائتلاف لا يملك استراتيجية متكاملة للحرب ضد (داعش)".

لقد كان رئيس المخابرات الأمريكية السابق مايكل هايدن واضحاً في عرض الرؤية الأمريكية لمستقبل العراق عندما شرحها فقال: "لنواجه الحقيقة، العراق لم يعد موجودًا ولا سوريا موجودة، ولبنان دولة فاشلة تقريبًا، ومن المرجح أن تكون ليبيا هكذا أيضًا، واتّفاقيات سايكس بيكو الّتي وضعت هذه الدول على الخارطة بمبادرة من القوى الأوروبية في عام 1916 لم تعكس قطّ الوقائع على الأرض، والآن تؤكّد هذه الحقائق على ذكرياتنا بطريقة عنيفة للغاية، إنّ المنطقة ستبقى في حالة عدم استقرار في السنوات العشرين أو الثلاثين القادمة ولا أعلم إلى أين نحن ذاهبون، ولكن أعتقد أن السياسة الهادفة إلى إحياء هذه الدول لن تكون مجدية".

ثمّ شرعت أبواق أمريكا في العراق تُردّد مقولاته فقال قباد الطالباني وهو نجل الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، إن "العراق كدولة واحدة لم يعد له وجود، وانتماءات السكان فيه موزعة على المذاهب والقوميات"، ونقل بيان لحكومة إقليم كردستان العراق، أن قباد الطالباني وهو نائب رئيس الوزراء في حكومة الإقليم، أبلغ السفير الألماني في العراق ايكهارد بروز خلال استقباله له بمكتبه بمدينة أربيل، أنّ: "هناك حقيقة أن العراق لم يعد قائماً كبلد واحد، ولم يعد هناك انتماء لبلد اسمه العراق، السكان انتماءاتهم صارت للمذهب والقومية، شيعة، سنة، كرد". وهذا يتفق مع ما صرّح به هايدن بقوله إنّ: "ما نسمّيه العراق لم يكن موجودًا، هذه الحقائق العملانية مهمّة، ومرّة أخرى، لا أعتقد أنّ العراق وسوريا سيظهران من جديد، يجب البحث عن أمور بديلة أخرى، ولهذا أدعو إلى تسليح الأكراد مباشرة".

لذلك فأمريكا غير جادة في محاربة تنظيم الدولة، بل إنّها تجد فيه الفرصة المثلى لتحقيق مآربها، لا سيما في إخراج الكيانات الطائفية في العراق، فإذا ما خالف التنظيم الخطوط الأمريكية الحمراء، كهجومه على الأكراد، نجد أنّ أمريكا تتدخل بقوة وتمنعه من كسر تلك الحدود، وتُعيده إلى ما وراءها، وهذا ما حصل عدة مرات مع الأكراد كما شاهدنا في عين العرب، وفي قرى كركوك التي يريدها الأكراد لرسم كيانهم الطائفي، وتُقرهم أمريكا عليها.

وتستخدم أمريكا في خطتها لإرهاق الدولة العراقية وحملها على الخضوع لخططها الاستعمارية التقسيمية ملف الفساد بأسلوب متكرر، فهي تترك الوزراء والنواب والسياسيين يعيثون فساداً في أموال الشعب، لجعلهم يلوذون بها عند افتضاح أمرهم، ويقبلون بكل ما تُمليه عليهم من أعمال، ولو كان ثقيلاً حمله، ومن أشياء ولو كان مراً طعمه، وما سرقة عشرات المليارات من الدولارات التي خُصصت لإعادة الكهرباء إلى المدن العراقية، وكذلك سرقة مئات المليارات الأخرى لإعادة ترميم البنى التحتية المدّمرة في العراق إلا أمثلة صارخة على هذا النهج الأمريكي القديم في العراق، وهو ما يجعل الفساد مستشرياً بصورة ممنهجة، بينما لم يتم محاكمة أي واحد من الفاسدين، لدرجة أن أصبح هناك علاقة عضوية بين الفساد والسياسة في العراق، وهذه العلاقة باتت جزءاً من المخططات السياسية الأمريكية للمنطقة، فحتى تنجح أمريكا في تدمير العراق وتمزيقه، فهي تسمح للسياسيين العراقيين الفاسدين بالانغماس في مستنقع الفساد من أجل إيصال الدولة إلى مستويات عليا من الاهتراء، تسمح معها لأمريكا بتمرير خططها الجهنمية التقسيمية، بحيث لا تقوى الدولة عندها على مقاومة تلك الخطط وتستسلم لها تماماً.

أمّا المواقف الأوروبية لا سيما البريطانية والفرنسية من هذه الخطط الأمريكية فهي مواقف هزيلة غير مؤثرة، ولا تزيد عن عقد المؤتمرات الفاشلة عن العراق كما حصل في مؤتمر لندن الذي أفسده تدخل وزير الخارجية الأمريكي فيه، ومؤتمر باريس الذي لم يكن أكثر من مجرد ملتقى إعلامي، أو مؤتمر الدوحة الذي أبطلته الحكومة العراقية باعتباره ينعقد في دولة تدعم الإرهابيين، والتي طالبت بمنع الجبوري من حضوره، فمواقفهم لا ترقى إلى التأثير في الشأن العراقي وجل ما يريده الأوروبيون هو إبقاؤهم في صورة الأحداث في العراق.

فأمريكا هي التي تتحكم بالعراق تحكماً شبه مطلق، وذلك من خلال السياسيين العملاء أولاً، ومن خلال قاعدتها العسكرية في عين الأسد بالأنبار ثانياً، وكذلك من خلال تلزيم العراق لإيران بُعيد الغزو الأمريكي للعراق.

إلا أنّ كل هذا النفوذ الأمريكي الموجود في العراق لم يستطع حتى الآن تحقيق الأهداف التقسيمية الخبيثة المرسومة، وذلك لسبب بسيط يتعلق بالرأي العام داخل العراق، والذي يرفض المخططات الأمريكية، فالرأي العام لا يُستهان به، ولا تنجح المخططات الدولية مهما كان لها أدوات من دون الاعتماد على الرأي العام الذي يؤكد اليوم في العراق على أنّ غالبية الشعب العراقي لا يثقون بحكامهم العملاء، ولا بمؤسسات الدولة المهترئة، ويرفضون بشدة فكرة تمزيق بلدهم، ويتوقون ليوم تتوحد فيه العراق مع الشام في دولة إسلامية واحدة، خلافة على منهاج النبوة.

هناك 4 تعليقات:

سعودي اوتو يقول...



اخبار سيارات

سعودي اوتو

سعودي اوتو يقول...


thank you

سعودي اوتو

اخبار سيارات يقول...



http://saudiauto.com.sa


______________________
name الاسم

thank you

اخبار السيارات


_______________________

الايميل email بريد الكتروني


saudiauto7@gmail.com

________________________

التعليق comment


thank you

اخبار السيارات

أسواق أونلاين يقول...

جيد