سقوط شعار الحرية قبل الشريعة
منذ
قرابة العشر سنوات روّج الشيخ يوسف القرضاوي لفكرة الحرية قبل الشريعة، وقال في
عدة مقابلات بأنّه يُفضل فكرة الحريات على تطبيق الشريعة، وشرح هذه الفكرة عدة
مرات في برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة اسبوعياً، وبرّر فكرته هذه
بأنّ منح الناس الحريات ستمكنهم من اختيار الشريعة، وتبنى الاخوان المسلمون هذه
الفكرة، وعملوا على تطبيقها، فماذا كانت النتيجة؟
وصل
الاخوان الى الحكم ولم تصل الشريعة إليه، ثم سقط الاخوان من الحكم وسقطت الحرية مع
سقوطهم، فلا الشريعة وصلت ولا الحرية بقيت، وثبت أنّ هذه المقولة خاطئة وأنّ ذاك
الاجتهاد غير مؤسس على قواعد صحيحة.
إنّ
الحرية في الاسلام لا تعني الا معنىً واحداً وهي ما يُقابل العبودية، ولا وجود
للحريات في الاسلام، لأنّ الاسلام يُقيد أتباعه بالأحكام الشرعية في كل شؤون
حياتهم، والتقيد بالأحكام الشرعية يحمي الناس من الوقوع في الزلل، ويمنعهم من
الانجرار وراء الهوى، ويقيهم من الوقوع في حبائل الشيطان، ومن السقوط في فوضى
الآراء المتباينة وركام الأفكار الزائفة.
ومعلوم
انّ فكرة الحريات هي فكرة غربية جاءت بعد استبعاد الدين في أوروبا وفصله عن
الحياة، وهذا ما لم يحصل عندنا، فالاسلام صالح لكل زمان ومكانن ولا يجوز فصله عن
الحياة، والاستبدال به فكرة الحريات التي طُبّقت في أوروبا، بسبب عجز الديانة
النصرانية عن الاتيان بمعالجات وأنظمة لحل مشاكل الناس المتجددة.
فالاسلام
غير النصرانية، فهو خاتم الأديان، وناسخ كل الشرائع التي سبقته، وصالح لكل عصر
ومصر، ولا يصلح معه الإبعاد أو الفصل، وما جرى في أوروبا من فصل للدين وإبعاده عن
الحياة لا يجوز فيه القياس ولا الاستنساخ ، فالدين عند الله هو الاسلام، وهو دين
للبشرية جمعاء، ولا يجوز إقصاؤه عن السياسة، وتقديم فكرة الحرية عليه تحت أي ظرف
من الظروف ، كما لا يجوز لمسلم أن يُروّج لشعار الحرية أولاً، لأنّ مثل هذا
الترويج يُخالف أسس الشريعة قطعاً، ولم يقل به عالم من علماء السلف، ولا نطق به
مجتهد من المجتهدين.
وما
جرى في الجزائر مع جبهة الانقاذ قبل عشرين عاماً، وما يجري الآن في مصر، لهو دليل عملي
على خطأ هذا الشعار، وبطلان ذلك الاجتهاد، فالاسلام لا يصل الى الحكم بطريقة
الديمقراطية والحريات، لأنّ للاسلام طريقته الخاصة المتميزة عن سواه من المبادئ،
ولسنا كمسلمين نحتاج الى إستيراد الافكار الغربية لتساعدنا على الوصول الى الحكم، ومن
يستعن بالغرب يفشل ويذل، وأقرب مثال على ذلك ما جرى مع محمد مرسي الذي حاول بكل ما
يستطيع ارضاء أمريكا وعملاء الغرب، حتى كاد أن يكون ملكياً اكثر من الملك في نشر
الحرية، والاخذ بمفاهيم الديمقراطية الغربية فماذا كانت النتيجة؟
لقد
انقلبوا عليه، وأسقطوه من سدة الحكم، وتآمرت أمريكا عليه وعلى جماعته بالتعاون مع
الجيش والعلمانيين، وارتكبوا بحق المصريين أبشع الجرائم، وسفكوا الدماء، وأزهقوا
الأرواح، ولم يشفع له كل محاولاته استرضاء أمريكا والعلمانيين، ولا شفع له كذلك دفاعه
المستميت عن الحرية والديمقراطية.
إنّ
لعبة الحرية والديمقراطية لا تصلح للإسلاميين أبداً، فهي ليست من الاسلام في شيئ،
ومن لعبوها منهم لم يأخذوا بالاسلام البتة، ولم يُرضوا بها الله، كمالم يقبلهم بها
الغرب ولا العلمانيون.
وبسقوط
حكم مرسي، وترنح حكم الغنوشي، تكون فكرة الحرية قبل الشريعة قد سقطت تماماً، وسقطت
معها كل محاولات التوفيق بين أفكار الاسلام الربانية وأفكار الغرب البشرية الوضعية.