أبعاد وتوقيت تقليص دور الجيش في تركيا
أقر البرلمان في تركيا تعديلاً تشريعياً يُحدد بموجبه دور الجيش، ويمنعه
من التدخل في السياسة، فقد
غيّر البرلمان التركي التشريع الخاص بوظيفة الجيش من كونه "يراقب ويحمي
الجمهورية التركية" إلى كونه "يدافع عن الأمة التركية ضد الخطر
الخارجي" فقط.
إنّ تشريع تحويل وظيفة الجيش من دور الحفاظ على الجمهورية إلى دور
حماية الشعب من الأخطار الخارجية فقط، يعني رفع يد العسكر كلياً عن التدخل في
الشؤون السياسية، ومنع وجود أي احتمال لحدوث انقلاب عسكري في تركيا، ويأتي هذا
التعديل - في هذا التوقيت بالذات - والذي تموج فيه الاحداث في منطقة الشرق الأوسط
موجاً ، وتنخرط الجيوش فيها طولاً وعرضاً في دول المنطقة، حيث يخوض الجيش السوري
حرباً طاحنة ضد الثوار، وينقلب الجيش المصري على رئيسه المنتخب، ويتربص الجيش
التونسي بالسياسيين الفاعلين من مختلف المشارب، وينقسم الجيش اليمني تارة ويلتئم تارة
أخرى قبلياً، ويتفلت الجيش الليبي من عقال السياسة ساعياً لبلورة دور جديد له يقوم
به في قابل.
فالجيش التركي إذاً يمتثل الآن بكل صرامة وطاعة لأمر البرلمان
والحكومة، ويلتزم تماماً باللعبة الديمقراطية، ويتحول إلى جيش احترافي لا شأن له
بالسياسة، متأسياً بالجيوش الأوروبية التي سبقته في اعتزالها للسياسة تماماً ومنذ
زمن بعيد.
فانسحاب الجيش التركي بمثل هذه السهولة من الحياة السياسية - وهو الذي
عارك السياسة عقود طويلة، ودبّر الانقلابات العسكرية، وتآمر على كل من كان يقف في
وجهه من السياسيين – فانسحابه الهادئ هذا بلا أدنى ضجيج وبكل بساطة له دلالات
سياسية كثيرة ومن أهمها:
·
ترسيخ
وجود نظام ديمقراطي علماني ثابت في تركيا غير قابل للتغيير أو التبديل.
·
عدم
خوف أمريكا والغرب من عودة الاسلام الحقيقي الى تركيا في ظل وجود هذا النظام.
·
انخراط
النظام التركي الحالي اقتصادياً وسياسياً في النظام الرأسمالي العالمي، وهو ما
يعني ارتباط الدولة التركية بقوة بأمريكا والغرب، وفي ذلك أكبر ضمانة بالنسبة
للغرب في إبقاء تركيا ضمن منظومته الاستراتيجية.
ان امريكا سمحت يوقوع الانقلاب في مصر فقط بسبب عدم نضوج الديمقراطية
فيها كما هو الحال في تركيا، لذلك - ومن وجهة النظر الامريكية والغربية - لا بد من
مرور مصر بمدة زمنية أطول لتثبيت الديمقراطية فيها، وإبعاد شبح الاسلام السياسي
عنها نهائياً قبل الوصول الى ما وصلت إليه تركيا.
لذلك وجدنا أنّ رد فعل أمريكا الرسمي تجاه الانقلاب في مصر كان التردد
في وصف ما جرى بأنّه انقلاب أم لا وفقاً للمقاييس الديمقراطية المعمول بها، وأنّ
الشرعية الشعبية التي تذرع بها الجيش ربما تضاهي شرعية صناديق الاقتراع.
وهذا ما لم يُتصور وجوده في تركيا، حيث الديمقراطية ترسخت وتجذر وجودها،
ومن هنا فإنّ تصويت البرلمان التركي على قانون يمنع الجيش من التدخل في السياسة ما
كان ليمر لولا موافقة امريكا عليه، بدليل ان اكثرية نواب البرلمان هم من حزب
العدالة الذي يرأسه أردوغان المنتمي الى خلفية اسلامية، ولو كان الامر بالأكثرية
فلماذا لا يُصوت هذا البرلمان على تطبيق الشريعة الاسلامية؟!، وما هو المانع من
ذلك لولا وجود ضوابط وقيود على النظام الديمقراطي نفسه.
فهناك خطوط حمراء يُمنع
تجاوزها في اللعبة الديمقراطية ومنها عدم السماح للدولة الديمقراطية بتطبيق احكام
الشريعة الاسلامية قطعياً.
انّ ديمقراطية ينشدها أغرار الساسة وجهالها في بلاد المسلمين من شأنها
أن تُبعد الاسلام نهائياً عن السياسة وعن الحكم وهو ما يتناقض مع أحكام الاسلام
ويتعارض مع رغبة المسلمين الساحقة بتطبيق أحكام الشريعة.
فبؤساً لهذه الديمقراطية
المانعة من تطبيق أحكام الاسلام، وتعساً لمن يتمسك يها.
هناك 5 تعليقات:
ولو اني مقتنعة إن الشريعة تطبيقها في مصر أو تركيا أو أي بلاد أخرى مدام ليس لها إستقلال إقتصادي عن أمريكا و روسيا فالسياسة إلي ستكون بطابع إسلامي ليست إلا صورة وهمية لإسكات من يتصايحون على تحكيم الشريعة رغم أن اغلبهم لا يفهم معناها إلا أن لها راية سوداء عليها الشهادة .. لا علينا .. ولكن خليني أقول إن هلشخص لن يعيده الزمن لأن لو كان ذكاءه عندنا فالبلدان العربية لم وصلنا إلى ما وصلنا إليه
تطبيق الشريعة لا يكون الا عبر دولة الاسلام دولة الخلافة
نحن لدينا الان دول في العالم العربي والاسلامي حقيقة هي بلديات امانها بيد الكافر المستعمر ولنتذكر ما حصل مع اربكان الاسلامي الذي تراس الحكومة التركية سنة واحدة فقط في التسعينيات ثم اطاح به الجيش تماما كما حصل في مصر.
بعد الاطاحة باربكان جاء اردوغان وغول وغيرا في اسس الحزب وقدما تنازلات جديدة ومن ثم وصلا الى السلطة
فهل التاريخ يعيد نفسه؟
ارى ان الجواب نعم في هذه الجزئية...والسيسي هذا قد هيأته امريكا لاقامة دولة ذات صبغة اسلامية في مصر وله رسالة جامعية بهذا المضمون عام 2006 (هي البحث الوحيد المنشور له) عن هذا الموضوع.
إرسال تعليق