هذه مدونة سياسية خاصة غير متأثرة بأي وجهة نظر سياسية حكومية ولا محسوبة على أية جهة رسمية. والمواد السياسية المنشورة فيها متجددة متنوعة تتضمن عناوين إخبارية وتعليقات سياسية وأبحاث سياسية ومواد أخرى.أرحب بجميع المشاركات والتعقيبات والاستفسارات ذات الصلة.
الأربعاء، 8 مايو 2019
حراك الجزائر بدون قيادة - ايجابيات وسلبيات -
حراك الجزائر بدون قيادة - ايجابيات وسلبيات -
بخلاف ما جرى في السودان حيث تمكّنت ما تُسمّى بقوى إعلان الحريّة والتغيير من فرض نفسها على الحراك السوداني، وركوب موجة الانتفاضة، وهو ما أهّلها للتحدث باسمه، والتفاوض مع قيادة الجيش السوداني على تقاسم السلطة، وعلى تشكيل حكومة مدنية، فإن الحراك في الجزائر ما زال من دون قيادة، وبلا رأس، وما زال سقف المطالب الشعبية مُرتفعاً، وهو ما يجعل هذا الحراك أشدّ تعقيداً، وأكثر استعصاءً.
وعدم وجود قيادة للحراك حتى الآن هو عنصر إيجابي، لأنّ التسرع في الوثوق بالقيادة يكشف عن وجود اختراق من مدسوسين يتعاملون مع النظام البائد، ومع الدول الأجنبية، فالمسألة تحتاج إلى نظر وإلى وقت وتمحيص.
وبفضل التريث في الاختيار استطاع الحراك في الجزائر تحقيق أهداف كبيرة وكثيرة، وليس آخرها توقيف واعتقال كل من الرئيس الفعلي السابق للبلاد سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس المستقيل، والجنرال محمد مدين المُلقب بالجنرال توفيق الذي كان يُعتبر صانعاً للملوك، ونظيره الذي خلفه من بعده الجنرال بشير طرطاق، بتهم التآمر على الجيش وعلى الحراك الشعبي.
وبفضل هذا التريث، وبسبب عدم قبول قيادات مُتطفلة، فالنظام السابق ما زال يتهاوى، ويتساقط رموزه، ويلفهم الخزي والهوان، لدرجة أنّ الأمين العام الجديد للحزب الحاكم - جبهة التحرير الوطني - محمد جميعي قد اعترف بفشل القيادة السابقة للحزب، وطلب الصفح من الجزائريين، وقد أكّد على أنّ الحزب كان مُختطفاً من جهة عملت على تحريض الشعب عبر خطابات التهريج والسلوكيات البهلوانية فقال وهو يُعبّر عن حالة الصغار التي آل إليها حزبه: "باسمي الخاص وباسم كل مُناضلي الحزب العتيد نطلب الصفح من فخامة الشعب الجزائري عن كل تقصير أو تصرف طائش أو تصريح غير مسؤول".
إنّ شباب الجزائر وهم الوقود الحقيقي للحراك الذي تفجّر في 22/2 الماضي، لم تنطلِ عليهم ألاعيب الساسة المُتسلقين، ولم ينساقوا لأحاديث السياسة التقليدية، ولم يُخدعوا بمعسول كلام القيادات البالية، فقد أظهروا إرادة جادة في التغيير الشامل، وجعلوا على رأس مطالبهم إسقاط النظام بكل أركانه ورموزه.
فما فتئت المسيرات تتعاظم، والتظاهرات تنتشر وتتوسع في كل المحافظات، وما زال المُحتجون يملؤون الشوارع، ويرفعون شعارات من مثل "لن نتوقف حتى ترحل العصابة" و"ترحلوا يعني ترحلوا".
إنّ عدم اتفاقهم على قيادة لا يعني رفضهم لمبايعة قائد، بل يعني عدم ثقتهم بما يُعرض عليهم من قيادات وقادة.
إنّ ما يجعل طريقهم يسير بشكلٍ أفضل نحو تحقيق أهدافهم قبل اختيارهم للقيادة، وقبل توافقهم على القائد، هو اتفاقهم على المشروع السياسي الواضح، فالمشروع هو الفكرة، والفكرة هي النواة الصلبة في كل عمل سياسي، وبما أنّهم مسلمون يعتقدون بعقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله، فعليهم أنْ يختاروا الإسلام مشروعاً وهدفاً وغايةً، إذا أرادوا النجاح والفلاح.
فالمشروع السياسي الإسلامي هو الوحيد الذي إن اختاروه سيؤدي إلى تحقيق غاياتهم وطموحهم، وما سواه يجعلهم يدورون في حلقة مُفرغة تنتهي بهم إلى اليأس والدوران حول أنفسهم.
وهذا المشروع السياسي هو نظام شامل للحياة مُستند إلى القاعدة الفكرية الإسلامية، ولا يتجسد إلا عبر دولة الإسلام الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة.
الأحد، 5 مايو 2019
الحقد الصليبي يتغذى من الفكر العلماني
الحقد الصليبي يتغذى من الفكر العلماني
تُعرّف العلمانية بأنّها فصل الدين عن الدولة، أي فصله عن السياسة وعن الحياة، فهي لا دينية المنشأ والتوجّه، فتُنكر أي دور للدين في القوانين العامة، وفي الأحكام التشريعية التي تُنظّم شؤون المجتمع، ويُفسّرون تطورها اعتماداً على ما ينسبونه لقول المسيح عليه السلام: "أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله".
لكنّ هذا الفصل الصارم للدين عن الحياة هو فصل يتعلّق بالأنظمة والقوانين والتشريعات فقط، ولا يتعلّق بالثقافة والموروثات الفلسفية، فالروح الصليبية الحاقدة في الثقافة والحضارة الغربية للشعوب النصرانية مُتغلغلة في أعماق ثقافتهم تماماً، كتغلغل الثقافة الوثنية اليونانية والرومانية في الحضارة والثقافة الغربية.
والقرآن الكريم يؤكد هذه الحقيقة، قال تعالى: ﴿وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾،وقال: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ﴾، وقال سبحانه: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾، فهذه الآيات الكريمة تُبيّن لنا حقيقة النظرة الحاقدة الصليبية المزروعة في أعماق عقلية النصارى تجاه المسلمين، وهي موجودة لديهم بغض النظر عن المبدأ الذي يعتنقونه سواء أكان اشتراكياً أم رأسمالياً، أم حتى كانوا بلا مبدأ، فهذا الحقد الصليبي الذي تتميّز به عقلياتهم هو في الواقع جزء من ثقافتهم العامّة، وتكوينهم الفلسفي، وهو عنصر مُشترك لجميع أفرادهم.
ولهذا كان الصراع بين الإسلام وبين النصرانية صراعاً فكرياً دائمياً، سواء أكان ذلك قبل أنْ يعتنق النصارى الرأسمالية، أو بعد أنْ اعتنقوها، فالحقد الصليبي عندهم قائم ودائم ومُمتد إلى أنْ يرث الله الأرض وما عليها، وهو لا يتوقف ولا ينقطع إلا بدخولهم في ذمة المسلمين، أو دخولهم في الإسلام.
والتاريخ والحاضر كلاهما يشهدان على هذه الحقيقة، وهي أنّ الحقد الصليبي ضدّ الإسلام إنّما هو جزء من ثقافة النصارى قبل ظهور العلمانية، وبعد ظهورها، فالحملات الصليبية الأربع عشرة، وما صاحبها من قتل وذبح للمسلمين، كقتل سبعين ألفاً من المسلمين في بيت المقدس حتى خاضت الخيول في دمائهم بفتوى من بابا الفاتيكان هو أمرٌ ثابتٌ ومعروف، ومحاكم التفتيش في الأندلس والفلبين وما جرى فيها من إيقاع أشنع صنوف التعذيب بحق المُسلمين ما زالت آثارها شاهدة على وحشيتها.
وفي العصر الحديث لو استعرضنا بعض الأحداث الصليبية الحاقدة التي تمّ توثيقها للتأكيد على مصداقية ما نقول من مثل:
قول اللورد ألنبي القائد العسكري البريطاني الذي قال عند احتلال قواته لمدينة القدس: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، ووقوف الجنرال الفرنسي عندما احتلت قواته مدينة دمشق أمام قبر صلاح الدين وركله له وقوله:"قم يا صلاح الدين ها نحن قد عُدنا"، وإعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عن شنّه "حرباً صليبية" على العراق، وزرع الدول النصرانية كيان يهود في فلسطين ليكون خنجراً صليبياً مسموماً في خاصرة المسلمين، وإعلان ترامب عن منح هضبة الجولان لكيان يهود، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي الحالي جورج بومبيو من أنّ الرئيس الأمريكي ترامب قد يكون: "هديةً من الربّ لإنقاذ اليهود"، و(تقوية تيّار اليمين المسيحي) في أمريكا ليكون عنصراً فاعلاً ومؤثّراً في دعم كيان يهود، ونقل ترامب السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس، وتشجيع السفير الأمريكي لدى كيان يهود المستوطنين على الاستيطان في الضفة الغربية، وقتل أمريكا المستمر للمسلمين المدنيين بقصفهم بالطائرات في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين، وارتكابها المجازر تلو المجازر بحق الأبرياء بذريعة محاربة ما يُسمّى (بالإرهاب)، والتي كان آخرها إحراق قنابل طائراتها لقرية الباغوز في منطقة دير الزور، والتي قصفت فيها الطائرات الأمريكية الناس بقنابل الفوسفور، وقتلت ثلاثة آلاف طفل وامرأة وعجوز في ثلاثة أيام فقط، وتناثرت فيها جثث الضحايا إلى أشلاء مُمزّقة ومُحترقة.
إنّ هذه مُجرد عيّنات من مجازر الصليبيين ضد المسلمين في الماضي والحاضر، وهي تعكس الثقافة النصرانية المحشوة بالحقد الصليبي المُتوارث عبر الأجيال.
ومن الأمثلة السياسية على وجود الحقد الصليبي لدى الغربيين النصارى رفض إدخال تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، واعتراف السياسيين الأوروبيين بأنّ أوروبا هي نادٍ للدول النصرانية فقط.
إنّ العلمانية اليوم هي الامتداد الثقافي الطبيعي للنصرانية الصليبية، ولسان حال العلمانيين الغربيين يقول ما ردّده زعماء الاستعمار العسكري الفرنسي في الجزائر بأنّ: "أوروبا لن تنتصر على المسلمين ما داموا يقرؤون القرآن ويتكلمون العربية، لذلك كان واجباً علينا إزالة القرآن من الوجود، واقتلاع اللغة العربية من الألسن".
والعلمانية اليوم ليست مُعادية للإسلام بشدة وحسب، بل هي أيضاً مُصدّرةً للمسلمين كل أنواع الرذائل والفواحش، ومنها الشذوذ الجنسي الذي باتوا يعترفون به حتى في الكنائس، وارتكاسهم إلى مُستوى البهيمية، وهو ما تأنف حتى عن فعله الحيوانات.
فالفكر العلماني اليوم حقيقةً هو الذي يُغذي العقول الغربية بالعداء الصليبي، وهو الذي يُشجّع الحملات التبشيرية والتنصيرية، وهو الذي يُساند الوثنيين ضد المسلمين في قارتي آسيا وأفريقيا، وهو الذي يتحالف مع بقايا الشيوعيين ضد المسلمين كما حصل مع ما يُسمّى بقوات سوريا الديمقراطية التي تدعمها القوات الأمريكية بكل أنواع الدعم.
وإنّ العلمانيين العرب لهم أشدّ سوءاً وبؤساً من العلمانيين الغربيين، وذلك لكونهم مُجرد أذناب للعلمانيين النصارى، ولأنّهم يُعادون شعوبهم الإسلامية، تأسياً بمعاداة أسيادهم من علمانيي أمريكا وأوروبا للمسلمين، ولكونهم انسلخوا من الثقافة الإسلامية وهي ثقافة شعوبهم، وارتموا في أحضان أعداء الأمّة.
الأحد، 21 أبريل 2019
الأحد، 14 أبريل 2019
المجلس العسكري في السودان صناعة أمريكية
المجلس العسكري في السودان صناعة أمريكية
الخبر:
عقد المجلس العسكري الحاكم في السودان مؤتمراً صحفياً تحدث فيه عمر زين العابدين رئيس اللجنة السياسية فقال: "إنّ الجيش غير طامع في السلطة، وإنّ ما تمّ ليس انقلاباً بل استجابة لمطالب الشعب"، وصرّح زين العابدين بأنّ وزير الدفاع عوض بن عوف ومدير المخابرات صلاح قوش، وقادة الأجهزة الأمنية والدفاعية هم قادة التغيير الذي حدث"، ووعد زين العابدين بأنْ تكون الحكومة الجديدة مدنية تماماً، وأنْ لا يتدخل المجلس في عمل الحكومة، ولكنه أوضح أنّ المجلس سيحتفظ بوزارتي الدفاع والداخلية، وقال بأنّه يمكن تقصير الفترة الانتقالية التي حدّدها المجلس بسنتين، وأنْ تُختصر هذه المدة حتى إلى شهر واحد".
التعليق:
إنّ سقوط الرئيس السوداني السابق عمر حسن البشير لا يعني سقوط نظامه، فرجاله المُخلصون - وهم رجال أمريكا - هم الذين استلموا الحكم، فقائد الانقلاب وهو عوض بن عوف كان الساعد الأيمن للبشير في الجيش والرجل الثاني في نظامه، وهو شريكه في كل قراراته، ومنها الإطاحة بحكومة الصادق المهدي التابعة للإنجليز لحساب أمريكا، وهو الوحيد إلى جانب البشير المُتبقي من ضباط انقلاب العام ١٩٨٩ من الذين ظلوا على قيد الحياة، وهو ابن المؤسسة العسكرية بامتياز فهو وزير الدفاع، ومرشح البشير لرئاسة الحزب الحاكم، وقبل أقل من شهر عيّنه البشير نائباً له.
وأمّا صلاح قوش فهو رجل أمريكا بامتياز، فعيّنه البشير عام ٢٠٠٤ مديراً لجهاز المخابرات، وزار أمريكا في العام ٢٠٠٥، وبقي في منصبه حتى العام ٢٠٠٩، ثمّ عُيّن مستشاراً للشؤون الأمنية، ثم أعفي من منصبه وسجن بسبب خلافات شخصية، واتهم بالمشاركة بمحاولة انقلابية ضد البشير، والتآمر على الدولة، ثمّ أفرج عنه عام ٢٠١٣ وانشغل بعالم المال والأعمال فترة، ثمّ أعيد تعيينه العام الماضي وبشكلٍ مُفاجئ مديراً عاماً لجهاز الأمن والمخابرات السودانية، وكأنّه فرض على البشير فرضاً، ولعب قوش دوراً كبيراً في تعزيز التعاون بين المخابرات الأمريكية وجهاز الأمن السوداني، وفي نيسان ٢٠٠٥ أرسلت أمريكا طائرة خاصة إلى الخرطوم لتقله إلى واشنطن ليقدّم معلومات تفصيلية عن الجهاديين العرب، ولم تنقطع زياراته واتصالاته بالمخابرات الأمريكية رسمياً طوال فترة توليه رئاسة المخابرات، وفي شهر شباط الماضي التقى صلاح قوش رئيس الموساد اليهودي في ألمانيا على هامش مؤتمر ميونخ للأمن.
هؤلاء هم رجال أمريكا الذين تستخدمهم عند الحاجة وتتخلى عنهم عند انتهاء دورهم، فهل آن أوان التغيير الحقيقي وإسقاط النظام بكل رموزه وأركانه وأجهزته؟
نرجو الله أنْ يُخلصنا من كل هؤلاء العملاء، وأنْ يتنبه الثوار إلى كل ألاعيب قيادات العسكر التابعين لأمريكا، وأن يقيموا دولة الحق على أنقاض دول الباطل والطغيان.
الأربعاء، 10 أبريل 2019
مؤامرة تغييب الاسلام عن حراك الجزائر
إنّ ممّا يلفت النظر في حراك الشارع الجزائري هذه الأيام، والذي انطلق كالطوفان الهادر، مُعبراً عن رغبةٍ صادقةٍ وجادّة في التغيير، هو تغييب دور التيّار الإسلامي فيه، فلا تسمع له ركزاً، ذلك التيار الذي كان له الدور الأساس في مُحاولة التغيير الأولى التي تمّ وأدها بجبروت العسكر، وبتواطؤ مع القوى الاستعمارية في مطلع تسعينات القرن الميلادي المُنصرم.
فواضح في هذا الحراك تعمّد تغييب التيار الإسلامي، والتعتيم على ذكر الهتافات الإسلامية، مع أنّنا سمعنا بعض الهتافات التي تُنادي بإقامة الدولة الإسلامية، ولكنّ وسائل الإعلام تجاهلتها تماماً وكأنّها لم تُهتف! وبالمقابل فقد نقلت هذه الوسائل خبر احتجاز علي بلحاج من قادة جبهة الإنقاذالإسلامية المحظورة بُعيد نزوله مُباشرةً إلى الشارع للمشاركة مع المتظاهرين في احتجاجاتهم.
وحتى رموز الحركة الإسلامية الموالية للنظام فقد تمّ منعها من الانخراط في التظاهرات، فعبد الله جاب الله أحد أبرز قادتها مُنع من المشاركة في التظاهرات، وعندما نزل إلى الشارع تمّ طرده وإخراجه بكل صفاقة.
فهذه الفجاجة في التعامل مع الإسلاميين ضمن هذا الحراك تدل على أنّ المُعارضة مُتواطئة في إقصاء الإسلاميين منه بكل اتجاهاتهم وأطيافهم حتى النخاع مع الحكومة، وأنّهما، أي الحكومة والمُعارضة، قد ركبتا المركب نفسه في مُواجهة مراكب الإسلاميين، وذلك بالرغم من تصريحات مُخيبة للآمال صدرت عن شخصيات محسوبة على الإخوان كعبد الله جاب الله الذي قال بأنّ "القوى الإسلامية لا ترغب بالسيطرة على الحراك، ولا في القفز عليه، وتُريد التنسيق مع جميع القوى العلمانية لكي لا نوفّر للجنرالات مُبرّراً لضرب هذا الحراك، ويصبح الإسلاميون فزّاعة هذا الحراك أو فوبيا إسلامية"، فمثل هذه التصريحات وللأسف مُخيّبة للآمال، لأنّ الأصل في التيار الإسلامي أن يتولّى أي حراك شعبي خاصّةً في بلد إسلامي مُجاهد كالجزائر، لا أنْ يتهرّب من تحمّل مسؤولياته، ويخنع أمام العلمانيين المُتحالف معهم!!
وبمثل هذه التصريحات المُتخاذلة صرّح أحد الناطقين باسم "حمس" فقال: "إنّ بروز الاسلاميين يستدعي حالة من الاستقطاب السياسي، ويُثير الحفيظة الأيديولوجية للشركاء في الثورة السلمية"، فغريب مثل هذه التصريحات الانهزامية، فكأنّ الإسلام هو فقط الذي يُثير الحفيظة أمّا الشيوعيون والماركسيون كلويزة حنّون، والاشتراكيون من حزب حسين آيت أحمد، وبعض الأمازيغيين الذين يحملون الثقافة الفرنسية، وسائر العلمانيين، وغيرهم من كل من هبّ ودبّ، فكلهم مسموحٌ لهم الحضور والمُشاركة في الحراك، وفقط التيار الإسلامي هو الممنوع لأنّه حسب زعمهم يأتي بالاستقطاب، فهو الفزّاعة، وهو فقط الذي يُثير حفيظة الجميع!! حقاً إنّه منطق غريب، بل منطق فاسدٌ معوج، إنّه لكلامٌ مؤسف بالذات عندما يخرج من قادة في التيار الإسلامي.
والحقيقة هي أنّ هذا التيار هو تيار علماني بثوبٍ إسلامي، فبدلاً من أن يقوم هذا التيار بحراك حقيقي يُحوّل الحراك إلى ثورة إسلامية حقيقية تُحدث التغيير نحو تطبيق الإسلام وإقامة دولة الإسلام، نجده يتقوقع مُتحوّلاً إلى مُجرد أداة بيد السلطة العلمانية الفاسدة التي تتبع الغرب وتُطبّق أحكام الكفر.
إن على العاملين في حقل التغيير أن يعوا حقيقة العمل الإسلامي جيداً، وأنْ يدركوا تمام الإدراك وجوب العمل لإقامة دولة الإسلام الحقيقية، خاصة وأنّهم في بلد كبير ومهم كالجزائر يمتلك كل مُقومات الدولة الإسلامية، فهذا التيار المحسوب على المسلمين إذا لم يحمل مشروعاً إسلامياً تحول إلى تيار علماني بثوب أو بمظهر إسلامي خاوٍ من الداخل، وبالتالي يُصبح تياراً ثانوياً لا قيمة له، ولا يؤثر، ولا يفيد إلا أعداء الإسلام.
إنّ ما يحدق بالحراك الشعبي في الجزائر اليوم مؤامرة خطيرة يتم من خلالها تعمّد تغييب التيار الإسلامي، والفكر الإسلامي، ويُراد للحراك اختزال مطالبه وحصرها بتغيير شخص بوتفليقة، وتغيير الشخص عمل سهل جداً، فيذهب بوتفليقة ويأتي شبيه به، وبالتالي فالتغيير يكون قد دار دورةً مُنهكة حول نفسه، وسينتهي به إلى اليأس والخمود.
لقد بدأت اللعبة تدخل في سيناريوهات جديدة، فهذا وزير الأركان أحمد قايد صالح طرح فكرة تفعيل المادة ١٠٢ وهو ما يعني أنّ السلطة جاهزة لتغيير الأشخاص لا النظام، وهنا تكمن المؤامرة على الحراك، فبدلاً من المطالبة بتغيير النظام بكل أركانه ورموزه يتم تغيير بعض الأشخاص، ويتكرّر في الجزائر السيناريو نفسه الذي حدث في تونس فذهب بن علي وجاء السبسي، وفي مصر ذهب مبارك وجاء السيسي، فهذه هي المؤامرة، وهي مؤامرة يُمسك الغرب جيداً بخيوطها عن بُعد، وهدفها الرئيس هو إبعاد الإسلام عن الحكم، وهذه المؤامرة لا يبطلها إلا تبني مشروع إسلامي واضح يتبنّاه التيار الإسلامي وتلتف حوله الجماهير، ويهدم نظام الجمهورية الفاسد، وتُقام على أنقاضها دولة إسلامية تحكم الناس بشرع الله، وتحمل دعوة الإسلام إلى العالم.
على العاملين للتغيير أنْ يُميّزوا بين مشروع الإسلام العظيم وهو مشروع بناء الدولة الإسلامية، وبين البرامج الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية التي تطرحها الأحزاب العلمانية والأحزابالإسلامية كحركة البناء وحمس، فبرامج هذه الأحزاب متشابهة ولا تكاد تلحظ بينها أي فارق ذي قيمة فكلها تخرج من المشكاة نفسها، فبرنامج حمس مثلا يقول نحن جزء من تكتل الجزائر الخضراء، ونرفع شعارات التحالف مع جميع الوطنيين، ومن أهدافنا نشر الحريات لجميع البشر، وإقامة الدولة الجزائرية الوطنية وفقاً لدستور ١٩٥٤، فهل هذا البرنامج إسلاميأم علماني؟ فما علاقة التيار الإسلامي بدستور ١٩٥٤؟! إنّ مثل هذا الطرح لا شك أنّه يُفرح أعداء الإسلام، ولا يجلب للمسلمين إلا الضياع والفشل.
فإذا لم يكن المشروع ينص على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله، أي الحكم بما أنزل الله، فلا يوجد أي تغيير، أمّا أنْ نسمع من مثل هذه الحركات الإسلامية ضرورة التنسيق مع العلمانيين، فهذه هي الطامة الكبرى، فكيف يُنسقون مع أعداء الإسلام من العلمانيين اللادينيين؟ وهل هناك قواسم مشتركة بين الإيمان والكفر، وبين الحق والباطل؟! فالعلمانيون يحقدون على الإسلام، فلا يجوز التوافق معهم، لأنّ ذلك التوافق لا يعني إلا أنّنا تخلينا عن إيمانناوإسلامنا، ودخلنا في علمانيتهم المشؤومة.
إننا نرجو أن يتحول هذا الحراك الحالي إلى حراك إسلامي واضح، بمشروع إسلامي واضح، وهو مشروع بناء الدولة الإسلامية الحقيقية؛ الخلافة على منهاج النبوة، وإنْ لم يحصل هذا التحول فسوف تبقى الأمور على ما هي عليه، وسوف يندم المبتهجون في الحراك على اختيارهم للعلمانية، وقيمة الحراك وقيمة الثورة تكمن فقط في تبني مشروع دولة الخلافة وهو وحده المشروع الرباني العظيم.
السبت، 6 أبريل 2019
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)