التوتر بين مصروالصومال من جهة وبين اثيوبيا من جهةٍ
ثانيةٍ يأخذ أبعاداً خطيرةً جديدة
أبرمت إثيوبيا في الأول من كانون الثاني - يناير الجاري 2024
اتفاقًاً أولياً مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي يسمح بموجبه وصول اثيوبيا إلى
مدخل البحر الأحمر قبالة خليج عدن عبر إقامة قاعدة بحرية عسكرية وتجارية لها
بالقرب من ميناء بربرة الصومالي على مساحة 20 كيلومتر مربع ولمدة 50 عاماً، وذلك بحسب
اتفاق تأجير بين البلدين، ومقابل ذلك الميناء لأثيوبيا تعترف الحكومة الإثيوبية بـجمهورية
أرض الصومال الانفصالية بوصفها دولة مستقلة عن الدولة الصومالية إضافة إلى حصول
الاقليم الانفصالي غلى حصة قدرها 20% من إيرادات الخطوط الجوية الإثيوبية ذات
الأرباح العالية.
إنّ تمكين اثيوبيا من إيجاد موطئ قدم استراتيجي لها في المياه الدولية
يُعزّز من سيطرتها على القرن الافريقي، ويُوسّع تمدّدها في المنطقة، وتوجد لها تحالفات
جديدة مُفيدة كما يوجد لها عداوات جديدة مع دول المنطقة وخاصة مع مصر بشكلٍ
مُحدّد.
فتوقيع هذا الاتفاق أظهر إلى
السطح توترات جديدة مع كلٍ من مصر والصومال واريتيريا وجيبوتي، وأوجد أجواءً
تصعيديةً جديدة في المنطقة كلها قد تُنذر
بالتصعيد الذي الذي يوصل إلى اندلاع حرب اقليمية شاملة.
وهذا الاتفاق يُسهم بلا شك في تقوية نفوذ اثيوبيا في المنطقة، ويُعزّز
من شعبية الرئيس الأثيوبي آبي أحمد الذي تآكلت شعبيتة مُؤخراً بسبب الحروب العرقية
والأهلية التي انتشرت في بلاده في السنوات الأخيرة، علماً بأنّ اثيوبيا هي ثاني
أكبر بلد في القارة الافريقية بعد نيجيريا ويصل تعداد السكان فيها إلى 120 مليون
نسمة.
وتتفق مصلحة إثيوبيا بسبب
هذا الاتفاق مع مصلحة اقليم أرض الصومال الانفصالي الذي يمنح اثيوبيا مرفاً بحرياً
مهماً هي بأمس الحاجة له، كما يمنح الاستقلال والحماية لإقليم ارض الصومال
الانفصالي من تهديدات الحكومة الصومالية المركزية التي تتمسك بوحدة أراضيها، بما فيها إقليم أرض الصومال
الذي أعلن انفصاله عن البلاد من طرف واحد مُنذ العام 1991، لذلك اعتبرت الصومال
هذا الاتفاق عملًا عدوانيًّا مُباشراً ضدّها، وانتهاكًا صارخًا لسيادتها، واستيلاءً إثيوبياً على جزء من أراضيها ومياهها.
وتتخوّف دولتي جيبوتي واريتريا من منافسة ميناء بربرة لموانئهما النشطة
بعد أنْ تستخدمه اثيوبيا والتي هي دولة كبيرة في المنطقة، وتجارتها مع العالم من الضخامة بمكان بحيث لا تقارن بالتجارة
الجيبوتبة والارتيرية الصغيرة، وكذلك تتخوف الدول الافريقية بشكل عام من نماذج
انفصالية فيها على غرار نموذج اقليم ارض الصومال.
وامّا مصر التي أعلنت
انتهاء الجولة الرابعة من مفاوضات سد النهضة بينها وبين إثيوبيا من دون تحقيق
أية نتائج، وأعلنت فشل المُحادثات بين الدولتين تماماً، وانتقدت المواقف الإثيوبية
الرافضة للتفاهم مع مصر عبر السنوات الماضية، فهي مُتضرّرة أيضاً من هذا الاتفاق
الاثيوبي مع جمهؤربة أرض الصومال الانفصالية بسبب أنّ هذا الاتفاق يزيد من قوة
اثيوبيا على حساب مصر، ويمنحها اليد الطولى في القرن الافريقي، وهي منطفة أمن
عربية لجنوب مصر والسودان، كما أنّها تضرب التواصل الجغرافي والتكامل الاستراتيجي للصومال
- الذي هو دولة عربية - مع مصر والسودان.
وإقليم أرض الصومال هو أحد الأقاليم
الصومالية التاريخية، بجانب كل من جيبوتي (الصومال الفرنسي)، وإقليم (بونت)
المحكوم ذاتيا، و(وسط وجنوب الصومال) التي كان يطلق عليها الصومال الإيطالي وهو
الذي تسيطر عليه الدولة الصومالية اليوم ،
وإقليم (أوجادين) الذي تحتلّه إثيوبيا، وإقليم (أنفدي) جنوب غرب الصومال الذي
تحتلّه كينيا.
وترتبط حكومة إقليم أرض الصومال
الانفصالي بعلاقات غير شرعية مع عدد من الدول، فلديها مكاتب تمثيلية في امريكا
وبريطانيا والإمارات وتايوان، وتستضيف بعثات قنصلية من بريطانيا وتركيا وتايوان
وإثيوبيا وجيبوتي.
وقد وقّعت دولة الإمارات اتفاقًا مع اقليم أرض
الصومال الانفصالي عام 2016 بقيمة 442 مليون دولار لتشغيل مركز تجاري ولوجيستي
إقليمي في ميناء (بربرة)، كما وقعت معه أيضاً في 2018 اتفاقية لتطوير مشروع منطقة
اقتصادية حرة تتكامل مع مشروع تطوير ميناء (بربرة)، وتحتفظ شركة موانئ دبي
العالمية بحصة تبلغ 51% من المشروع، الذي تم الانتهاء من المرحلة الأولى منه عام
2021 إلى جانب 30% لأرض الصومال، و19% لإثيوبيا.
إنّ الدور الإثيوبي التاريخي في
تفكيك الصومال قديم ومعروف سواء من خلال احتلال إقليم الأوجادين الصومالي منذ عام
1954، أو في دعم انفصال أرض الصومال منذ منتصف السبعينيات من القرن العشرين،
وصولًا إلى هذا الاتفاق الذي يرسخ من الانفصال، ويعزز من الهيمنة الإثيوبية على
الأراضي الصومالية.
ويُساعد اثيوبيا في تمزيق الصومال ما
تقوم به دولة الامارات نيابةً عن بريطانيا من أعمال اقتصادية وسياسية أفضت إلى
شراكة ثلاثية ضمت اثيوبيا والإمارات
وحكومة الإقليم الانفصالي، وغضت أمربكا النظر عن هذا الدور الاماراتي الخبيث
المدعوم من بريطانيا والمتكامل مع الدور الاثيوبي في السيطرة على الاقليم لمواجهة
التمدد الصيني المٌنتشر في الصومال وفي القرن الافريقي.
وفيما كان هناك هذا النشاط الملحوظ لاثيوبيا
والامارات في اقليم ارض الصومال الانفصالي مُنذ عدة سنوات كان هناك غياب كبير
للدور المصري وللجامعة العربية رغم أهمية التأثير للقرن الأفريقي بوصفه يمثّل العمق
الإستراتيجي للدولة المصرية.
ولقد كانت الموانئ الصومالية تاريخياً كزيلع
وهرر وبربرة، وكانت المدن المركزية في الصومال كهرجيسا ومقديشو محطات تجارية
إستراتيجية لمصر عبر عشرات القرون، وكانت ترتبط بأمن مصر الاقليمي ارتباطاً عضوياً
في هذه المنطقة بالغة الحساسية، لم تعُد كذلك في الوقت الحاضر لضعف حكام مصر
وعمالتهم وتفريطهم في حقوق الشعب المصري بشكلٍ خاص والشعوب العربية والاسلامية
عموماً.
إنّ هذا التمدد الإثيوبي في ظل هذا الطموح
الكبير الذي تحدث به رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قبل شهرين من توقيع الاتفاق في
أكتوبر- تشرين أول عام 2023 في مجلس النواب الاثيوبي وما أسماه بحق بلاده في أن
يكون لها حضور عادل على البحر الأحمر، حتى لو كان ذلك على حساب باقي دول المنطقة،
وحتى ولو كان على حساب وحدة الصومال وسلامة أراضيه، إنّ هذا التمدّد يُشكّل أكبرَ
تهديدٍ لمصر وللسعودية وللجامعة العربية بكل دولها، وذلك لأنّ خاصرتها الرخوة في
القرن الافريقي باتت تتساقط بيد اثيوبيا، ممّا يؤدي جعل مصر والمنطقة العربية
مُطوّقة بالكامل من الجنوب، وهذا هو أكبر تهديد حقيقي للدول العربية، ولعله يُعادل
تهديد كيان يهود من الشمال، ممّا يضع مصر والسعودية وسائر البلاد العربية بين فكي
كمّاشة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق