وثائق بانادورا وفساد الحكام
سبق ظهور هذه الوثائق التي أطلق عليها صندوق باندورا وثائق عديدة مُماثلة، كوثائق بنما والوثائق السويسرية ووثائق لوكسمبورغ، وجميعها تفضح الحكام الفاسدين، فهي تسريبات تكشف ما يُحاول الحكام إخفاءه من تعدٍ على الأموال العامة، ولصوصية، وغسيل أموال، وتهرب ضريبي، إلا أنّ وثائق باندورا تمتاز عن سواها من الوثائق الأخرى المشابهة بمصداقية أكبر، وبتحريات أوسع، وبأدلة أدق.
فقد شارك في إخراجها أكثر من 600 صحفي بحثوا في قرابة الاثني عشر مليون وثيقة من 14 شركة للخدمات المالية، سلّطوا الضوء فيها على أكثر من 29 ألف شركة "أوف شور" لشهور طويلة.
والأوف شور هي شركات وهمية تمنح درجة عالية من السرية للمالكين السريين الأجانب للعقارات والأصول التي يمتلكونها في أمريكا وبريطانيا ودول غربية أخرى، وتقوم الأوف شور بعملها هذا من خلال شبكات مُعقدة تعمل عبر الحدود لجعل الملكيات والأصول خفية عن أعين الشعوب صاحبة تلك الأموال.
والجهة التي قامت بهذا العمل الضخم هي جهة غير حكومية، وهي الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين في واشنطن بالتعاون مع البي بي سي وصحيفة الغارديان البريطانية، وكشفت التحقيقات التي قاموا بها عن هُوية مالكين سريين لـ1500 عقار في بريطانيا وأمريكا تمّ شراؤها بمليارات الدولارات، وتورّط فيها قائمة من كبار القادة والسياسيين الفاسدين منهم 35 رئيساً أو رئيس وزراء حاليين وسابقين، بالإضافة إلى 300 سياسي ووصولي آخر من دول عدة ومنهم:
1 – العائلة المالكة في قطر ونظيرتها في الإمارات.
2 – ملك الأردن عبد الله الثاني.
3 – رئيس وزراء لبنان الحالي نجيب ميقاتي وسلفه حسان دياب.
4 – رئيس وزراء التشيك.
5 – رئيس كينيا.
6 – رئيس الأكوادور.
7 – الرئيس الروسي.
ولو أخذنا ملك الأردن عبد الله الثاني مثالاً لهذه التحقيقات لأدركنا طبيعة سائر الفاسدين من السياسيين ومرتزقتهم، فالملك الأردني الذي تعيش دولته في أزمة اقتصادية خانقة، وفي وضع معيشي مُزرٍ للسكان، حيث الفقر والبطالة وغلاء الأسعار وكل المشاكل الاقتصادية تتفشّى في كل جوانب المجتمع، ومع ذلك نجده يبذل قصارى جهده في تملك العقارات الفاخرة في بريطانيا وأمريكا على حساب شعبه المسحوق المطحون، وهو يُحاول من خلال شركات الأوف شور إخفاء امتلاكه للعقارات الكثيرة التي لا حاجة له فيها، في أمريكا وبريطانيا عن عيون شعبه.
فلقد ذكرت تحقيقات باندورا عن إنفاق الملك عبد الله الثاني 106 ملايين دولار في شراء 15 عقاراً في بريطانيا وفي ماليبو بكاليفورنيا وفي واشنطن بأمريكا، وهو يحاول منذ توليه السلطة بعد وفاة والده الملك حسين سنة 1999 إخفاء ملكيته لهذه العقارات التي كشفتها باندورا.
واعترف الملك وديوانه الملكي بنتائج هذه التحقيقات، ورد الديوان الملكي عليها بالقول إنّ عدم الإعلان عنها يأتي من باب الخصوصية وليس من باب السرية، وهو عذر أقبح من ذنب! فإنّ مجرد تعمّد الإخفاء يعني أنّ هناك جريمة تُرتكب وشيئا خاطئا يُدبّر.
وأمّا رد الملك فكان رداً غوغائياً حيث قال: "هناك حملة ضدّ الأردن وهي ليست الأولى من نوعها، وهناك من يُريد التخريب ويبني الشكوك" ثمّ عزف على لحن الإصلاح الاقتصادي والإداري الموهوم في الأردن ليصرف الرأي العام عن هذه الفضيحة.
لقد أثبتت هذه التحقيقات غير الحكومية أنّ هؤلاء الحكام المتورطين في اختلاس أموال شعوبهم وتسريبها إلى الخارج لشراء وتملك عقارات هم ليسوا مجرد عملاء ومأجورين للكافر المستعمر وحسب، بل هم أيضاً لصوص وفاسدون ومُفسدون.