برعاية اليابان وألمانيا والسويد وتركياوالأردنوالاتحاد الأوروبي، انعقد المؤتمر الدولي للدول المانحة لدعم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في نيويورك يومي 26 و27 من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وحضره مسؤولون من 34 دولة عضو ومنظمة، من بينها جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية، كما شارك في الاجتماع الأمين العام للأمم المتحدة، ورئيس الجمعية العامة، والمفوض العام للأونروا.
وأُعلن بعد انتهاء المؤتمر عنْ تلقي دعم إضافي للوكالة بقيمة 118 مليون دولار، ووُصف المؤتمر بــ(الناجح جداً على مختلف الأصعدة)، وقال المفوض العام لوكالة (الأونروا) بيير كرينبول: "إنّ الالتزامات الجديدة خطوة مهمّة من أجل تجاوز الأزمة المالية الأخطر في تاريخ الوكالة"، وقامت دول عديدة مُختلفة بالتبرع للأونروا، أو بالتعهد بالتبرع مُستقبلاً.
وكانت وكالة الأونروا قد وجّهت نداءً عاجلاً لجمع 200 مليون دولار لسد العجز المالي لتجنب إغلاق مدارسها ومراكزها الصحية، فجاء هذا المؤتمر استجابةً للنداء، ورداً على إيقاف أمريكا لحصتها التمويلية البالغة نحو 365 مليون دولار سنوياً، والتي تُشكّل حوالي ثلث موازنة الوكالة المقدرة بنحو 1.1 مليار دولار، وهو الأمر الذي تسبّب في حدوث تلك الأزمة المالية الخانقة، فارتفع عجزها المالي إلى 446 مليون فجاء هذا المؤتمر وحلّ الأزمة، وتمكّن من تقليص العجز إلى 68 مليون دولار فقط.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة استيفان دوغريك: "كان الاجتماع خطوة حاسمة في الجهود المبذولة للتغلب على النقص في الوكالة والبالغ 186 مليون دولار أمريكي، والحفاظ على عمليات الأونروا في الضفة الغربية، والقدس وغزة والأردن ولبنان وسوريا".
ومعلومٌ أنّ الأونروا كانت قد تأسّست كوكالة تابعة للأمم المتحدة بقرار من الجمعية العامة في عام 1949م، وتم تفويضها بتقديم المساعدات الأساسية إلى لاجئي فلسطين لحين التوصل إلى ما يُسمونه بــ"حل عادل ودائم للنزاع الفلسطيني (الإسرائيلي)"، وعدد اللاجئين حالياً هو 5,4 مليون مُسجلون لدى الأونروا.
وهكذا نجح المؤتمر في تلافي الضربة الموجعة التي سدّدتها أمريكا للوكالة بعد قطعها لثلث تمويلها، فتمكّن المؤتمر بضخّه لهذه الملايين في شرايينها من إبقاء الأونروا على قيد الحياة، بعد أنّ ظنّ الكثيرون أنّها فقدت مُبرّرات وجودها، وظنّوا أنّ أمريكا وكيان يهود أرادتا من قرار قطع التمويل عنها إسقاط واحدٍ من أهم ملفات القضية الفلسطينية، ألا وهو ملف حق عودة لاجئي فلسطين أو تعويضهم.
والمُدقّق في موقف أمريكا هذا يجد أنّها غير جادة في إسقاط هذا الملف، بدليل أنّها سمحت للاتحاد الأوروبي واليابان بتولي تمويل النقص الذي طرأ بسبب انسحابها، فلم تقم إدارة ترامب بأي عرقلة لأعمال المؤتمر على أراضيها، ولم تضغط على الدول التي تدور في فلكها كاليابان لمنعها من المشاركة في المؤتمر، بل وأبقت الباب مفتوحاً لإعادة دفع جزء من حصتها في المُستقبل بشروطها.
فقطْع أمريكا لحصتها التمويلية يأتي في سياق النهج العام لإدارة ترامب في تقليص المدفوعات الأمريكية للكثير من المؤسّسات الدولية، ومنها الأونروا، فسبب القطع اقتصادي أكثر منه سياسي، فكأنّها أحالت التزاماتها المالية تلك على دول غنية غيرها كاليابان وألمانيا، وكأنّ اليابان وألمانيا قد خضعتا للرغبة الأمريكية بتحملهما لبعض التكاليف المالية العالمية التي كانت أمريكا تنفرد بها.
أمّا موضوع عودة لاجئي فلسطين لديارهم فأمريكا وأوروبا والدول العربية وكل دول العالم ومعهم مُنظمة التحرير الفلسطينية مُتفقون على عدم السماح بعودة اللاجئين إلى ديارهم منذ اللحظة التي تمّ فيها تهجيرهم، أي مُنذ النكبة، ويُريد الجميع حل المشكلة عن طريق التعويض لا العودة، فأصبح ذلك عرفاً دولياً عاماً، وبالتالي فلا تُلغى وكالة الأونروا إلا بعد تصفية مسألة اللاجئين، تمهيداً لتصفية قضية فلسطين ككل، وهذا هو سبب سرعة استجابة المنظمة الدولية في عقد المؤتمر، وضخ الأموال للأونروا، لأنّ ذلك جزء من التزاماتها، والتزامات الدول الكبرى والغنية، ولأنّ القضية لم تحن بعدُ تصفيتها.
فاهتمام ما يُسمّى بالمُجتمع الدولي بإبقاء الأونروا، وتقديم الخدمات للاجئي فلسطين، ليس هدفه خدمة اللاجئين، ولا هدفه خدمة النواحي الإنسانية، وإنّما هدفه تصفية قضية فلسطين بالطريقة القانونية، وتمكين يهود من السيطرة القانونية على مُعظم فلسطين بموافقة مُمثليها الخونة بتحويل قضية فلسطين من قضية "عسكرية"؛ اغتصاب أرض إسلامية واجب تحريرها، إلى قضية "إنسانية"؛ لاجئين وتعويضات، وحكم ذاتي محدود تحت مُسمّى حل الدولتين، فتطبيق الالتزامات الدولية المُتعلقة باللاجئين تعني جعل القضية بعهدة الأمم المتحدة، بدلاً من أنْ تكون بعهدة المسلمين، أي بعهدة الدول الكبرى الرئيسية في العالم، وتصفيتها باسم القانون الدولي، ومن ثمّ قطع الطريق على إعادة توصيفها بأنّها قضية أمّة إسلامية، والحيلولة دون توجّه المسلمين للعمل الجهادي لتحرير فلسطين، وهو الطريق الطبيعي الشرعي الوحيد لحل القضية.
والحقيقة أنّ كلّ البلاء الذي حلّ بأهل فلسطين منذ سقوط الخلافة العثمانية إنّما سببه الدول الكبرى، وهذه الهيئات الأممية اللعينة، وما انبثق عنها من مُنظّمات كوكالة (الأونروا).
لذلك كان لا بُدّ أولاً من نبذ هذه الوكالة، ونبذ التعاون مع القوى الكبرى التي ترعاها، والتي مسخت القضية الفلسطينية إلى قضية لاجئين، فكانت الوكالة هي الوسيلة التي تستخدمها القوى الاستعمارية لمنع تحرير فلسطين.
وكان لا بُدّ ثانياً من إعادة تعريف القضية على أنّها قضية إسلامية تخص العالم الإسلامي كله، وتخصّه وحده، فتُحلُّ بالطريقة الإسلامية وحسب، وتتمثّل حصراً بتحريك الجيوش لتحرير فلسطين بالجهاد، فتقتلع كيان يهود من جذوره، وتقطع أيادي الدول الكبرى التي تدعمه.