انتفاضة إيران وإرادة التغيير لدى الأمّة
ليست هبّة عابرة تلك الاحتجاجات المفاجئة التي اجتاحت شوارع المدن الايرانية كما يزعم الموالون لحكام إيران، ولا هي فتنة جديدة كما وصفها قائد الحرس الثوري محمد على جعفري، وقال بأنّها مجرد "احتجاجات قد انتهت"، ولا مؤامرة خارجية تُحرّكها واشنطن ولندن وتل أبيب كما يتهمها خامنئي مرشد النظام، بل هي انتفاضة شعبٍ ضدّ نظامٍ عاتٍ عانى منه الأمرّين، وهو شكلٌ من أشكال التمرد على نظام طاغوتي مشبوه يشتم أمريكا في العلن، ويُنسق معها في السر، فهذه الاحتجاجات لشباب إيران ضد النظام هي شرارة ثورة حقيقية تنشد تغييراً حقيقياً.
اندلعت الاحتجاجات بشكلٍ عفوي من مدينة مشهد في السابع والعشرين من كانون أول / ديسمبر الماضي بمطالب بسيطة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد، ثمّ اتسعت جغرافياً وتوسّعت مطلبياً، فجغرافياً اتّسعت رقعتها يوماً بعد يوم فشملت مدنا جديدة بلغت 120 مدينة، ومطلبياً توسعت شعاراتها وتحولت لانتفاضة شعبية واسعة ضد السلطة مطالبةً بإسقاط النظام، ومن تلك الشعارات التي ردّدها المتظاهرون في مسيراتهم: "سيد علي اخجل من نفسك وارحل"، و"الموت للديكتاتور"، و"الناس تتسول والمرشد الأعلى يتصرف كإله"، و"الموت لروحاني".
إنّها حركة جماهيرية ذاتية فاجأت النظام ولم يتوقعها المراقبون، دافعها الطبيعي مجموعة مُحرّكات من الظلم والبطالة والفقر وانتشار الفساد واحتكار السلطة من قبل طبقة أشبه بطبقة رجال الدين في القرون الوسطى في أوروبا، إنّها بلا شك حركة شعبية ضد سلطة غاشمة مُدجّجة بكل أنواع القوة العسكرية تشمل الجيش والحرس الثوري والأجهزة الأمنية.
لقد دخلت هذه الاحتجاجات أسبوعها الثاني بالرغم من استخدام السلطة لكافة أشكال القمع والعنف والاعتقال ضد المتظاهرين، وبالرغم من تنظيم السلطة لتظاهرات موازية مؤيدة للنظام في محاولة منها لإفراغ الانتفاضة من فحواها ومضامينها، والتلبيس على أهدافها ومراميها.
وللقضاء عليها في أسرع وقت فقد تمّ نشر الحرس الثوري في أكبر ثلاثة أقاليم تشهد أعمال احتجاجية وهى همدان وأصفهان ولورستان، وتمّ قطع الإنترنت وحجب عدد كبير من المواقع الإلكترونية التي تبث صوراً ومقاطع فيديو للمظاهرات والمسيرات في مُحاولةٍ لإخماد الانتفاضة، ووأدها قبل استفحالها، ولكنّها ومع كل هذه الأساليب القمعية فما زالت الثورة تتأجّج، وما زالت تُنوّع في أساليبها، وكلما زاد الضغط على المُتظاهرين يزيد لديهم الإصرار على التحدي، فقتل العشرات من المحتجين واعتقال الالاف منهم لم يفت في عضدهم، ولم يوهن من الحماسة في نفوس الشباب الثائرين.
لا تُقاس هذه الاحتجاجات على ما جرى في احتجاجات عام 2009 التي كانت دوافعها محصورة بتزوير الانتخابات، وكانت مطالبها محددة بإعادة فرز الأصوات، وكان التيارات التقليديان الاصلاحي والمحافظ يتنافسان فيها، نعم لا تقاس هذه على تلك، ففي هذه المرّة جاءت المطالب شاملة، ورُفعت فيها شعارات تُطالب بإسقاط النظام برأسيه الاصلاحي والمحافظ، فلم تعد لعبة جناحي السلطة الفاسدين تنطلي على المتظاهرين، لذلك نودي فيها بإسقاط خامنئي وروحاني معاً بلا فرق بين حكم الإصلاحيين والمحافظين.
أمّا بالنسبة لمواقف القوى الدولية والاقليمية منها فواضح أنّ أغلبها مواقف يظهر فيها التواطؤ مع النظام الحاكم، فالإدارة الأمريكية اكتفت بالتصريحات الكلامية ضد النظام، ووقوف أمريكا إلى جانب المعارضة يثير الشبهات حولها، ويعطي النظام شعبية إضافية، ويمنحه غطاءاً ومشروعيةً لتصفية الثائرين عليه، وهكذا تفعل أمريكا مع كل الذين تقف إلى جانبهم.
وأمّا موقف الدولة التركية المُجاورة لإيران، فكان موقفاً داعماً صريحاً للنظام ضد حركة الاحتجاج، فقد اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني واطمأنّ منه على سير العمل ضد الانتفاضة، واتّهم مسؤولون أتراك الحراك الجماهيري ضد النظام في ايران بأنّه مؤيد من ترامب ونتنياهو فقط في مُحاولةٍ منهم لتشويهه وإضعافه، وهذا هو ديدن حكام تركيا من الثورات، وهو اضعافها والمشاركة في تصفيتها كما فعلوا مع ثورة الشام.
وأمّا الموقف الروسي فهو يقف بكل صلابة إلى جانب نظام طهران، وبدا وكأنّه يُحذّر أمريكا من مغبة التدخل في الشأن الداخلي الإيراني، وقال ريابكوف وهو مسؤول روسي كبير:" إنه رغم المحاولات العديدة لتشويه ما يجري فعلا في ايران، انا على ثقة بأن جارتنا وصديقتنا ستتغلب على صعوباتها الحالية". وانتقد ايضا دعوة السفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الامن لمناقشة أعمال العنف.
أمّا الموقف البريطاني فظهر فيه العداء للنظام بوضوح، وعمل على تلميع عملائه الايرانيين كحركة مجاهدي خلق، وكرضا بهلوي ابن شاه ايران السابق لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية، ولطرحه كبديل سياسي عن النظام الحالي.
إنّ ما يُميز هذه الانتفاضة في شوارع المدن الايرانية أنّها بلا قيادة ولا رأس، وربما تكون هذه صفة قوة فيها حتى الآن، وعلى المدى القريب، فلا تستطيع القوى المُتآمرة تزعمها، وحرفها عن مسارها، وتصفيتها، ولكنّها ان استمرت كذلك في المدى المنظور فستكون حتماً صفة ضعف لأنّه لا مُستقبل لأي حراك جماهيري من دون راس وقيادة.
إنّ هذه الانتفاضة مُرشّحة للاستمرار بفعل وجود عوامل معيشية ضاغطة تُغذي جذوتها، مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالبيض والدجاج الذي تضاعفت أسعاره كثيراً بعد إصابة ملايين الدجاج بإنفلونزا الطيور، وبفعل البطالة التي بلغت معدلاتها الحالية 12.4 في المئة بزيادة 1.4 في المئة عن العام السابق وفقاً للمركز الإحصائي الإيراني، وبفعل ارتفاع معدل التضخم إلى 8 بالمئة، وهو ما يزيد من السخط الشعبي على الحكومة، وبفعل السياسة الخارجية للحكومة التي تُهدر فيها المليارات على مؤامرات ودسائس خارجية، والتي احتج عليها المُتظاهرون، فرفعوا شعارات ضد التدخل الايراني في سورية ولبنان وغزة وغيرها، وهو تعبير عن غضبهم على الحكومة التي تُنفق الأموال ببذخ على مغامرات خارجية بينما يعيش الايرانيون في الداخل في فقرٍ مُدقع.
إنّ انتفاضة الإيرانيين ضد النظام الحاكم سواء كُتب لها النجاح أو تمّ إفشالها تكشف حقيقة أنّ نظام ولاية الفقيه في ايران هو كسائر الأنظمة الطاغوتية الفاشلة في العالم الاسلامي، لا يحظى بأي ميزة لدى الشعوب المسلمة لا في ايران ولا في خارجها، وهو نُسخة بائسة عن الأنظمة الدكتاتورية الأخرى بثيابٍ اسلامية، وقد ظهر من خلال هذه الانتفاضة أنّ شعوب الامّة الاسلامية ترفضه وتمقته كما ترفض وتمقت غيره سواء بسواء، وأنّ عمالة النظام وفساد ( آياته ) يستوجب الخروج عليه وإسقاطه، وإقامة حكم الاسلام الحقيقي مكانه.
اندلعت الاحتجاجات بشكلٍ عفوي من مدينة مشهد في السابع والعشرين من كانون أول / ديسمبر الماضي بمطالب بسيطة تتعلق بالأوضاع الاقتصادية وانتشار الفساد، ثمّ اتسعت جغرافياً وتوسّعت مطلبياً، فجغرافياً اتّسعت رقعتها يوماً بعد يوم فشملت مدنا جديدة بلغت 120 مدينة، ومطلبياً توسعت شعاراتها وتحولت لانتفاضة شعبية واسعة ضد السلطة مطالبةً بإسقاط النظام، ومن تلك الشعارات التي ردّدها المتظاهرون في مسيراتهم: "سيد علي اخجل من نفسك وارحل"، و"الموت للديكتاتور"، و"الناس تتسول والمرشد الأعلى يتصرف كإله"، و"الموت لروحاني".
إنّها حركة جماهيرية ذاتية فاجأت النظام ولم يتوقعها المراقبون، دافعها الطبيعي مجموعة مُحرّكات من الظلم والبطالة والفقر وانتشار الفساد واحتكار السلطة من قبل طبقة أشبه بطبقة رجال الدين في القرون الوسطى في أوروبا، إنّها بلا شك حركة شعبية ضد سلطة غاشمة مُدجّجة بكل أنواع القوة العسكرية تشمل الجيش والحرس الثوري والأجهزة الأمنية.
لقد دخلت هذه الاحتجاجات أسبوعها الثاني بالرغم من استخدام السلطة لكافة أشكال القمع والعنف والاعتقال ضد المتظاهرين، وبالرغم من تنظيم السلطة لتظاهرات موازية مؤيدة للنظام في محاولة منها لإفراغ الانتفاضة من فحواها ومضامينها، والتلبيس على أهدافها ومراميها.
وللقضاء عليها في أسرع وقت فقد تمّ نشر الحرس الثوري في أكبر ثلاثة أقاليم تشهد أعمال احتجاجية وهى همدان وأصفهان ولورستان، وتمّ قطع الإنترنت وحجب عدد كبير من المواقع الإلكترونية التي تبث صوراً ومقاطع فيديو للمظاهرات والمسيرات في مُحاولةٍ لإخماد الانتفاضة، ووأدها قبل استفحالها، ولكنّها ومع كل هذه الأساليب القمعية فما زالت الثورة تتأجّج، وما زالت تُنوّع في أساليبها، وكلما زاد الضغط على المُتظاهرين يزيد لديهم الإصرار على التحدي، فقتل العشرات من المحتجين واعتقال الالاف منهم لم يفت في عضدهم، ولم يوهن من الحماسة في نفوس الشباب الثائرين.
لا تُقاس هذه الاحتجاجات على ما جرى في احتجاجات عام 2009 التي كانت دوافعها محصورة بتزوير الانتخابات، وكانت مطالبها محددة بإعادة فرز الأصوات، وكان التيارات التقليديان الاصلاحي والمحافظ يتنافسان فيها، نعم لا تقاس هذه على تلك، ففي هذه المرّة جاءت المطالب شاملة، ورُفعت فيها شعارات تُطالب بإسقاط النظام برأسيه الاصلاحي والمحافظ، فلم تعد لعبة جناحي السلطة الفاسدين تنطلي على المتظاهرين، لذلك نودي فيها بإسقاط خامنئي وروحاني معاً بلا فرق بين حكم الإصلاحيين والمحافظين.
أمّا بالنسبة لمواقف القوى الدولية والاقليمية منها فواضح أنّ أغلبها مواقف يظهر فيها التواطؤ مع النظام الحاكم، فالإدارة الأمريكية اكتفت بالتصريحات الكلامية ضد النظام، ووقوف أمريكا إلى جانب المعارضة يثير الشبهات حولها، ويعطي النظام شعبية إضافية، ويمنحه غطاءاً ومشروعيةً لتصفية الثائرين عليه، وهكذا تفعل أمريكا مع كل الذين تقف إلى جانبهم.
وأمّا موقف الدولة التركية المُجاورة لإيران، فكان موقفاً داعماً صريحاً للنظام ضد حركة الاحتجاج، فقد اتصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بنظيره الإيراني حسن روحاني واطمأنّ منه على سير العمل ضد الانتفاضة، واتّهم مسؤولون أتراك الحراك الجماهيري ضد النظام في ايران بأنّه مؤيد من ترامب ونتنياهو فقط في مُحاولةٍ منهم لتشويهه وإضعافه، وهذا هو ديدن حكام تركيا من الثورات، وهو اضعافها والمشاركة في تصفيتها كما فعلوا مع ثورة الشام.
وأمّا الموقف الروسي فهو يقف بكل صلابة إلى جانب نظام طهران، وبدا وكأنّه يُحذّر أمريكا من مغبة التدخل في الشأن الداخلي الإيراني، وقال ريابكوف وهو مسؤول روسي كبير:" إنه رغم المحاولات العديدة لتشويه ما يجري فعلا في ايران، انا على ثقة بأن جارتنا وصديقتنا ستتغلب على صعوباتها الحالية". وانتقد ايضا دعوة السفيرة الامريكية لدى الامم المتحدة نيكي هايلي إلى عقد اجتماع طارئ في مجلس الامن لمناقشة أعمال العنف.
أمّا الموقف البريطاني فظهر فيه العداء للنظام بوضوح، وعمل على تلميع عملائه الايرانيين كحركة مجاهدي خلق، وكرضا بهلوي ابن شاه ايران السابق لركوب موجة الاحتجاجات الشعبية، ولطرحه كبديل سياسي عن النظام الحالي.
إنّ ما يُميز هذه الانتفاضة في شوارع المدن الايرانية أنّها بلا قيادة ولا رأس، وربما تكون هذه صفة قوة فيها حتى الآن، وعلى المدى القريب، فلا تستطيع القوى المُتآمرة تزعمها، وحرفها عن مسارها، وتصفيتها، ولكنّها ان استمرت كذلك في المدى المنظور فستكون حتماً صفة ضعف لأنّه لا مُستقبل لأي حراك جماهيري من دون راس وقيادة.
إنّ هذه الانتفاضة مُرشّحة للاستمرار بفعل وجود عوامل معيشية ضاغطة تُغذي جذوتها، مثل ارتفاع أسعار السلع الأساسية كالبيض والدجاج الذي تضاعفت أسعاره كثيراً بعد إصابة ملايين الدجاج بإنفلونزا الطيور، وبفعل البطالة التي بلغت معدلاتها الحالية 12.4 في المئة بزيادة 1.4 في المئة عن العام السابق وفقاً للمركز الإحصائي الإيراني، وبفعل ارتفاع معدل التضخم إلى 8 بالمئة، وهو ما يزيد من السخط الشعبي على الحكومة، وبفعل السياسة الخارجية للحكومة التي تُهدر فيها المليارات على مؤامرات ودسائس خارجية، والتي احتج عليها المُتظاهرون، فرفعوا شعارات ضد التدخل الايراني في سورية ولبنان وغزة وغيرها، وهو تعبير عن غضبهم على الحكومة التي تُنفق الأموال ببذخ على مغامرات خارجية بينما يعيش الايرانيون في الداخل في فقرٍ مُدقع.
إنّ انتفاضة الإيرانيين ضد النظام الحاكم سواء كُتب لها النجاح أو تمّ إفشالها تكشف حقيقة أنّ نظام ولاية الفقيه في ايران هو كسائر الأنظمة الطاغوتية الفاشلة في العالم الاسلامي، لا يحظى بأي ميزة لدى الشعوب المسلمة لا في ايران ولا في خارجها، وهو نُسخة بائسة عن الأنظمة الدكتاتورية الأخرى بثيابٍ اسلامية، وقد ظهر من خلال هذه الانتفاضة أنّ شعوب الامّة الاسلامية ترفضه وتمقته كما ترفض وتمقت غيره سواء بسواء، وأنّ عمالة النظام وفساد ( آياته ) يستوجب الخروج عليه وإسقاطه، وإقامة حكم الاسلام الحقيقي مكانه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق