الجمعة، 13 أكتوبر 2017

دوافع زيارة الملك سلمان لروسيا



دوافع زيارة الملك سلمان لروسيا




وُصفت زيارة الملك سلمان لروسيا كالعادة، وككل زياراته الأخرى لأي مكان، بأنّها تاريخية، ووصفها الرئيس الروسي بوتين بالحدث البارز والمميز، ووقّعت روسيا والسعودية خلالها على حزمة صفقات ضخمة بمليارات الدولارات تمثّلت في 14 اتفاقية ثنائية.
وذُكر في البيانات الرسمية للزيارة أنّه قد تمّ توطين تصنيع عدد من الأسلحة الروسية على الأراضي السعودية، وهذه الأسلحة باختصار هي:
1 -  منظومة لرمي الصواريخ الثقيلة على دفعات بنفس طريقة عمل الراجمات.
 2 - قاذفة محمولة للقنابل اليدوية قادرة على توفير مرونة عالية وفعالية نارية كبيرة.
3 - نظام صاروخي طويل المدى مضاد للمدرعات يمكن توجيهه بالليزر.
 4 - نظام الدفاع الجوي المتقدم والمعروف بـــ( ( S-400.
5 - صناعة بندقية (الكلاشينكوف) الشهيرة، وذخائرها.
ويتبيّن من خلال هذه الصفقات الضخمة أنّ الدافع الأول لهذه الزيارة هو دفع الأموال السعودية لروسيا مُكافئةً لها على جرائمها في سورية، فقد اتفقا على تفاهمات أستانة، وعلى الحل السياسي الذي تقوده روسيا في سورية، لدرجة أنّ بعض المراقبين استغربوا من تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في روسيا والتي تغيرت فجأة، وأصبح يتحدث فيها عن ضرورة المحافظة على مؤسّسات الدولة السورية، فواطأت تصريحاته بذلك المواقف الروسية العدوانية من سورية بشكل يكاد يصل إلى حدّ التطابق.
والظاهر انّ أمريكا من خلال تقديم هذه الأموال السعودية لروسيا على شكل صفقات أسلحة، تُقدّم للروس رشوةً  ضخمة مُكافئةً لهم على قيامهم بإجهاض الثورة السورية، وتثبيت  نظام الطاغية بشار الأسد عميل أمريكا الذي لا بديل لأمريكا عنه في سورية حتى هذه اللحظة على الأقل.
ولعل مظاهر البذخ والبطر والإسراف التي اتسمت بها الزيارة الرسمية الأولى لملك سعودي إلى روسيا تُدعّم هذا الاستنتاج، وهو تقديم الأموال للروس بأي وسيلة، حيث اصطحب الملك سلمان معه في الزيارة حاشية مؤلفة من ألف وخمسمائة شخص من الحاشية بمن فيهم الوزراء والمستشارين ورجال الأعمال والخدم، واستخدم مصعداً ذهبياً للطائرة الذي أقلته، وأحضر أمتعته وسجاده الخاص معه، وكانت هناك طائرةً سعودية تسافر يومياً بين الرياض وموسكو لنقل المؤن واللوازم قبل الزيارة، كما جرى إحضار 800 كيلوغرامٍ من الطعام، واستبدل أعضاء الوفد الملكي السعودي أفراد طاقمهم الخاص الذين يعلمون بالضبط كيف يحب ملكهم تناول القهوة ببعض موظفي الفندق، وكانت الحكومة السعودية قد حجزت فندقين فخمين بالكامل من أجل هذه الزيارة، وهما فندق ريتز كارلتون وفورسيزونز، وطُلِب من بعض النزلاء العاديين أن يُلغوا حجوزاتهم لإفساح المجال لأفراد الوفد السعودي، وتمّ إخراج الأشخاص المقيمين بالفندق بشكلٍ دائم إلى أماكن أخرى.
وبلغت قيمة حجز الفندقين بالكامل خلال الزيارة نحو 3 ملايين دولار أميركي، وذلك لا يشمل ما أنفقه الوفد على الخدمات ووجبات المطاعم وخدمات المنتجعات الصحية، كما لا يشمل تغيير العديد من أثاث الغرف ذي النمط الشرقي ليتناسب مع الذوق العربي السعودي!.
وأمّا الدافع الثاني للزيارة فهو الاتفاق على تكثيف مُحاربة الإسلام، والوقوف جنباً إلى جنب مع ( المجتمع الدولي ) أي مع أمريكا في التصدي للإسلام، حيث اتفق الجانبان الروسي والسعودي على تكثيف محاربة ما يُسمّى بالإرهاب، فقال الملك سلمان: "إنّ المملكة تتعامل بجدية مع موضوع مكافحة الإرهاب والتطرف وتقوم بإنشاء مؤسسات دولية لتنسيق جهود مواجهة هذا الشر  وشاطره وزير الدفاع الروسي شويغو نفس التعبير في وصف الاسلام فقال: "نحتاج إلى وحدة المجتمع الدولي بأكمله لمحاربة هذا الشر وبلغ الانسجام بينهما أوجه عندما قال رئيس الوزراء الروسي ميدفيديف:"إنّ السعودية شريك مهم لنا في الشرق الأوسط، وأننا نستطيع دفع هذا التعاون إلى مستوى عال جدا".
ولتنقية الشوائب بينهما تمّ إجراء مُصالحة أشبه بتقديم الاعتذار من قبل الرئيس الشيشاني رمضان قديروف التابع لبوتين، والذي كان قبل مُدة قد أساء للسعودية وأخرج المذهب الوهابي من مفهوم ( أهل السنة والجماعة ) خلال مؤتمر تمّ عقده في الشيشان، فجاء قديروف إلى موسكو مُرحباً بالملك ومُجاملاً له، وأقرّ بالتعامل الجدي للسعودية في ملف مكافحة الإرهاب.
 كما التقى الملك سلمان برؤساء المناطق المسلمة الأخرى التابعة لروسيا وهي تتارستان وأنغوشيا، وفي ذلك في دلالة واضحة على تنقية وتلطيف الأجواء بين السعودية وروسية.
إنّ سماح أمريكا للسعودية بتطوير علاقاتها مع روسيا يدل على مدى عمق التوافق الأمريكي الروسي من ناحية دولية، وما السعودية بالنسبة لأمريكا إلا مجرد بقرة حلوب كما وصفها ترامب ذات مرة، فتستخدمها امريكا استخدامات شتى، ولا مانع من استخدامها عند الحاجة - بعد حلبها - لسقي شركائها وحلفائها من حليبها.
فمن زاوية العلاقات الدولية إذاً فإنّ زيارة سلمان لروسيا تدل على تشابك المصالح بين أمريكا وروسيا، وما شراء السعودية للأسلحة الروسية إلا ذريعة لدفع الأموال لها، فالسعودية مُتخمة بمشتريات الأسلحة، وليست بحاجة أصلاً إلى السلاح الروسي، فلديها من السلاح الامريكي ما يفيض عن حاجتها، ولعل إعلان وزارة الخارجية الأمريكية عن موافقتها على بيع السعودية لمنظومة صواريخ ثاد الأمريكية المُتطورة بقيمة 15 مليار بعد مرور يوم واحد على شراء السعودية لأنظمة دفاع جوية من روسيا، لعل ذلك يُثبت بأنّ مسألة شراء السعودية للأسلحة إنّما تُقرّرها أمريكا وليست السعودية، فتوقيت هذا الاعلان الأمريكي كان مُفاجئاً وغير مُناسب من ناحية دبلوماسية، وكان من الأنسب لو أرجأ الأمريكان الإعلان بعد انتهاء الزيارة، لكنّ أمريكا - وبوقاحتها المعهودة في التعامل مع عملائها- تُريد منه إرسال رسالة تأكيد لروسيا بأنّ صفقات البيع الروسية للسعودية إنّما تمّت بإذنٍ أمريكي.

فإلى متى ستبقى السعودية مصدر تمويل للصفقات الأمريكية الاستعمارية باهظة التكاليف؟

ليست هناك تعليقات: