الأربعاء، 1 يونيو 2016

قراءة في البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى


قراءة في البيان الختامي لقمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى




انتهت أعمال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى التي انعقدت يومي الخميس والجمعة 26 و27 أيار (مايو) في مدينتي إيسي وشيما اليابانيتين الواقعتين في شبه جزيرة كي على بعد 300 كم جنوب غرب العاصمة اليابانية طوكيو، وتداولت القمّة كعادتها أبرز المواضيع الاقتصادية والسياسية العالمية المطروحة على بساط البحث، من مثل تطوير الاقتصاد والتجارة، وزيادة النمو، وكيفية الخروج من حالة الركود، والتوتر السائد بين الدول المشاطئة لبحر الصين الشرقي، واحتمال خروج بريطانيا من مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، وتدفق المهاجرين بسبب النزاعات والحروب، واتفاقية باريس للمناخ.
وتصدّرت جدول أعمالها المخاطر والمصاعب الاقتصادية الحالية التي تعصف بالاقتصاد العالمي، ومن أهمّها ضعف النمو العالمي، والتقلّبات في أسعار العملات، والركود في الاقتصادات الناشئة، وانخفاض أسعار البترول، وتراجع حجم التجارة العالمية.
وهذه القمة هي الثانية والأربعون التي تعقدها المجموعة منذ نشأتها، وكانت تشكّلت مجموعة الدول الصناعية تلك في العام 1976، وتألفت من الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا، وهي أغنى دول العالم وأعلاها دخلاً وأكثرها تطوراً.
وتُسمّى المجموعة باسم مجموعة السبع (G7) ، ووجدت في الأصل من أجل مكافحة الأزمة الاقتصادية التي شهدها العالم في سبعينات القرن الماضي، وكانت أول ما تأسّست مؤلفة من خمس دول فقط، وهي أمريكا وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، ولم تكن تُوصف حينئذ بالكبرى، وأضيف لها هذا الوصف بعد أنْ انضمت إليها اليابان وكندا فيما بعد.
وفي العام 1998 أصبح اسمها مجموعة الثماني الكبرى (G8) وذلك بعد انضمام روسيا إليها، وذلك مكافأةً لها على تخليها عن الشيوعية وتبنيها للرأسمالية، لكن وفي العام 2014 أخرجت روسيا منها بسبب ضمّها لشبه جزيرة القرم إلى أراضيها بعد اندلاع المشكلة الأوكرانية، فعادت المجموعة من ثمّ إلى سابق عهدها مكونةً من سبع دول.
وسنستعرض أهم ما عالجته القمّة الحالية وهو ما جاء في بيانها الختامي ونبين الرأي الصحيح تجاهه:
فمشكلة ضعف النمو العالمي - وهي المشكلة الأبرز التي طُرِحت في القمّة - فقد كان الحل لها عندهم يتمثّل في (استخدام كافة أدوات السياسة الاقتصادية والمالية والميزانية والهيكلية فرادى ومجتمعين لزيادة معدلات النمو، ودفع الإصلاحات الهيكلية في مجتمعاتهم لتحفيز النمو وطاقات الإنتاج من خلال رفع التحديات الهيكلية)، وهذا الكلام الإنشائي العام الوارد في البيان يُترجم على أرض الواقع بدفع الدولة والشركات والقطاع الخاص بكل ما أوتوا من قوة لزيادة الإنتاج، ولدفع الناس وتشجيعهم على زيادة الاستهلاك، وإنفاق معظم ما يملكون من أموال، من أجل إنعاش الوضع الاقتصادي الذي يتسّم حالياً بالركود، وبالتالي زيادة معدلات النمو باعتباره المقياس الأهم في النظام الرأسمالي للحالة الاقتصادية للدولة.
إنّ هذا الحل لا شكّ أنّه حلٌ خاطئ، لأنّه لم يُعالج مشكلة توزيع الثروة على الناس وهي المشكلة الأهم، فطالما أنّ المال سيبقى متداولاً بين أيدي القلة فقط، فلا يمكن معالجة المشكلة الاقتصادية مهما بذلوا من جهود لزيادة الإنتاج، ولأنّ تصريف فائض الإنتاج لن يتحقّق مطلقاً بسبب عدم وجود الأموال لدى معظم المستهلكين، ومن هنا كانت دعوتهم إلى تغيير هياكل وأنماط القوى المنتجة، ودعمهم لخصخصة المزيد من المؤسّسات العامة لن تُفيد في تحسين النمو للقضاء على حالة الركود المزمنة التي تسود الدول، ولأنّ المستفيدين دائماً وفي ظل هذه الحلول الترقيعية سيبقون حفنة قليلة من الأثرياء، بينما ستبقى غالبية الناس من الشرائح الفقيرة والضعيفة التي لا حظّ لها من الثروة إلا القليل، فهذه العلاجات الرأسمالية هي علاجات تسكينية غير ناجعة، ستبقي الأوضاع الاقتصادية تدور في حلقةٍ مفرغة، وستبقى المشكلة قائمة كما كانت منذ عشرات السنين من دون حل، طالما بقي النظام الرأسمالي هو النظام السائد في العالم.
أمّا بالنسبة لحرب العملات فقد خرج قادة دول المجموعة بحلٍ وسط كعادة الدول الرأسمالية في إخراج الحلول الوسط، وهو حلٌ يُرضي الطرفين الأمريكي والياباني نسبياً، فاليابان التي اضطرت حكومتها للتدخل، وتخفيض سعر صرف عملتها، لتحسين بيع منتجاتها التي أصبحت مرتفعة الأسعار، ولتحسين قدرتها التنافسية، وعارضتها أمريكا بشدّة والتي ترفض بشكلٍ مبدئي تدخل الحكومات في قيم أسعار عملاتها، والتي تضغط دائماً على كل دول العالم لتترك أسعار عملاتها تتحكم بها آليات السوق، فكان الحل الوسط بينهما هو السماح بتدخل جزئي من الحكومات لمنع ارتفاع كبير وحاد في أسعار العملات، أمّا إنْ كان الارتفاع قليلاً فيكون مقبولاً ولا تتدخل الحكومات في منعه.
ومشكلة أسعار العملات هذه لنْ تُحلّ أبداً بشكلٍ جذري ما دامت العملات غير مُغطاة بموجودات ثابتة ذات مصداقية واضحة كالذهب والفضة، وستبقى أمريكا هي المستفيدة الأولى من ناحية نقدية كون عملتها هي الغطاء النقدي لسائر عملات دول العالم، ومعلومٌ أنّ أمريكا في الأصل هي التي خلقت هذه المشكلة، وذلك عندما فكّت الارتباط في العام 1971 بين الدولار وبين الذهب، وهو ما أدّى إلى نشوب حروب العملات في العالم، وأدّى بالتالي إلى زعزعة الاستقرار النقدي العالمي الذي كان قائماً من قبل على أساس الذهب والفضة، وأصبح بعد ذلك التاريخ عُرْضةً للانهيارات المفاجئة، وصار في مهب الريح.
أمّا بقية المسائل المطروحة في القمّة فهي أقل أهمية، وجاءت الحلول لها تتماشى مع تحقيق مصالح هذه الدول السبع الكبرى ليس إلا، وذلك كمشكلة معاقبة روسيا على احتلالها لشبه جزيرة القرم، وما يترتب عليها من استمرار تهميشها واستبعادها عن المشاركة في المجموعة، وكمشكلة احتمال تصويت البريطانيين في الثالث والعشرين من حزيران (يونيو) لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وما قد يترتب عليه من إلحاق ضعف سياسي واقتصادي بأوروبا، لذلك دعا بيان المجموعة لاستمرار بقاء بريطانيا في الاتحاد، من أجل بقاء الاتحاد قوياً من ناحية اقتصادية وسياسية، وهو ما يعني تدخل مجموعة السبع بشكلٍ سافر في قرار الشعب البريطاني بالتأثير عليه، وكمشكلة النزاع على السيادة في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وهي مشكلة سياسية بحتة وليست اقتصادية، ومن ثمّ فإنّ عرض حلّها بالطرق السلمية كان بمثابة تدخّل سافر في شؤون تلك المنطقة لا يحق للمجموعة أصلاً التدخّل بها، وكمشكلة اللاجئين والمهجرين والنازحين خاصّةً مشكلة لاجئي سوريا وتدفقهم على أوروبا، وحلّها عن طريق جمع الأموال لتوطينهم في المناطق التي لجأوا إليها، وهذا الحل يعني الحفاظ على الأوضاع المأساوية في سوريا على ما هي عليه، وعدم تمكين الثورة في سوريا من الإطاحة بنظام الطاغية بشّار، وإبقاء الشعوب في حالةٍ يُرثى لها من العيش، واعتبار مشكلتهم مشكلة مساعدات إنسانية، وليست مشكلة سياسية، وكمشكلة اتفاقية المناخ والإعلان عن بدء سريانها نهاية هذا العام، مع ما صاحبها من ابتزازات من الدول الكبرى للدول الأخرى، وتحميل الدول الصغرى عبء تلويث البيئة بنفس القدر التي تُلوّثها الدول الصناعية الكبرى، وكذلك الابتزازات بين الدول الكبرى فيما بينها والمتعلّقة باستخدامات مصادر الطاقة المُلوّثة، وحجمها، ونوعها، ومدّة استخدامها.
هذا من حيث المشاكل التي تعرّضت القمّة الأخيرة لمجموعة السبع لها وبطلان الحلول التي وضعتها لها، أمّا من حيث وجود المجموعة نفسها ابتداء فهذه مسألة أخرى يجب توضيحها.
إنّ مجموعة الدول السبع الكبرى بتكتلها هذا فإنّها تُنصّب نفسها وكأنّها مسؤولةٌ عن الشؤون الاقتصادية العالمية التي لا تعنيها، وتُكرّس بالتالي هيمنتها الدائمة على الاقتصاد العالمي من غير وجه حق، فهي بذلك التكتل تقوم بصنع المشكلات، ثمّ تضع الحلول، وكأنّ العالم بجميع دوله راضٍ بقيادتها الدائمة له، موافقٌ على سيطرتها الجبرية على مقدّراته، ممتنٌّ لها على معالجاتها لمشاكله، وشاكرٌ لها على قيامها بهذا الدور، مع أنّ دول العالم لم تطلب منها القيام بهذا الدور، ولا فوّضتها إنشاء هذا التكتل، بل هي التي فرضت نفسها على العالم من دون أنْ تُشاورها، ومن دون إذنٍ منها.
إنّه لمن العسف الكبير والظلم الشديد أنْ تتحكّم سبع دول فقط في مصائرِ أكثر من تسعين دولة، فالصين على سبيل المثال هي الآن القوة الاقتصادية الثانية في العالم ولم يتم إشراكها في هذا التكتل، والبرازيل تملك قوة اقتصادية تفوق قوة إيطاليا وكندا ولم يُعرض عليها الدخول في المجموعة.
وبعد أنْ بلغ التعسف الاقتصادي بسبب هذه المجموعة الاقتصادية مداه، فقد حان الأوان لتغيير هذه الوضعية الدولية الجائرة، لكنّ هذا التغيير سوف لن يكون إلا بقدوم دولةٍ تتبنّى مبدأً مغايراً للمبدأ الرأسمالي، وحيث إنّه لا يوجد سوى الإسلام بوصفه مبدأً يمتلك رؤيةً اقتصاديةً مغايرة، فإنّ التغيير في المنظومة الاقتصادية العالمية لن يحصل إلا بقيام دولة الإسلام؛ دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة التي بمقدورها وضع حدٍ لهذا العبث الرأسمالي بمقدّرات وثروات الشعوب والأمم المغلوبة على أمرها.

ليست هناك تعليقات: