الأربعاء، 16 ديسمبر 2015

خطورة عدم وجود مشروع تغيير حقيقي لدى الحركات والجماعات الاسلامية العاملة في الأمة


خطورة عدم وجود مشروع تغيير حقيقي لدى الحركات والجماعات الاسلامية العاملة في الأمّة




 لقد أصاب الكثير من الحركات والجماعات الإسلامية العاملة في الأمّة ظاهرةٌ خطيرةٌ لافتة للنظر، وهي أنّها عندما تبدأ بالعمل الدعوي ترفع شعارات برّاقة عن التغيير والإصلاح والنهضة، ثمّ ما تلبث أن ينتهيَ بها المطاف لتصبح جزءاً من أجهزة الأنظمة الحاكمة التي قامت أصلا للعمل على تغييرها، ولتقع بعد ذلك في شباك وفخاخ الدول الغربية المستعمِرة التي تتحكم بتلك الأنظمة العميلة، فتستعملها هذه الدول المستعمِرة في النهاية كما تستعمل تلك الأنظمة التابعة لها لتركيز نفوذها في بلادنا، وتُصبح بذلك هذه التكتلات كالأنظمة تماماً، وتتحول من سلاح يخدم الأمّة إلى سلاح يطعنها من الخلف، وتصير أداة من أدواتها التي تتلاعب بها الدول المستعمرة كما تشاء، بعد أن كانت أمل الأمّة في النهوض والارتقاء. ومن المؤكد أنّ السبب الوحيد لهذه الانتكاسة الفظيعة المتكرّرة التي تُصيب تلك الجماعات والحركات الإسلامية، هو عدم امتلاكها لمشروع نهضوي حقيقي للتغيير يتعلق بالأمّة، وبمعنى آخر عدم تقديم الفكرة الإسلامية بوصفها أساسا للنهضة الصحيحة وعدم جعلها أساسا للمعالجات المتعلقة بالحكم والاقتصاد والقضاء والعقوبات والاجتماع والتعليم والسياسة الداخلية والخارجية للناس، وإنّ ما تملكه هذه المجموعات لا يزيد عن كونه شعارات وتعابير لفظية لا واقع لها. أمّا بالنسبة لصفة التدين التي تغلب على الأفراد فإنّها لا تمنح الحركات مشروعاً سياسياً تغييرياً يتعلق بالأمّة، فلا يكفي وجود الصبغة الإسلامية التي يصطبغ بها أفراد تلك الحركات والجماعات في عباداتهم وصفاتهم ومسلكياتهم التي قد يطغى عليها عنصر التدين الفردي، فهذه السمات الفردية لا تعني أنّ هذه التكتلات تحمل مشروعاً إسلامياً، لأنّ مسألة النهضة والتغيير لا تتعلق بالأفراد قطعاً، وإنّما تتعلق بالمجتمعات والكيانات، وما ينطبق على الفرد لا ينطبق على الجماعة، وما يصلح للفرد لا يصلح للجماعة، فللفرد مقومات وللجماعة مقومات، ومقومات الفرد لا تتطابق مع مكونات الجماعة، والتداخل بينهما يُربك العمل، ويُلبس المفاهيم ويُفسد النتائج. فبالإضافة إلى أنّ معظم هذه المجموعات لا يوجد لديها فكرة واضحة عن المبدأ، ولا طريقة محدّدة وثابتة للتطبيق والعمل، فهي أيضاً لا تُدرك حقيقة عمالة الأنظمة الحاكمة للدول الكبرى، وبالتالي لا يوجد عندها مانع من العمل معها، والدفاع عن مشروعيتها، وإخفاء عوراتها، وتدعيم أسس بنيانها، وإطالة عمرها. ومن الأمثلة الحديثة على سقوط مثل تلك الجماعات في شراك الدول الكبرى: قبول بعض الفصائل المسلحة في سوريا والتي ترفع بعض الشعارات الإسلامية للدعم العسكري والاقتصادي والمال السياسي من قبل تركيا وقطر والسعودية، أدّى إلى ارتماء هذه الفصائل في أحضان هذه الدول التابعة للغرب، وارتمائها بالتبع في أحضان الدول الكبرى، وخضوعها بالتالي للأجندة الدولية الكافرة في السير وفق مشاريع الكفر في السياسة والفكر. ومجرد حضور ممثلين عن تلك الفصائل في مؤتمر الرياض للفصائل المعارضة للنظام السوري يعني تخليها تماماً عن المشروع الإسلامي السياسي، لأنّ المؤتمر عُقد بإشارة من أمريكا، وتحت شعارات الدولة المدنية والديمقراطية والتعددية التي تفرضها الدول الغربية على المؤتمرين، وعلى كل من تقبله هذه الدول للدخول في أطرها السياسية، ولم يُذكر في المؤتمر حتى فكرة الهُوية الإسلامية لسوريا التي طالبت فيها بعض تلك الفصائل "الإسلامية". فكل هذه الحركات التي شاركت في المؤتمر أقرّت بقيادة الائتلاف الوطني التابع لأمريكا لها، وكالت الأماديح للدولة السعودية التابعة المموّلة للمؤتمرين، ورضيت بقرارات سياسية وفكرية لا صلة لها بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد. وهذه الحركات فوق كونها باعت نفسها للأنظمة العميلة بثمن بخس، فهي كذلك قد شقّت الصف الإسلامي للثورة في سوريا، وأضعفت من قوة الفصائل الثورية المقاتلة على الأرض، وسهّلت إدخال نفوذ الدول العميلة إلى داخل المجموعات الثورية، وشكّكت بالقوى المجاهدة المخلصة، وأفسدت الأجواء السياسية داخل المجاميع السياسية والثورية بشكل عام في عموم المناطق السورية المحرّرة. إنّ كل الحركات الإسلامية التي شاركت الأنظمة الحاكمة في جزء من كعكة السلطة لم تجنِ من مشاركتها إلا الخيبة والخسران المبين، فحركة مجتمع السلم التي شاركت في الحكومات الجزائرية المتعاقبة بعد فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات، والانقلاب عليها أوائل تسعينات القرن الميلادي الماضي، فهذه الحركة ومشتقاتها قد منحت البراءة والشرعية للنظام الجزائري الحاكم المجرم الذي قام بذبح مئات الآلاف من أهل الجزائر في العشرية السوداء مقابل حقيبتين وزاريتين أو ثلاث حقائب! وحركة العدالة والتنمية في المغرب وبعد بلوغها السلطة قد أضفت القداسة على الملك محمد السادس، ومنحته الشرعية للاستمرار في عمالته وغيّه وفساده وإفساده مقابل رئاسة حكومات عميلة عاجزة مفلسة وهزيلة! وحركة النهضة في تونس والتي تقاسمت السلطة مع العلمانيين فيها، لم تُشارك في القضاء على الثورة التونسية وحسب، بل وساهمت أيضاً في إعادة حكم بقايا "البورقيبية" السياسية العلمانية الكافرة العميلة، والمعادية لكل ما هو إسلامي في تونس! والإخوان المسلمون في مصر وبعد أن تخلوا عن شعار الإسلام هو الحل، استُخدموا أولاً في إنهاء الثورة في مصر، ثمّ أعيد استخدامهم مرةً ثانية في تبييض صورة قادة الجيش المصري، وإعادتهم مرّة ثانية إلى السلطة كأباطرة وأشباه آلهة لحكم مصر بالحديد والنار! وأمّا حزب العدالة والتنمية في تركيا والذي رسمت له أمريكا صورة مشرقة عن الإسلام السياسي بوصفه النموذج المفضل لديها للحكم في البلاد الإسلامية، فقد أُوصل إلى الحكم ولكن بعد تخليه علانيةً عن الإسلام كمشروع حكم، وإعلانه بصراحة ووقاحة عن علمانيته وديمقراطيته، واعتداده بالحريات الرأسمالية التي توصل إلى مفاهيم الشذوذ البهيمية، وتحالفه سياسياً مع أمريكا، وتقاربه فكرياً مع الأوروبيين، وسعيه الدؤوب للاندماج في الاتحاد الأوروبي، واتكائه على الرأي العام الإسلامي العاطفي المستمد من الشعوب المسلمة التي تؤيد بمشاعرها الفطرية كل من تظهر عليه السمات الإسلامية ولو تضليلاً، لتمنحه دعاية وشعبية كبيرة يحتاج إليها في ترسيخ الفكر الديمقراطي الرأسمالي الكافر في قلب العالم الإسلامي! وهكذا نجد أنّ سبب فشل كل هذه الحركات والتنظيمات الإسلامية يرجع إلى سبب واحد ووحيد: ألا وهو غياب المشروع الإسلامي المبدئي للتغيير غياباً كاملاً من أجندتها، والاقتصار منه على المظاهر الفردية التي لا شأن لها بالنهضة ولا بالتغيير.