الاستنصار بالجيوش هو الحل الوحيد للتحرير
إنّه لمن المعلوم بالضرورة أنّ فلسطين تضم في داخلها مدينة القدس والمسجد الأقصى، ومعلومٌ كذلك أنّ المسجد الأقصى بالذات يخص جميع المسلمين في جميع أرجاء المعمورة، لكونه ورد فيه قرآن يُتلى آناء الليل وأطراف النّهار، قال تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ فقَرَنَ الله سبحانه وتعالى في هذه الآية المسجد الأقصى بالمسجد الحرام، فيُفهم من هذا الاقتران أنْ تكون قدسيته مُقترنةً بقدسية المسجد الحرام، وتكون ملكيته عائدة للمسلمين الذين يُقدّسونه كملكيتهم للمسجد الحرام، ويكون حكم الدفاع عنه واجباً عليهم كحكم الدفاع عن المسجد الحرام سواءً بسواء.
فإذا وقع المسجد الأقصى في الأسر، فواجب عندها على جميع المسلمين تحريره كما حرّروه من الصليبيين أيام الناصر صلاح الدين الأيوبي، لأنّه بذلك تحوّل إلى قضية عقائدية كونها ذكرت في القرآن الكريم، وهو بذلك أصبح جزءاً من إيمان كل مسلم، وبات مُتجذراً في قلبه ووجدانه.
ومن فهم الواقع نستطيع القول إنّه لا يُمكن أنْ يُحرّر هذا المسجد إلا بقوة المسلمين التي تكفي لتحريره، والقوة التي تكفي لتحريره غير موجودة إلا عند أهل القوة من المسلمين، وهم بالذات الجيوش، لذلك كان لا بُدّ من استنصار الجيوش لتحريره، لأنّ ذلك واجب عليهم لا يسقط عنهم أبداً إلا إذا حرّروه.
فالأصل إذاً أنْ يُطلب من جيوش المسلمين التحرك الفوري لتحرير المسجد الأقصى من براثن يهود، لأنّ ذلك واجب عليهم، ولأنّهم الوحيدون الذين يمتلكون القوة الكافية لتحريره، فتحريره واجب عليهم وجوباً قطعياً، وطلب النصرة منهم لتحريره واجب على سائر المسلمين الذين لا يستطيعون القيام بذلك الواجب.
وأي كلام عن المقاومة الفصائلية أو الفردية أو عن المُواجهة الشعبية لتحريره هو ضرب من ضروب الخيال، وهو خطاب عبثي لا يُحقّق هدف التحرير، بل هو شكلٌ من أشكال دغدغة المشاعر الذي لا قيمة له في معالجة قضية عقائدية مصيرية كهذه القضية.
فالقوة اللازمة للتحرير في الواقع هي قوة غير موجودة إلا في الجيوش، ولا تطلب القوة إلا من مظانّها، فلا تطلب من الضعفاء، أو ممّن لا يمتلكونها كالفصائل أو المدنيين العزل.
وأمّا الذين يصرّون على جعل تحرير المسجد الأقصى واجباً على أهل فلسطين فقط، أو على المقاومة داخل الاحتلال، فهؤلاء جهلة لا يفقهون أحكام الشريعة، أو متآمرون لا يريدون للأقصى أنْ يتحرّر.
فالأقصى إذاً هو مسألة عقائدية صرفة، وليست مسألة وطنية أو قومية، وتحريره واجب على جيوش المسلمين القادرة على التحرير، لا على المدنيين الفلسطينيين الضعفاء الذين يقبعون تحت الاحتلال.
ومن المغالطات التي قد تنشأ في الأذهان أنّ طلب النصرة من الجيوش يعني طلبها من الحكام الخونة، وهذا خطأ فادح لمن يقول به، لأنّ الحكام شيء والجيوش شيء آخر، فالجيوش ملك للأمّة، ووظيفتها الدفاع عن مُقدّساتها، بينما الحكام الخونة شوّهوا هذه الوظيفة، وجعلوا من الجيوش حاميةً لعروشهم، لذلك كان لا بُدّ من خلع هؤلاء الحكام على أيدي نفس هذه الجيوش المطلوب منها التحرير.
فعلى الجيوش في بلاد المسلمين أنْ تقوم بعملين اثنين رئيسيين هما: خلع الحكام وتحرير المقدسات ومعها البلاد الواقعة تحت الاحتلال، ولا يتمّ ذلك إلا من خلال تحالف الجيوش مع القوى السياسية المبدئية الفاعلة في الأمّة، والتي تسعى لإقامة دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وهي الوحيدة القادرة على فعل ذلك.
أمّا أنْ تبقى الجيوش في ثكناتها لا تخرج منها، أو أنْ لا تقوم بأي عمل عسكري باستثناء أعمال الحراسة التي تحرس بموجبها حدود أعدائها، أو أنْ ينحصر عملها بحماية العصابات العميلة الحاكمة، فهذا والله تشويه لعملها، وتجاوز لصلاحياتها.
ومن هنا كان واجباً على الأمّة التمييز بين الجيوش وبين الحكام، فأي جيش في أي بلدٍ من بلدان المسلمين هو ملك للأمّة، وهو جزء من مُقدّراتها، بينما الحاكم هو حالة طارئة تزول بعد زمن، فالجيش باق والحاكم زائل، فإذا انحرف الحاكم عن وظيفته فلا ينبغي أنْ ينحرف معه الجيش، فلا يأخذ الجيش وصف الحاكم بحالٍ من الأحوال.
فتخاذل الحكام في هذه الأيام عن نصرة المسجد الأقصى ونصرة سائر قضايا المسلمين يجب أنْ يُفصل عن عمل الجيش، فالجيش لا يجوز أنْ يأتمر بأوامر الحكام المتخاذلين أو العملاء، بل يجب عليه أنْ يتمرّد عليهم إذا خانوا أو تخاذلوا، ويجب عليه دوما أنْ يكون مدافعاً عن الإسلام، وذائدا عن بيضة المسلمين وحُرُماتهم.
فإذا استنصر المسلمون بجيوشهم فعلى الجيوش الاستجابة، لأنّ ذلك واجب عليها، لقوله تعالى ﴿وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ﴾ فتحرير الأقصى من الدين، بل هو من صلب الدين، لأنّه موضوع عقائدي مُقدّس، لذلك كان فرض على الجيوش النصرة، وكان فرض على الشعوب الاستنصار، ولا قيمة لموقف الحكام العملاء الجبناء.