أمريكا تقف وراء حرب الأسعار النفطية
منذ تفاهمات عام 2016 بين السعودية وروسيا حول حصص إنتاج النفط بينهما، والأسعار تقريباً في حالة مستقرة عند حدود السبعين دولاراً، ففي تلك التفاهات تمّ تخفيض الإنتاج بحوالي 1.8 مليون برميل منها 1.2 مليون برميل حسمت من منظمة أوبك والباقي تمّ حسمها من حصة روسيا.
وصمدت هذه الاتفاقية وثبتت فيها الأسعار نسبياً حتى مطلع شهر آذار/مارس 2020، حيث تعرضت الأسعار للانخفاض بعد ذلك بسبب وفرة البترول في الأسواق، وبسبب دخول منتجين جدد من خارج منظمة أوبك، وأخيراً بسبب كورونا، وهو الأمر الذي تطلّب عقد اتفاق جديد بين السعودية التي تُمثّل أوبك، وبين روسيا ثالث أكبر مُنتج للنفط في العالم.
فطلبت السعودية وبطريقة فجّة من روسيا وبدون أي مُقدمات أو تفاوض تخفيض إنتاجها بمعدل مليون برميل يومياً، فاستهجنت روسيا طلب السعودية المفاجئ هذا، ورفضته لأنّها فهمت منه أنّه نوع من الإملاء، فاتخذت السعودية من ذلك الرفض ذريعة لها، وقامت بزيادة إنتاجها لأعلى سقف يمكنها الوصول إليه من دون أي تفاهم مع الروس، ونسفت بذلك تفاهمات 2016 بينهما، ثمّ لم تكتفِ بذلك بل قامت أيضاً بتخفيض أسعار تصدير نفطها بحيث خفّضت سعر البرميل الواحد بمستوى أربعة دولارات للأسواق الآسيوية وسبعة دولارات للأسواق الأمريكية وعشرة دولارات للأسواق الأوروبية، وانتزعت بذلك أكبر حصة لها من السوق والتي اقتربت من حاجز الثلاثة عشر مليون برميل يومياً.
وعلى إثر هذا القرار السعودي غير المفسّر ولا المبرّر انهارت أسعار النفط إلى ما دون الثلاثين دولاراً للبرميل الواحد وهو الانخفاض الذي لم يحدث منذ ما يقرب من ثلاثين عاماً.
وكانت النتيجة خسارة للجميع، فخسرت مؤشرات البورصة السعودية بنسبة 15%، وتراجعت أسهم أرامكو، ولحقت الخسارة بجميع الدول المصدرة للنفط كروسيا وإيران والعراق والجزائر وليبيا ونيجيريا وأنغولا وغيرها، كما خسرت أسواق الأسهم النفطية ما بين 50% إلى 40% من قيمتها، وانخفضت كذلك استثمارات مجموعات الخدمات النفطية.
وردّت روسيا على القرار السعودي بتحدٍ وعناد، وقال الرئيس الروسي بوتين: "إنّنا نتعايش مع هذه الأسعار حتى لو نزلت عن 30 دولاراً للبرميل الواحد ولمدة عشر سنوات".
وانخفضت قيمة الروبل الروسي بمقدار 20% وأصبحت تكلفة إنتاج البرميل الواحد في روسيا تقارب تكلفته في السعودية وهي 2.5 دولاراً للبرميل، وهذا التحدي الروسي يُظهر مدى تصميم روسيا على البقاء كدولةٍ فاعلة في منظومة الدول التي تُشارك في عملية تسعير وإنتاج النفط.
لكنّ هذا التحدي الروسي في حقيقته إنّما هو مُوجه لأمريكا وليس للسعودية، وهو رسالة روسية واضحة مفادها أنّ روسيا ستبقى دولة مؤثرة في عالم النفط، وأنّها لن تقبل بتهميش دورها بأي حالةٍ من الأحوال.
إنّ كل المؤشرات والدلائل تُشير إلى أنّ أمريكا هي التي تقف وراء السعودية في قيامها بهذا التخفيض المفاجئ لأسعار النفط وزيادة الإنتاج بصورةٍ غير مسبوقة من قبل، ومن هذه الدلائل:
١- تصريح وزير الطاقة الأمريكي بأنّ إقامة تحالف نفطي أمريكي سعودي هو ما يتم تداوله من صُنّاع السياسة الأمريكية الآن، وما يؤكد هذا التصريح بدء تشكّل تكتل سياسي ضاغط من أعضاء الكونجرس يُطالبون السعودية بالتنسيق الكامل مع أمريكا لصياغة سياسة مُشتركة ترسم خطط إنتاج وتسعير النفط.
٢- يتم التحضير لإرسال مُمثّل من وزارة الطاقة الأمريكية إلى السعودية ليقضي فيها شهراً على الأقل للاتفاق على تفاصيل السياسيات النفطية للبلدين.
٣- قول الرئيس الأمريكي ترامب بأنّه سيدخل في نزاع النفط الدولي في الوقت المناسب، وإعرابه عن اعتقاده بأنّ حرب النفط الحالية بين روسيا والسعودية ستكون مُدمّرة لروسيا، لأنّ اقتصادها بأسره مبني على النفط، وستكون كذلك سيئة للسعودية.
فأمريكا تريد إذاً من هذه الحرب النفطية إخراج روسيا من المعادلة النفطية، والبقاء لوحدها تتحكّم في النفط إنتاجاً وتسويقاً وتسعيراً من خلال تبعية السعودية لها، وهو أمر لم يعد خافياً على المتابعين، فالسعودية في عهد الملك سلمان وابنه محمد تحوّلت إلى مجرد أداة طيّعة بيد أمريكا، فأصبحت رهن إشارتهم في كل سياساتها الخارجية والنفطية، ففي الفترة الأخيرة تمّ تبديل جميع وزراء وطواقم وزارة النفط السعودية، وجيء برجال وطواقم جدد يُنفّذون الأجندة الأمريكية بحذافيرها من دون أي اعتراض، وعلى سبيل المثال أعلنت أمريكا أنّها اشترت 77 مليون برميل نفط من السعودية بسعرٍ رخيص لملء النقص في احتياطي النفط الاستراتيجي الأمريكي، وواضح أنّ هذا هو أحد أسباب تخفيض سعر النفط في الوقت الحالي، ثمّ ما يلبث في المستقبل أن يعود باتجاه الصعود.
فحكام السعودية اليوم يهدرون ثروات الأمّة بطريقة غير مسؤولة لا لشيء إلا لخدمة المصالح الأمريكية، ولتنفيذ أجندة المستعمرين الأمريكيين الجشعين من دون أن يرف لهم جفن