الأربعاء، 25 مايو 2016

انحسار موجة المد اليساري الاشتراكي في دول امريكا اللاتينية


انحسار موجة المد اليساري الاشتراكي في دول امريكا اللاتينية



انحسرت موجة المد اليساري الاشتراكي في دول أمريكا اللاتينية في السنة الأخيرة بشكل كبير، فتبدّلت الأنظمة في أبرز دُولها، وعادت النُخَب اليمينية الرأسمالية الموالية لأمريكا إلى سُدّة الحكم، وتلاشت السياسات الحمائية الاشتراكية التي وَسَمَت اقتصاديات تلك الدول في الحقبة الأخيرة، واختفت معظم برامج الدعم الإنسانية للطبقات الضعيفة - وهي الطبقات التي تُشكّل الأغلبية في تلك الدول - في مجالات الصحة والإسكان والتعليم وغيرها، وفقدت الحركات اليسارية اللاتينية البيرونية والبوليفارية التشافيزية بريقها، وتحطّمت آمالها في التغيير على صخرة التدهور الاقتصادي، وفقدت الأمل في الانعتاق من التبعية الأمريكية الاقتصادية، وتفشّت حالة الركود المزمنة، وكُسِرت حِدّة العداء التاريخي ضد الولايات المتحدة الأمريكية لدى الرأي العام، والتي سادَت مجتمعات أمريكا اللاتينية في الخمس عشرة سنة الأخيرة. إنّه ومنذ أواخر العام 2015 وحتى الآن، والهزائم تتوالى تترى على الأنظمة الاشتراكية اليسارية لصالح اليمين الرأسمالي في دول القارة الأمريكية الجنوبية، فقد مُنِيت تلك الأنظمة بنكسات متباينة في كلٍ من الأرجنتين وفنزويلا وكوبا وكولومبيا والبرازيل. ففي الأرجنتين فاز الرئيس اليميني موريسيو ماكري المتحالف مع الرأسماليين المحليين المهيمنين على غالبية قطاع الأعمال، والمؤيد بشدة للتعاون مع الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية، والتي أجْريت في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2015، فاز ماكري على دانيال سيولي مرشح اليسار المدعوم من الرئيسة البيرونية المنتهية ولايتها كريستينا كيرشنر، وذلك بعد امتداد حكم اليسار في الأرجنتين لمدة 12 عاماً. وفي فنزويلا هُزِم الحزب الاشتراكي الحاكم في الانتخابات التشريعية التي أجْريت في السادس من كانون الأول (ديسمبر) من العام 2015 على يد ائتلاف الوحدة الديمقراطية المدعومة من أمريكا، واعترف الرئيس الفنزويلي اليساري نيكولاس مادورو بهذه الهزيمة وقال: "نحن هنا بكل الأخلاق والمُثل نُقرّ بهذه النتائج السلبية"، وبعد ظهور هذه النتائج بدأت تضغط المعارضة على الرئيس لإجراء استفتاء في صيف هذا العام 2016 للتصويت على إجراء انتخابات مبكرة، والإطاحة بمادورو قبل إكمال فترة حكمه التي تنتهي في العام 2019. وفي كوبا عادت العلاقات الدبلوماسية مع أمريكا في أواخر العام 2015، وفُتحت السفارات بينهما بعد قطيعةٍ دامت أكثر من نصف قرن، وقام الرئيس الأمريكي أوباما نفسه بزيارة رسمية لكوبا، وعادت حالة التطبيع لتسود العلاقات بين الدولتين، وتراجع اليسار، وتلقى ضربةً قاسية بهذه الخطوة في عقر داره. وفي كولومبيا وَقّعت الحكومة الكولومبية الموالية لأمريكا اتفاقية سلام شاملة مع منظمة فارك الماركسية اليسارية بعد قرابة النصف قرن من اندلاع الحرب الأهلية بين الطرفين، والتي راح ضحيتها قرابة الـ 220 ألف قتيل و 6 ملايين نازح، وانتهى بذلك التوقيع تأثير اليسار الاشتراكي القوي على المجتمع الكولومبي. وفي البرازيل تمّ الإطاحة الأسبوع الماضي بالرئيسة اليسارية ديلما روسيف واستبدل بها نائبها ميشيل تامر اليميني الرأسمالي المقرب من الأمريكان، ووافق البرلمان على إجراء التحقيق معها بتهم الفساد، ومن غير المتوقع عودتها إلى الحكم بعد انتهاء التحقيق معها. لقد تمكّن هوجو تشافيز الرئيس الفنزويلي الراحل في نهاية فترة حكمه - والذي كان يملك قدرات خطابية وكاريزما جذّابة - من فرض نسب مالية أعلى على الشركات الأمريكية العاملة في فنزويلا، واتخذ سياسات عدائية لأمريكا في شتّى المجالات، وتمكّن من إنشاء تحالف يساري اشتراكي (بوليفاري) - نسبة إلى بوليفار وهو قائد لاتيني وقف ضد الأطماع الأمريكية في القرن الماضي - واستطاع جمع جميع الدول اليسارية في أمريكا اللاتينية في تجمع سُمّي (ألبا) لمناهضة المصالح الأمريكية الاستعمارية في دول القارة الأمريكية الجنوبية. ومن جهته سعى الرئيس البرازيلي الأسبق لولا دي سلفا إلى إنشاء علاقات تعاون (جنوب – جنوب) بين أمريكا الجنوبية وأفريقيا والدول العربية والآسيوية بعيداً عن تدخلات أمريكا والدول الكبرى الاستعمارية، وشارك في تأسيس مجموعة دول البريكس المؤلفة من روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا لكسر الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، مستغلاً صعود الاقتصاد البرازيلي وضخامته، والذي صُنف بأنّه السابع عالمياً، والذي يأتي ترتيبه مباشرةً بعد الاقتصاديات الكبرى الستة، والتي تضم أمريكا والصين واليابان وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا. وقد شعرت أمريكا بالامتعاض الشديد من تصرفات هؤلاء الحكام اليساريين في أمريكا اللاتينية، وهي التي تعتبرها بمثابة حديقتها الخلفية، فقامت بمواجهة هذه التصرفات بأعمال اقتصادية وسياسية، وبتطويق هذه الدول بتحالفات اقتصادية جديدة مع الدول الآسيوية، وتوثيق رباطها معها، وإبعادها عن مشاركة الدول اللاتينية بتكتلات منفصلة عنها، وقامت بمحاولة عزلها اقتصادياً على كل الجبهات، ووضعت القيود والعراقيل الاقتصادية أمامها للحيلولة دون جعلها تستفيد من السوق العالمية التي تُهيمن عليها أمريكا. فانكفأت هذه الدول على نفسها، ولم تجد لها شركاء اقتصاديين حقيقيين تتكامل معهم اقتصادياً بسبب هذه الهيمنة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وفشلت كذلك مجموعة البريكس في تحقيق أهدافها بسبب ارتباط الصين وهي الدولة الرئيسية فيها بالاقتصاد الأمريكي. وأخيراً عملت أمريكا من خلال السعودية ومنظمة الأوبك على إبقاء أسعار النفط منخفضة ممّا أدّى إلى ضرب الاقتصاد الفنزويلي الذي يعتمد كلياً على النفط، وهو ما تسبّب في خلخلة الوضع السياسي فيها، وفقدانها بالتالي القدرة على التأثير في سائر الدول اللاتينية. لقد تدهور الاقتصاد الفنزويلي بشكل خطير، فتفاقمت المشاكل الاقتصادية في فنزويلا بدرجة غير مسبوقة، وبلغت نسبة التضخم فيها إلى حدود الـ 200 % وتراجع الناتج المحلي الفنزويلي بنسبة 5.7 % لعامين متتاليين، وانخفضت قيمة العملة إلى أقل من 10%، ونقصت المواد الغذائية والأدوية في الأسواق، وانقطع التيار الكهربائي باستمرار، واندلعت الاضطرابات وأعمال الشغب، وصاحبتها أعمال سلب ونهب، واضطر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو إلى إعلان حالة الطوارئ لمدة ستين يوماً، ونزلت القوات العسكرية إلى الشوارع لقمع تظاهرات الساخطين الذين تقودهم المعارضة المسيطرة على البرلمان، واتّهم مادورو واشنطن بوقوفها وراء الأحداث فقال: "إنّ واشنطن تفعل الإجراءات بناء على طلب اليمين الفاشي الفنزويلي الذي شجّعه الانقلاب الذي حصل في البرازيل"، وقام الجيش الفنزويلي بمناورات عسكرية خوفاً من انقلاب عسكري تقوم به المعارضة لإسقاط مادورو من الحكم بمساعدة أمريكا. وقال مسؤولون أمريكيون في المخابرات الأمريكية: "إنّ الولايات المتحدة تشعر بقلق متزايد من احتمال حدوث انهيار اقتصادي وشيك في فنزويلا، ويدفع لذلك مخاوف من التخلف عن سداد الديون وزيادة الاحتجاجات في الشوارع والتدهور في قطاع النفط الحيوي في البلاد". إنّ أمريكا تعمل بكل السبل لمنع دول أمريكا اللاتينية من نيل الاستقلال السياسي والاقتصادي الكامل، فهي تعتبرها جزءاً لا يتجزأ من منظومتها الجيوسياسية، وهي منذ مبدأ مونرو الذي أصدرته عام 1825م تتعامل مع أمريكا اللاتينية بوصفها حديقتها الخلفية التي لا تسمح لأحد بالعبث بها سواها، كما أنّها تعمل دائماً على إبقائها تحت جناحها بكافة الأساليب. لقد كانت أمريكا في الماضي تعتمد على العسكر وعلى الأنظمة البوليسية في الحفاظ على نفوذها، وقد ثبت أنّ جميع الانقلابات التي وقعت في دول أمريكا اللاتينية في السابق كانت بتدبير من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية. لكنّها اليوم غيّرت أساليبها في التعامل مع دول أمريكا اللاتينية، وأصبحت تعتمد على السياسات الاقتصادية، والعملاء السياسيين، لأنّه لم يعد مقبولاً التعامل مع الدول في القرن الحادي والعشرين الميلادي بأساليب القرن العشربن، وقد ردّ الرئيس الأمريكي باراك أوباما على اتهامات الساسة اللاتينيين لأمريكا بأنّها تسعى لتدبير الانقلابات في القارة الأمريكية بالقول: "إنّ بلاده تعلمّت الدرس من أخطاء الماضي"، وطمأنهم بأنّ بلاده لم تعد الدولة نفسها التي دبّرت انقلابات بالجملة في دول مختلفة بالقارة الأمريكية الجنوبية. إنّ أهم أسباب الانحسار اليساري الاشتراكي في دول أمريكا اللاتينية لا يعود إلى قوة أمريكا، ولا إلى صحة المبدأ الرأسمالي الذي تنتهجه، وإنّما يعود إلى فشل المذاهب الاشتراكية في أن تكون بديلاً عن النموذج الرأسمالي المتغوّل في العالم، فهذه المذاهب إنّما جاءت في الأصل كترقيعات للعيوب الرأسمالية الكثيرة، وللتغطية على قصورها في تلبية حاجات الشرائح الضعيفة في المجتمعات، فهذا النوع من الاشتراكية لا يملك فكرة كلية يستند إليها، لأنّه خليط مهجّن من الرأسمالية والاشتراكية، ولا تكفي العواطف والحماسة في إسقاط النظام الرأسمالي العالمي المهيمن منذ قرون على الاقتصاد العالمي، وبما أنّ الشيوعية نفسها قد فشلت في مواجهة الرأسمالية، فمن بابٍ أولى أنْ تفشل فكرة اشتراكية الدولة التي حاولت دول أمريكا اللاتينية تطبيقها، لأنّ هذه الفكرة في الأصل خرجت من رحم الرأسمالية لمواجهة الشيوعية، فهي ليست فكرة مستقلة قائمة بذاتها، ولا فكرة مبدئية تنبثق عن عقيدة كلية، لذلك كان فشلها في مواجهة الرأسمالية المتوحشة مسألةً محسومة. إنّ الفكرة الإسلامية هي الوحيدة القادرة على هزيمة الفكرة الرأسمالية وإزالتها من الوجود، وقادرة بالتالي على إزالة جميع آثارها ومضارها ومظالمها.

الأربعاء، 18 مايو 2016

نشر منظومة الصواريخ الأمريكية في أوروبا الشرقية يوجد توتراً في العلاقات الدولية



نشر منظومة الصواريخ الأمريكية في أوروبا الشرقية يوجد توتراً في العلاقات الدولية




شرَعت أمريكا يوم الخميس 12 أيار/مايو الجاري رسمياً بتشغيل نظام الدفاع الصاروخي بتكلفة 800 مليون دولار في قاعدة عسكرية قديمة تعود للحقبة السوفييتية في ديفيسيلو جنوب رومانيا، حيث تمّ تدشين وإدخال مُجمّع (إيجيس) للدفاع الصاروخي في ما يُسمّى بحالة (الاستعداد العملياتي)، وحضر حفل الافتتاح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس ستولتنبرغ ومسؤولون عسكريون أمريكيون ورومانيون كبار.
وقال قائد القوات البحرية الأمريكية في أوروبا مارك فيرغسون: "إنّ الولايات المتحدة ورومانيا تصنعان التاريخ اليوم من خلال تقديم هذا النظام لحلف شمال الأطلسي"، أمّا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) فقال: "إن النظام يُمثّل تعزيزاً مهماً لقدرة الدفاع عن الحلفاء الأوروبيين ضد انتشار صواريخ باليستية تنطلق من خارج المنطقة الأوروبية الأطلسية" وزعم أنّ "الموقع في رومانيا، تماماً مثل الذي سيُقام في بولندا، ليس موجها ضد روسيا"، ويهدف مشروع الدرع الصاروخية لحلف شمال الأطلسي - وفق كلام المسؤولين العسكريين الأمريكيين - الذي كان قد تمّ إطلاقه عام 2010 إلى نشر صواريخ اعتراضية من طراز اس ام 2 ورادارات قوية في شرق أوروبا وتركيا بشكل تدريجي، ويُعتبر هذا الموقع الذي بدأت الأعمال فيه منذ تشرين الأول/أكتوبر سنة 2013 جزءاً من المرحلة الثانية من المشروع، وذلك بعد إتمام المرحلة الأولى منه، والتي تمّ فيها نشر نظام راداري في تركيا، ونشر أربع سفن من نوع إيجيس مزودة بقدرات دفاع صاروخي في منطقة روتا الإسبانية.
وسيوضع بعد ذلك حجر الأساس لبناء المرحلة الثانية من منظومة (ايجيس) بالقرب من بلدة ريدزيكوفو شمال بولندا، والذي سيدخل حيز الخدمة في العام 2018.
وقد ظهر على المسؤولين الروس حالة من الغضب الشديد بعد تدشين المنظومة، حيث شعروا بأنّهم المستهدفون منها بالدرجة الأولى، وأدركوا بأنّ أمريكا قد ضربت عرض الحائط بجميع الاتفاقيات الدولية السابقة معهم، فحاول ويل ستيفنس المتحدث الرسمي باسم السفارة الأمريكية لدى موسكو تهدئة مخاوفهم فقال: "إنّ نشر منظومة الدفاع ضد الصواريخ في رومانيا وبولندا يتوافق مع معاهدة إزالة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى كامل التوافق".
وادّعى أنّ الهدف من نشر هذه المنظومة هو توفير الحماية الكاملة لشركاء الناتو في أوروبا من التهديد الباليستي المتزايد من إيران حسب زعمه، وقال إنّ إيران: "تُواصل تطوير الصواريخ الباليستية واختبارها للصواريخ بعيدة المدى، وهو ما يُمكّنها من بلوغ أراضي البلدان الأعضاء في (الناتو)".
إنّ أمريكا في استراتيجيتها هذه لنشر الأنظمة الدفاعية الصاروخية على طول الحدود الروسية الدولية، تبدو غير عابئة نهائياً بالمصالح الاستراتيجية الروسية، بل وتنتهك بوضوح كل المواثيق والمعاهدات الموقّعة بين الطرفين بعد سقوط الاتحاد السوفييتي في سنة 1991.
فمعاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية المعروفة اختصاراً باسم ايه بي أم (ABM) والتي وُقّعت في الثامن والعشرين من أيار/مايو سنة 1972 كانت قد منعت - كلتا الدولتين أمريكا وروسيا - من نشر أنظمة دفاعية ضد هجمات صاروخية نووية باستخدام صواريخ باليستية طويلة المدى، وها هي أمريكا اليوم تخرقها بكل صفاقة وتحدٍ.
ومن جهةٍ أخرى فقد تزامن نشر هذه المنظومة مع استفزازات أمريكية أخرى ضد روسيا، وذلك مع انطلاق مناورات عسكرية جورجية أمريكية أوروبية تحت اسم (نوبل بارتنر 2016) أي الشريك الجدير، والتي بدأت يوم الأربعاء الماضي قبل نصب المنظومة بيوم واحد، وتستمر هذه المناورات حتى 26 أيار/مايو الجاري، ويُشارك فيها ما يزيد قليلاً عن 1300 عسكري، منهم 600 أمريكي، و100 بريطاني، و500 جورجي، وآخرون.
وردّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على تلك الاستفزازات والتحدّيات الأمريكية ردّاً باهتاً لا يتناسب مع ضخامة حجمها فقال: "إن تشغيل منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا أمر يدعو للأسف"، واعترف في كلمةٍ له أمام مسؤولين روس كبار في مؤسسة الدفاع والتصنيع العسكرية الروسية بقوله: "إن هذه الدرع تستهدف إبطال فاعلية الترسانة النووية الروسية، وإنها خطوة نحو سباق تسلح جديد"، وأشار إلى أن "منظومة الدرع الصاروخية ليست منظومة دفاعية، بل هي جزء من الإمكانيات النووية لأمريكا، التي نُقلت إلى الخارج وتحديدا إلى شرق أوروبا". وأضاف بأنّ "بلاده ستتخذ كل الإجراءات من أجل الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في العالم، وأنّه لن تنجر بلاده إلى سباق تسلح جديد، لكنها ستعدل خططها لإعادة تسليح الجيش بما يتناسب مع مستوى الخطر"، فهو سيبدأ من الآن بالتفكير بتعديل الخطط، بينما أمريكا ترجمت الخطط إلى أعمال، وفرق بين الأعمال والأقوال، وبكلامه هذا يظهر وكأنّه سلّم بالتفوق الأمريكي في هذا المضمار.
والحقيقة أنّ هذه المنظومة الصاروخية الأمريكية التي تمّ نصبها في شرق أوروبا لا تعمل فقط على الإخلال بالتوازن الاستراتيجي مع روسيا وحسب، بل كذلك تُخِلّ التوازن مع الصين مستقبلاً، فهي من ناحية عملية ستُوفّر لأمريكا تفوقاً استراتيجياً غير مسبوق على هاتين الدولتين، وعلى غيرهما، إذ تستطيع أمريكا من خلالها إسقاط أي صاروخ باليستي ينطلق إليها من الصين أو من روسيا، بينما لا تستطيع روسيا ولا الصين إسقاط أي صاروخ أمريكي ينطلق تجاههما، وهذا يعني أنّه في الوقت الذي تكون فيه الولايات المتحدة بمنأى عن أي هجوم صاروخي خارجي، لأنها تستطيع صدّه وإسقاطه، فإنّ روسيا والصين وكل بلدان العالم ستكون معرضةً لأي هجوم صاروخي أمريكي قد يُشن ضدها، ذلك لأنّ أيّاً من دول العالم لا تمتلك المقدرة الفعلية نفسها التي تمتلكها الولايات المتحدة، وهذا وضع استراتيجي دولي مختل، لم يوجد في أي وقت من الأوقات فيما مضى من العقود.
وهذا الوضع الدولي العسكري الاستراتيجي الجديد لا شكّ أنّه وضع مختل لصالح دولة واحدة هي أمريكا، وهو من شأنه أنْ يوجِد التخوف الحقيقي لدى جميع دول العالم، وليس لدى روسيا والصين فحسب، لأنّ هذا النظام سينتقل على الأرجح في مراحل لاحقة - في سياق هذه الاستراتيجية - حتى إلى حلفاء واشنطن البعيدين عنها جغرافياً مثل اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية، أي على حدود الصين، وفي فضائها الحيوي، فمسألة نقله ونشره مسألة وقت، ولدى أمريكا الكثير من الذرائع لتبريره.
وحتى دول الاتحاد الأوروبي نفسها وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا، فإنّها قد تضرّرت كثيراً من هذا النظام، لإدراكها بأنّ أمريكا لا تُلقي بالاً للشراكة الأطلسية معها في تبني استراتيجيات أمن مشتركة، فهي تنتقدهم إذا قاموا بعمل دفاعي أوروبي خاص بهم، بينما لا تُشاورهم عندما تقوم هي بنشر منظومتها الصاروخية الخاصة بها، لذلك فقد لوحظ أنّ نشر المنظومة الصاروخية الأمريكية في رومانيا وفي بولندا، ومن قبل في إسبانيا وتركيا، لوحظ أنّ نشرها قد قوبِل بفتورٍ شديدٍ لدى دول الاتحاد الأوروبي الرئيسية، فلم يُشارك في مشهد الاحتفال بنشر المنظومة برومانيا أي مسؤول أوروبي، وبدا للجميع وكأنّ تلك المنظومة خاصة بأمريكا ورومانيا، وليست عامّة بين أمريكا وشركائها الأوروبيين المشتركين معها في نفس حلف الناتو، وقد ظهر بالفعل في تعليقات وسائل الإعلام الأوروبية على الموضوع نوع من الامتعاض.
وأمّا روسيا فلم يُسعفها معاونتها الثمينة لأمريكا من خلال زجّها لقواتها إلى سوريا، ودعمها لنظام الطاغية بشّار، وحمايته من السقوط، بالتنسيق الكامل مع أمريكا، فكافأتها أمريكا بنشر أخطر وأحدث منظوماتها الصاروخية على حدودها، وهو ما جعلها تفقد قدرة الردع الاستراتيجي التي احتفظت بها منذ أيام الاتحاد السوفييتي، وتفقد معها القدرة على تهديد المصالح الأمريكية، وتتحوّل بالتالي إلى مجرّد دولة من الدرجة الثانية، يُطلب منها فقط تأمين المصالح الأمريكية مقابل أثمان بخسة.
وأمّا بالنسبة لدور البلدان الإسلامية بقياداتها الحالية، وعلاقتها بالمنظومة الصاروخية الأمريكية، وبالذات دورَيّ كلٍّ من تركيا وإيران، فقد أثبتت أنّها إمّا مجرد محطات قواعد للرادارات الأمريكية كما حصل مع تركيا، وإمّا أنّها ذرائع تُستخدم كفزّاعات لنشر الصواريخ الأمريكية في مناطق مختلفة مثل ما جرى مع إيران.
إنّ هذا التفوق الأمريكي الجديد في مجال السلاح الصاروخي الباليستي، وتوظيفه في فرض السيطرة الأمريكية الأحادية على جميع دول العالم، قد أحدث خللاً بيّناً في الموقف الدولي، وأخلّ بالتالي بالتوازن العسكري الدولي، فأوجد حالةً غير مسبوقة في تفرد دولة واحدة في مجال منظومات الدرع الصاروخي، وهو الأمر الذي يستوجب - عالمياً - قيام دولة مبدئية جديدة تمتلك من وسائل القُوّة ما يُمكّنها من إصلاح هذا الخلل، ووضع حد لطغيان أمريكا، وجبروتها العسكري، ولا يوجد في هذا الصدد من بديل عالمي جديد سوى قيام الدولة الإسلامية - دولة الخلافة على منهاج النبوة - التي تملك من أسرار القوة الحقيقية، ومفاتيح التحدي والجرأة، ما يؤهّلها للقيام بهذا الدور المتميز.

الاثنين، 16 مايو 2016

جون كيري يشجع البنوك والشركات الأوروبية على التعامل مع إيران


جون كيري يُشجّع البنوك والشركات الأوروبية على التعامل مع إيران 


   


   الخبر: 
 اجتمع وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الخميس الموافق 12/5/2016 في لندن مع عشرة من كبار المسؤولين التنفيذيين في البنوك الأوروبية، وشارك في الاجتماع المبعوث التجاري لإيران لورد لامونت، وحضره أيضاً وزير الأعمال البريطاني ساجد جاويد، وأبلغ كيري الحاضرين بأنّ: "الولايات المتحدة لن تُعاقب البنوك الأوروبية التي تستأنف علاقاتها التجارية مع إيران بشكلٍ مشروع"، وطمأنهم بعدم فرض عقوبات على بنوكهم إذا تعاملوا مع إيران كما فعلت معهم في السابق لخرقها العقوبات الأمريكية.  


 التعليق:  

 من المعلوم أنّ الولايات المتحدة ومجموعة دول الاتحاد الأوروبي كانت قد رفعت العقوبات عن إيران في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري بعد توقيع الاتفاق النووي مع إيران عقب تخليها عن برنامجها النووي، وتفكيكها لمكوناته، وتسليمها لليورانيوم المخصب الذي كان بحوزتها إلى روسيا.   لكن وبعد الإعلان عن رفع العقوبات لم يتحسّن وضع إيران الاقتصادي وذلك بسبب استمرار تخوف الشركات الأوروبية من طائلة العقوبات الأمريكية بسبب برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية هذه المرة وليس بسبب البرنامج النووي، خاصة وأنّ الإدارة الأمريكية كانت قد أعلنت بأنّها ستفرض عقوبات جديدة على ايران بسبب ذلك البرنامج الصاروخي.   واشتكت إيران بمرارة من بقاء العقوبات، وجاءت الشكوى على أعلى المستويات، وبلسان مرشدها خامنئي نفسه والذي أظهر تبرّماً من البطء في رفع العقوبات الغربية عنها، وألقت إيران باللائمة على الولايات المتحدة في تأخر استئناف العلاقات التجارية معها، وطالبتها برفع العقوبات فوراً.   وكذلك تشكّكت المصارف الأوروبية في جدية رفع أمريكا للعقوبات عن إيران، ولم تجرؤ الشركات الأوروبية على التعامل مع ايران بسبب عدم دعم المصارف لها، وهو الأمر الذي تسبّب في استمرار حالة الركود التي لازمت الاقتصاد الإيراني. لذلك سارعت أمريكا إلى طمأنة الأوروبيين إلى عدم وجود عقوبات جديدة على إيران، وطالبتهم بالذهاب والاستثمار في إيران.   فلو كانت أمريكا جادة في استمرار معاقبة إيران على برنامجها الصاروخي لما جاء كيري إلى لندن ليطمئن المصرفيين الأوروبيين على دعم الشركات الأوروبية للاستثمار في إيران، لكنّ أمريكا أدركت أنّ إيران لم تستفد من رفع العقوبات عنها بسبب تلويحها بمعاقبة من يتعامل من الأوروبيين معها، لذلك جاء كيري إلى لندن ليزيل تلك المخاوف فقال: "إنّ الهدف من اجتماع لندن هو الاستماع لمثل هذه المخاوف ومحاولة تبديدها"، فأمريكا تُريد إذاً وبصراحة من أوروبا أن تتعامل مع إيران وأن لا تخشى العقوبات التي لوّحت بها، وبمعنى آخر تريد أن تُخبر الأوروبيين بأنّه لا توجد أي عقوبات على إيران، وأنّ تصريحات بعض المسؤولين الأمريكيين حول فرض عقوبات جديدة على إيران هي من باب المزايدة، ولا واقع لها.   فاجتماع كيري مع كبار المسؤولين المصرفيين الأوروبيين في لندن سيؤدي وفقاً للرؤية الأمريكية إلى تحسين الوضع الاقتصادي الإيراني، وهو ما من شأنه أنْ يُساعد في جعل التعامل المالي بين إيران والعالم الغربي يجري بسلاسة وبلا قيود، ويُمكّن إيران بالتالي من القيام بدورها الوظيفي المرسوم لها في تمويل الأعمال العدوانية المختلفة في المنطقة، لا سيما الأعمال العسكرية ضد ثورة أهل سوريا، ومحاولة تثبيت نظام الطاغية بشار، وهو ما يصب قطعاً في مصلحة الاستراتيجية الأمريكية الواضحة في سوريا، والتي تعمل على ضرب الثورة وحماية النظام المجرم فيها من السقوط.   إنّ مجرد مثل هذا التدخل الأمريكي المكشوف لدعم الاقتصاد الإيراني يفضح مدى كذب الادّعاءات الأمريكية التي تزعم بأنّ أمريكا تُضيق الخناق على إيران، ويُفنّد المزاعم الإيرانية بأنّ إيران تُواجه أمريكا وتعتبرها عدواً استراتيجياً لها.   فتسهيلات أمريكا المصرفية الحالية لإيران، ودمجها من قبل في نظام سويفت العالمي للحوالات المالية، والإفراج عن عشرة مليارات من الدولارات وتحويلها إلى إيران الشهر الماضي، وغير ذلك من الإجراءات والتسهيلات المالية والاقتصادية العديدة، كل ذلك لا شك أنّه يُفضي إلى تقوية مركز إيران الجيوسياسي، وتمكينها بالتالي من القيام بالأدوار المشبوهة التي تقوم بها خدمةً للمصالح الأمريكية في المنطقة، وحفاظاً على النفوذ الأمريكي فيها.   - 

الأربعاء، 11 مايو 2016

ثورة الشام أكبر من أنْ تخضع لسيطرة أمريكا وشركائها وتوابعها


ثورة الشام أكبر من أنْ تخضع لسيطرة أمريكا وشركائها وتوابعها



تونس مثال صغير لنهب الثروات في بلاد الثورات




اجوبة أسئلة حول موضوع تونس مثال صغير لشركات نهب الثروات في بلاد الثورات





الخميس، 5 مايو 2016

مقومات دولة الخلافة



مقومات دولة ‏الخلافة





مقومات أي شيء في الدنيا يُقصد بها العوامل والعناصر والشروط الرئيسية التي يوجد بسببها ذلك الشيء، والتي من دونها لا يوجد، فهي قوامه وعماده، ومقومات‏الدولة الإسلامية يُقصد بها العناصر والعوامل والشروط التي تقوم بها الدولة، وبمعنى آخر فالمقومات هي الركائز التي تستند إليها الدولة في وجودها وبسببها، ومن دونها لا توجد دولة، فقوام الدولة بجميع أركانه يُبتنى عليها، وعمادها بكليته يستند إليها.
ومقومات الدولة الإسلامية تُقسم إلى قسمين: فكرية ومادية، أمّا المقومات الفكرية فتتعلّق بواقع نظام ‏الحكم، وقواعده، وصفاته، وشكله، وطريقة إيجاد السلطان فيه، وتحوّله، وأمّا المقومات المادية فتتعلق بالأمن والأمان، والقوة و ‏النصرة والشوكة، والمكان وطبيعة الأرض ومساحتها، وموقعها الجغرافي والطبوغرافي، والموارد والثروات المتوفرة، والمرافق والتجهيزات الخدْمية المُتاحة، والبُنى التحتية الموجودة.
ولذلك لا تُعتبر دولة ‏طالبان التي أقيمت في ‏أفغانستان قبل الغزو الأمريكي دولة خلافة، لأنّها أعلنت عن نفسها أنها إمارة أفغانية، وليست دولة لكل المسلمين، وكذلك لا تُعتبر سيطرة ‏تنظيم الدولة الإسلامية على بعض الأراضي في ‏العراق و‏الشام وفي بعض المناطق الأخرى دولة خلافة لأنّها تفتقد أصلا لأدنى مقومات الدولة - وسنتحدّث عن تلك المقومات بعد قليل - فهو ما زال تنظيما عسكريا يسيطر على مساحة من الأرض، مثله مثل بعض التنظيمات العسكرية، كما لم يحدث وأنْ أقيمت أي دولة إسلامية في أي مكان بعد آخر دولة إسلامية وجدت عند المسلمين وهي الدولة العثمانية، فالواقع أنّه لم تُقم دولة الخلافة نهائياً في أي قطر من الأقطار منذ زوالها على أيدي الكفار في العام 1342 هجرية الموافق للعام 1924 ميلادية.
ودولة الخلافة لا تعني مجرد السيطرة على مكان ما، وإنّما تعني الكيان التنفيذي لمجموعة المفاهيم والمقاييس والقناعات الإسلامية التي تقبّلتها غالبية المسلمين في قطر من الأقطار، أو تقبّلتها المجموعة الأكبر منهم، وهي رئاسة عامة للمسلمين جميعاً في الدنيا لتطبيق أحكام الدين الإسلامي وحمل دعوته إلى العالم.
لذلك كانت ‏المفاهيم والمقاييس والقناعات المتعلقة بدولة الخلافة هي من أهم مقوماتها، فيجب أنْ تكون واضحة، مُبلورة، ومحدّدة في أذهان الناس عند قيام الدولة، بل وتُشكّل الرأي العام الأقوى من سواها لديهم بُعَيْد قيامها. ولذلك فإن الذين يسيطرون على مناطق من خلال القوة العسكرية التي يملكونها ويجهلون تلك المفاهيم والمقاييس والقناعات، ولا توجد لديهم أدنى معرفة بقواعد نظام الحكم في الإسلام، ولا يُميّزون بين الدولة الإسلامية والدولة ‏الطائفية أو الدولة المذهبية، والفكرة لديهم عن طبيعة الدولة مبهمة وغامضة، ولا يملكون أدنى فكرة عن نظام الاقتصاد الإسلامي ولا عن السياسة الخارجية للدولة الإسلامية، ولا يقومون بطرح تلك الأنظمة على الناس، ولا يطبقونها في مناطق سيطرتهم، لا تُعد الدولة التي يعلنونها دولة حقيقية فضلا عن أن تكون دولة خلافة.
ولا يتحوّل السلطان عادةً في أي منطقة تحوّلاً حقيقياً إلا إذا تركزت عند الناس مجموعة من المفاهيم والمقاييس والقناعات باعتبارها رأياً عامّاً ناتجاً عن ‏وعيٍ عام، لذلك فلا يوجد أي سلطان إسلامي حقيقي في مناطق سيطرة تنظيم مسلح قام بالاستيلاء العسكري على تلك المناطق وأعلن نفسه دولة، فالاستيلاء شيء والسلطان شيء آخر.
هذا من حيث المقومات الفكرية لقيام دولة الخلافة، أمّا من حيث المقوّمات المادية فإنّ الدولة - أي دولة - لا تُقام إلا إذا توفّرت عدة عناصر وشروط مادية لا بُدّ من وجودها قبل قيام الدولة، ومن أولاها وجود القوة المادية التي تكفي لحماية القطر الذي تُقام فيه الدولة داخلياً وخارجياً لتحقيق الأمن والأمان للناس، وصد أي عدوان خارجي يُشن عليهم، وقد عُبّر عن مفهوم القوة عند علماء السلف بالشوكة، فقال الإمام الجويني: "إنّ العبرة ليس في العدد وإنّما في تحقيق الشوكة بهم"، وتحقيق الشوكة يستلزم حيازة ما يكفي من قوة لدفع الأعداء، والرسول ﷺ لم يقبل نصرة بني شيبان التي عُرضت عليه، لأنّ نصرتهم كانت مقتصرة على ‏العرب دون العجم، فالنصرة من ناحيةٍ شرعية وواقعية يجب أنْ تكون كاملة غير منقوصة، وأنْ تشمل الحماية في الداخل وفي الخارج.
فلا يصح لأية جهة، سواء كانت تنظيما مسلحا، أو غير ذلك أن تعلن نفسها دولة، أو أن تعتبر أنها أقامت دولة، في حال عدم توفر المقومات المادية اللازمة لقيام الدولة، ففي العراق وسوريا مثلا عشرات الفصائل التي تُقاتل ضد الحكومة العراقية والحكومة السورية، وضد الكيانات الكردية، وبعض الفصائل تتقاتل فيما بينها، فلا يصح لتنظيم أن يعلن إقامة الدولة وهو لم يستطع حسم صراعه العسكري مع كل تلك الفصائل والكيانات والحكومات المعادية له والمتناقضة معه، فلم ينتصر عليها، ولم تخضع هي له، وبالتالي لم يستطع بسط سيطرته لا على العراق ولا على سوريا، وظلّت غالبية السكان فيهما خارجة عن سيطرته، وبقيت العواصم والمدن الرئيسية فيهما ليست بيده، كما بقيت الموانئ والمطارات وأهم المنشآت في الدولتين تحت سيطرة غيره، إذ بقيت بيد الدول القائمة سواحلُ البحار التي تصلح لأنْ تكون مصدر إمداداتٍ لوجستيةٍ مهمّة، والمطارات والطائرات، والموانئ والسفن، والمرافق الأساسية للدولة، وما فيها من بُنى تحتية.
إن الخلافة ليست دولةً تقليدية عادية كالدول التي نعهدها، فهي دولة عظيمة تُطبّق شرع الإسلام العظيم، وتحمل دعوته إلى العالم بالدعوة و ‏الجهاد، فأمرها عظيم، وشأنها جلل، وخبر قيامها سيحدث زلزالاً في الأوساط السياسية العالمية، وسينزل الإعلان عن قيامها نزول الصاعقة على الدول الكبرى الاستعمارية والطامعة، لأنّه ومنذ اليوم الأول لقيامها ستبدأ الموازين العالمية بالتغيّر، وسيشعر كل مسلمي الأرض بأنّ الدولة دولتهم، فيبدؤون بالاحتشاد والتجمع والانصهار والتوحد، وسيشْعر غير المسلمين من الشعوب الفقيرة والمستضعفة بأنّ الدولة الجديدة دولة عدل ورحمة، ستُنصفهم، وتُعينهم على التخلص من هيمنة أمريكا وشركائها، ومن جميع قوى الشر والطغيان الرأسمالية العالمية